نشرت صحيفة “أوبزيرفر” تقريراً لمحرر الشؤون الدبلوماسية باتريك وينتور قال فيه إن الغضب الحوثي على إسرائيل أعاد تشكيل السياسة في الشرق الأوسط، مضيفاً أن الغارات الأمريكية- البريطانية على اليمن زادت من التوترات في منطقة حافلة بالنزاع والعنف.
وقال وينتور إن الولايات المتحدة حاولت، في الصيف الماضي حفز السعودية على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، إلا أن الرياض كانت منشغلة في حينه بسلام مختلف على حدودها الجنوبية، ومع واحدة من أنجح حركات التمرد في العصر الحديث، حركة الحوثيين، المعروفة أيضا باسم “أنصار الله”.
ومع استمرار الهدنة في داخل اليمن، والمفاوضات التي توسطت بها بشكل رئيسي عمان، سافر وفدٌ من الحوثيين، في 14 أيلول/سبتمبر، إلى الرياض واجتمع مع خالد بن سلمان، وزير الدفاع وشقيق ولي العهد السعودي.
ظلت إسرائيل، وخلال عقود، خائفة من مضيق باب المندب، وأنه نقطة ضعف لتجارتها، ولهذا عملت على بناء تحالفات مع ما تعرف اليوم بإريتريا
وظلت الخلافات قائمة، إلا أن السلام كان في الطريق، على يبدو، إلى البلد، وبشروط أملتْها الحركة التي لم تكن قوة سياسية حتى بداية القرن الحالي. وكانت السعودية مستعدة لململة خسائرها في الحملة العسكرية الكارثية التي شنتها عام 2015. وتغير الوضع بعد 23 يوماً من اللقاء، فقد اخترقت “حماس” حدود إسرائيل، وقتلت إسرائيليين، ما قاد إلى سلسلة من الأحداث جعلت اليمن عرضة ليومين من الغارات الأمريكية- البريطانية، نسقت بشكل أساسي من بوارج البلدين الحربية في البحر الأحمر. فالهجوم على القواعد العسكرية في اليمن، وكذلك تصعيد التوتر في منطقة تعيش أصلاً دوامة العنف، أبعد اليمن عن السلام الداخلي.
وفي بلد الفروق الدقيقة، أضافت الغارات عاملين لتعقيد الوضع المشوب أصلاً بالنزاع. الأول، هو دعم الحوثيين للقضية الفلسطينية، والوضع الجغرافي الذي يعطي اليمن القدرة على تشكيل الديناميات.
وكما لاحظت الكاتبة الأيرلندية التي ركزت اهتمامها على اليمن، إيونا كريغ، فاليمن في جوهره عن الجيوسياسة، المكان الذي تتلاقى فيه الجغرافيا والسياسة.
وربما كان اليمن فقيراً، إلا أن الثمار غير المحمية للعولمة الغربية تعبر شواطئه في كل يوم وليلة.
ويتم شحن 15% من السلع المستوردة من آسيا والخليج إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا عبر البحر. ونسبة 21.5% من النفط المكرر تقريباً، وأكثر من 13% من النفط الخام تمر عبر الممرات البحرية.
ويمثل الاستيراد الآسيوي والتصدير ربع إجمالي التجارة الإسرائيلية الأجنبية، ويمرّ عبر ممرات البحر الأحمر.
وظلت إسرائيل، وخلال عقود، خائفة من ضيق مضيق باب المندب، وأنه نقطة ضعف لتجارتها، ولهذا عملت على بناء تحالفات مع ما تعرف اليوم بإريتريا، للدفاع أولاً ضد الجهود المصرية لمنع مرورها من الممر البحري، ثم جاءت بعدها جهود إيران.
