الخرطوم – يجد الكثير من السودانيين اللاجئين إلى مصر أنفسهم مجبرين على العودة إلى بلادهم، مع علمهم أنهم سيعيشون في الخرطوم تحت تهديد القصف، فيما لا مأوى لهم في القاهرة.
ووصلت رحاب إلى مصر مع أولادها قبل سبعة أشهر وكانت حاملا، بينما بقي زوجها في السودان حيث تدور منذ أبريل الماضي حرب بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو. وتقول رحاب “ابنتي ولدت هنا ولا أستطيع إطعامها”.
وأوقعت الحرب في السودان الآلاف من القتلى، كما تسببت بنزوح أكثر من ثمانية ملايين سوداني، حسب الأمم المتحدة، من بينهم 1,6 مليون يعيشون حاليا خارج السودان.
ويقول إبرام كير البالغ 28 عاما إن غالبية السودانيين الذين لجأوا الى مصر “كانوا يظنون أن الحياة في مصر ستكون أفضل”.
الكثير من السودانيين يضطرون للإقامة في شقق ضيقة تضم عائلتين أو ثلاث عائلات ويعتمدون على دخل واحد فقط
ويتابع كير الذي لجأ قبل خمس سنوات إلى مصر ويساعد راهنا اللاجئين الجدد “لقد اكتشفوا الحقيقة المرة، فليس لديهم مال ولا مسكن ولا ملابس شتوية لمواجهة البرد ولذلك يفضلون العودة”.
وتشير الأرقام الرسمية إلى عبور 450 ألف سوداني إلى مصر منذ اندلاع الحرب. وتمكن آخرون من الدخول بشكل غير رسمي عبر الصحراء.
وأراد هؤلاء الفرار من القصف. لكن بعد عدة أشهر بلا عمل ولا مسكن ولا مساعدة في بلد يعاني من تضخم يزيد عن 35 في المئة، تبخر ما كان يحملونه من مال. ويضطر كثيرون للإقامة في شقق ضيقة تضم عائلتين أو ثلاث عائلات يعتمدون على دخل واحد فقط دون الحد الأدنى للأجور بكثير.
على سبيل المثال، يحاول دان مهيك أكوم الصمود من خلال العمل في تنظيف المنازل لكن صديقا له “لم يعد يستطيع توفير الطعام لعائلته وقرر العودة الى السودان”. وتروي رندة حسين البالغة 33 عاما أن ابنة خالتها عادت في أكتوبر إلى ضاحية الخرطوم، أحد أكثر الأماكن خطورة في السودان.
وتحكي هذه المدرّسة التي لم تعد لديها أي أخبار عن ابنة خالتها، “قالت لنا الموت هناك أفضل من البقاء هنا”.
بعد ذلك قررت رندة حسين استضافة سودانية أخرى هي شابة في العشرين أم لطفلين كانت تقيم لفترة من الوقت عند جدتها. وتوضح أنها قررت استضافتها بعدما هدد أصحاب المنزل الذي تستأجره جدتها العجوز بالطرد إذا لم تغادر حفيدتها وطفلاها.
وتقول حسين “هذه الأم مصرة الآن على العودة إلى السودان. تقول إنها لن تستطيع البقاء فلا تستطيع العمل بينما طفلها الأصغر عمره سنة واحدة. لكنها لا تعرف كيف تعود وإلى أين ستذهب”.
الأرقام الرسمية تشير إلى عبور 450 ألف سوداني إلى مصر منذ اندلاع الحرب
فمن غير المؤكد أن يجد العائدون سقفا يؤويهم في بلدهم. فبيوتهم إما دمرت أو احتلها مقاتلون فيما مخيمات النازحين تعاني من نقص حاد على كل الأصعدة.
وتقول الباحثة رجا مكاوي “الناس مرغمون على الاختيار بين العيش بلا مأوى أو في خطر، ويفضلون العودة إلى السودان والتفاوض مع الأطراف المسلحة لضمان أمنهم على العيش في أوضاع بائسة تماما”. فالسودانيون في مصر يشكون من أن وضعهم بالغ السوء.
وتعيش حواء تلفون في مصر مع زوجها منذ عشرين عاما لكنها طردت أخيرا من شقة كانت تستأجرها منذ خمس سنوات.
وتوضح أن مالك الشقة منحها “مهلة اسبوعين” للمغادرة لأنها تؤوي الكثير من اللاجئين على حد قوله.
وتؤكد أن شقيقها وأسرته كانوا قد وصلوا للتو من السودان وتساءلت باستياء “هل كان ينبغي عليَّ أن أطردهم؟“.
وتتزايد في القاهرة الشكاوى من طرد سودانيين من الشقق المستأجرة بحجة “إساءة استخدام المفروشات” أو “تضاعف عدد القاطنين في الشقة”.
وجاء ياسر علي البالغ أربعين عاما إلى القاهرة في العام 2002 للدراسة. ويقول لوكالة فرانس برس “في الشهور الأخيرة، كل شيء تغير حتى طريقة تعامل الناس أصبحت أكثر حدة”، فيما تتزايد على مواقع التواصل الاجتماعي الشكاوى من “عبء” المهاجرين.
وأعلنت القاهرة أخيرا أنها ستقوم بدراسة حول “كلفة” المهاجرين الذين أتوا من السودان وسوريا واليمن ودول إفريقية عدة.
ولا يحصل هؤلاء على أي مساعدات ولا يسمح للأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية بإقامة مخيمات لايوائهم، بل يتحملون كلفة إقامتهم وتعليم ابنائهم بالكامل.
في المقابل، تؤكد السلطات المصرية أنه بوسع المهاجرين التنقل والعمل بحرية. غير أنه مع توافد اللاجئين السودانيين بدأ أصحاب الشقق في رفع سعر الإيجار، وفق ناشطين وخبراء.
يقول كير “إما أن تدفع ما يطلبونه أو يجدون شخصا آخر لاستئجار المكان”.
ويضيف ياسر علي الذي يدير رابطة للتكافل بين السودانيين “نحن الآن لا نستطيع العودة إلى السودان ولا نستطيع الخروج إلى مكان آخر وحتى لا نستطيع توفير سبل الاقامة في مصر”.
العرب