في الوقت الذي ترددت فيه جماعات، كشفَ الحوثيون عن جرأة، كتلك التي رافقت هبوط مروحية موشحة بالعلم الفلسطيني على سطح سفينة “غالاغسي ليدر”
وبالتأكيد، فإن واحداً من دوافع ما عرفت بـ “اتفاقيات أبراهام”، 2020، مع الإمارات العربية المتحدة، هي شبكة الأمن البحري الإماراتية، والتي تشمل جيبوتي وأرض الصومال وإريتريا واليمن وأرخبيل بريم وسقطرى.
ومن جانبهم، كان الحوثيون يجرّبون ويبذلون جهوداً للتحول إلى قوة بحرية، ففي تشرين الأول/أكتوبر 2016، بدأوا باستخدام ميناء الحديدة بعد السيطرة عليه. وأطلقوا النار مرتين على بارجة “يو أس أس ميسون”، كهجوم مضاد على الولايات المتحدة التي تدعم التحالف السعودي.
وفي كانون الثاني/يناير، حوّل الحوثيون إستراتيجتهم من إطلاق صواريخ باليستية باتجاه السعودية إلى استخدام الزوارق الانتحارية، وحاولوا تلغيم الممرات البحرية.
وقال رئيس المجلس السياسي للحوثيين صالح الصماد: “لو استمر المعتدون بالدفع تجاه الحديدة، ووصل الحل السياسي إلى طريق مسدود، سيتم اللجوء لبعض الخيارات الإستراتيجية، كنقطة لا عودة، بما في ذلك إغلاق الملاحة الدولية في البحر الأحمر”، و”تمرّ السفن من مياهنا، وشعبنا يتضور جوعاً”.
واكتشفت إسرائيل أن إيران، ببحريتها القوية، بدأت بتدريب الحوثيين على استخدام القوارب والصواريخ والمسيرات لعرقلة حركة النقل المرتبطة بإسرائيل، وتزويدهم بالمعدات التي يمكن من خلالها تحديد أصل السفن. ومع زيادة قدرات الحوثيين زادت رعاية الإيرانيين لهم.
وكان من الواضح لإسرائيل، في 2019، أن زعيم الحوثيين، عبد المالك الحوثي، زاد من خطابه ضدها، ونفى اتهامات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن إيران بدأت بتقديم صواريخ دقيقة لليمن. وقال: “لن يتردد شعبنا عن إعلان الجهاد ضد العدو الإسرائيلي، وتوجيه ضربة قوية ضد المواقع الحساسة للعدو، لو تورط في أعمال سخيفة، فموقفنا العدائي من إسرائيل، مبدئي وإنساني وأخلاقي وديني”.
وتقول ميسا شجاع الدين، من مركز صنعاء للبحوث الإستراتيجية، إن “تهديدات الحوثيين ضد السفن الإسرائيلية لم تكن محاولة لحرف النظر عن فشلهم، فهو عميق في أيديولوجيتهم، فهم يتحدثون عن لعن اليهود والموت لأمريكا.
وبدأ زعيمهم حسين الحوثي محاضراته في فترة 9/11 وغزو العراق. وهي عن صدام الحضارات والمسلمين ضد المسيحيين، وهو نزاع ديني، وليس قومياً عربياً”.
وعندما انفجرت أزمة غزة أطلقوا صواريخ لم تكن ناجعة ضد ميناء إيلات الإسرائيلي، وأكدوا أنهم لن يتوقفوا إلا عندما يسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. ثم تطورت إستراتيجيتهم إلى حملة عسكرية فاعلة، واستخدموا فيها المناطق التي سيطروا عليها منذ 2014، وأثرت في النهاية على سلاسل الإمدادات العالمية.
وبدأ الحوثيون، منذ تشرين الثاني/نوفمبر، حملة لتجنيد وتدريب فرق على الهجمات البرمائية. واشتملت الدروس على إطلاق نماذج مزيفة من الصواريخ وهجمات على سفن. ووسعوا هجماتهم من السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي إلى السفن التي تتاجر مع إسرائيل.
وتناقش شجاع الدين بأن الرد المحلي سيقوّي الحوثيين، ذلك أن “اليمنيين مؤيدون للفلسطينيين، وقد زادت المشاعر هذه لمستويات غير مسبوقة خلال الأشهر الثلاثة الماضية”.
وفي الوقت الذي ترددت فيه جماعات، كشفَ الحوثيون عن جرأة، كتلك التي رافقت هبوط مروحية موشحة بالعلم الفلسطيني على سطح سفينة “غالاغسي ليدر” التي كانت تعبر مياه البحر الأحمر.
وشعر الحوثيون بالفخر، عندما قابلت “بي بي سي”، محمد علي الحوثي، عضو المجلس الأعلى للحوثيين، حيث سألته المذيعة عن سبب تدخلهم في فلسطين التي تبعد أميالاً عن اليمن، فرد عليها: “طبعاً بايدن هو جار نتنياهو، والرئيس الفرنسي يعيش في نفس الطابق، ويعيش رئيس الوزراء البريطانية بنفس العمارة”.
وقال عبد الغني الأرياني، من مركز صنعاء، إن “المعسكر المعادي للحوثيين داخل اليمن، قد تعرّضَ لنقد شديد من الجمهور اليمني بسبب التصريحات القليلة الناقدة للحوثيين، وهذا تجسيد للمثل المعروف: أنا وأخي ضد ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب”.
وطلب اليمنيون بكل أطيافهم من الناقدين للحوثيين “إغلاق أفواههم”. وبالتأكيد حاول بعض قادة الحوثيين التواصل مع منافسيهم في حزب الإصلاح لبناء موقف مشترك في فلسطين.
في بلد الفروق الدقيقة، أضافت الغارات عاملين لتعقيد الوضع: دعم الحوثيين للقضية الفلسطينية، والوضع الجغرافي الذي يعطي اليمن القدرة على تشكيل الديناميات
وقالت شجاع الدين إن الحوثيين لن يرتدعوا بالهجمات، بل ستكون بمثابة هدية لهم، بل وأداة تجنيد، فقد “قضوا سنوات في قتال السعوديين، واستوعبوا الخسائر، وهم ليسوا جيشاً بالمعنى الكلاسيكي وبقواعد ثابتة. والمقاتلون يغيرون قواعد الحرب، وبدعم من إيران لديهم القدرات والخبرات لتصنيع المسيرات داخل البلد، وأعطى الأمريكيون والبريطانيون تحذيرات مستمرة بأن هذا الأمر قادم، فلم يكن الأمر مفاجئاً”.
وقالت شجاع إن ما تقدمه أحداث الأسبوع الماضي هو نظرة الحوثيين لأنفسهم كلاعبين إقليميين لا محليين، وقد حصلوا على الشرعية من خلال مواجهة الولايات المتحدة.
ويمكن للحوثيين إطلاق صواريخ ضد البحرين، الدولة العربية الوحيدة التي دعمت الغارات ضدهم.
وقال فارع المسلمي، من تشاتام هاوس: “الحوثيون أذكياء، وجاهزون، ولديهم عتاد جيد أفضل مما يعتقد المعلقون الغربيون. وعادة ما يستهان بتهورهم واستعدادهم للتصعيد في وجه التحدي. ويعرفون أن التحالف البحري الداعم لأمريكا ليس واسعاً، ورفضت مصر، التي رأت تراجعاً في موارد قناة السويس، دعم الغارات الأمريكية. ولا توجد دولة عربية، باستثناء الإمارات على الأرجح، تستطيع مواجهة الحوثيين. وتخشى السعودية من أن بطاقة الخروج من اليمن قد مزقت. وربما رأى الغرب في الغارات على اليمن بأنها الخيار الوحيد، ولكن ليس مجانياً. فمسيّرات الحوثيين رخيصة، وبالمقارنة، أنفق الفرنسيون ما يقرب من مليون يورو على كل صاروخ “إيستر” الـ15 التي استخدمها الفرنسيون والبريطانيون لضرب مسيّرات الحوثيين. وربما بدأ الغرب حرباً طويلة يتم شنها على مستويات مختلفة وبكثافة متغيرة.