نشرت وكالة رويترز تقريراً كشفت فيه عن لقاء جمع بين أمين عام حزب الله، حسن نصرالله، وقائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، للبحث وتقييم مسار الحرب على غزّة وانعكاسها على الوضع في المنطقة. ويفيد التقرير بأن الرجلين التقيا في بيروت، الشهر الماضي (فبراير/ شباط). وبحث الرجلان المخاطر التي قد تنشأ إذا استهدفت إسرائيل البنى التحتية لحزب الله، وأن تصعيداً كهذا قد يضغط على إيران للردّ بقوة أكبر مما فعلت، في الوقت الذي تسعى فيه لاتّباع سياسة “خفض الرأس” في مرحلةٍ تتقاطع فيها مصالح الدول.
ويقول تقرير “رويترز” أن “أمين عام حزب الله، قد أبلغ قـاآني بأنه لا يريد أن تنجرّ إيران إلى حرب مع إسرائيل أو الولايات المتحدة”، وأن حزب الله سيقاتل بمفرده معتبراً أن “هذه معركتنا”. فهل فعلاً ما قاله نصرالله يدقّ المسمار في نعش “وحدة الساحات”؟ وهل أسقط، بحسب التقرير، تبريراته المتكرّرة في مساندته غزّة من زاوية الدفاع عن القضية؟ وهل الضيف الإيراني هدف، من خلال زيارته، إلى وقف الحرب في الجنوب، تماماً كما فعل مع الفصائل الموالية لإيران في العراق، تحسّباً لردّة فعل أميركية تطاول العمق الإيراني، وتسقط طموح إيران في ملفّها النووي، وفي التوسّع في المنطقة؟
مهلاً، ولكن ماذا قصد نصرالله بأنها “معركتنا”؟ في حين أنه لم يترُك فرصةً إلا وردّد فيها منذ أغسطس/ آب عام 2022، الحرب التي شنّتها إسرائيل على حركة الجهاد الإسلامي في غزّة، شعار “وحدة الساحات” تحديداً بين القوة والفصائل التي تنتمي إلى محور الممانعة بقيادة إيرانية. في خضم المعمعة التي رافقت كلام نصرالله، هناك من عكس صياغة السؤال طارحاً تساؤله “ماذا لو هاجمت إسرائيل أو الولايات المتحدة إيران، فهل سيقول السيد إنها معركة إيران، أم سيشرك لبنان بها؟”.
تنامي قدرات الحزب قد يضطرّ إسرائيل إلى القيام بعملية برّية
يعاني حزب الله في الداخل اللبناني معارضة واضحة وصريحة، حتى من أشدّ حلفائه، التيار الوطني الحرّ، الذي ذكر مؤسّسه الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون في إحدى مقابلاته المتلفزة، أن لبنان لا دخل له في معركة غزّة، وأن مبدأ وحدة الساحات مرفوض، وغير مقبول أن يجرّ الحزب الحرب إلى الداخل اللبناني. عدم وجود غطاء مسيحي لمعركة حزب الله، إضافة إلى واقع اقتصادي انعكس تدهوراً وانهياراً منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، دفعا الحزب إلى الالتزام بقواعد الاشتباك، رغم المحاولات الإسرائيلية المتكرّرة في العمق اللبناني، والتي وصل بعضها إلى قصف مركز للحزب تحديدًا في مدينة بعلبك.
بعد تصريح نصرالله سقطت مقولة “وحدة الساحات”، وترافق ذلك مع خروج الفصائل العراقية مع ساحات الميدان نتيجة ضغط إيراني، بعد قصف قاعدة أميركية أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين، الأمر الذي أدّى إلى توقف استهدافاتهم القواعد الأميركية في كل من سورية والعراق كما وجهت صواريخهم ومسيراتهم لضرب مطار حيفا. هذا الأمر اعتبره بعضهم بمثابة تمرير من إيران للكرة إلى الجانب الإسرائيلي، الذي لطالما ردّد مسؤولوه، في مقدمتهم وزير الدفاع يوأف غالانت، الذي أصرّ في أكثر من مناسبة على أن الساحات مفصولة، وأن أي تسويةٍ في قطاع غزّة لن تكون مرتبطة بالجنوب اللبناني.
تفيد جميع المؤشرات بأن الحرب الإسرائيلية مع حزب الله باتت قاب قوسين، وأن الاستعدادات لها على قدم وساق. لهذا، ارتفع الحديث من الجانب الإسرائيلي عن خوض الحرب الثالثة مع حزب الله. والحرب الثالثة على لبنان، نسبة إلى المفهوم الذي وضعته الحكومة السابقة برئاسة إيهود أولمرت، التي اعتبرت أن جيشها لم يحقّق الأهداف المطلوبة منه في يوليو/ تموز 2006.
عاجلاً أم آجلاً، الحرب قادمة على الجبهة الجنوبية، فإن تنامي قدرات الحزب قد يضطرّ إسرائيل إلى القيام بعملية برّية، حتى ولو لم تكن محسومة نتائجها. كما وأن وجود يمينيٍّ متطرّفٍ في حكومة بنيامين نتنياهو سيسارع في تدحرج الحرب. لهذا دعا وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، جيش بلاده إلى مهاجمة الحزب. وفي السياق نفسه، لفت رئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي، في رسالة إلى حزب الله، إلى أن “بلاده تستعدّ للحرب وترفع مستوى قدراتها باستمرار”.
يعاني حزب الله في الداخل اللبناني معارضة واضحة وصريحة، حتى من أشدّ حلفائه
أمام إسرائيل التي تعرج في قطاع غزّة، فرصة فتح جبهة جديدة مع حزب الله، وتشير كل التقارير إلى أن وقوعها حتمي، في ظلّ تدهور في الواقع الأمني في العالم، حيث باتت كل الدول على أهبة للنزاع الكبير بعدما سقطت كل التسويات ولم تستطع لغة الدبلوماسية التوصل إلى حلول في الأزمات القائمة.
ستخوض إسرائيل الحرب، لأنّ ما تفعله من استفزازاتٍ قد يصل إلى مبتغاها، لتوسيع دائرة استهدافاتها، الأمر الذي سيدفع نحو الحرب. لهذا وجد متابعون كثيرون أن الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة مفتوحة على كل الاحتمالات، مع رسالة نصر الله أخيراً التي اعتبرت أن لا وحدة ساحات في ما خصّ اللاعب الإيراني.
عند هذا السبب، تصبح إيران غير معنية بالجبهة اللبنانية، طالما حزب الله قادر على فتحها وحيداً من دون إشراكها معه. هذه الحرب قد تجد فيها إيران فرصة لدفع الأميركي نحو مزيد من تقديم التنازلات، بعدما لمس الإيراني أن ورقة الحوثي لم تعُد مجديةً، ولم تحقق النتيجة المرجوّة. لهذا يطرح السؤال نفسه “هل تستطيع الجبهة اللبنانية تشكيل ورقة ضغط إضافية لدى الإيراني لتحصيل مكاسب وتسجيل نقاط في المنطقة على الخصم الأميركي، بعدما تزايدت في الآونة الأخيرة الضربات الإسرائيلية على سورية، والتي طاولت تحديداً قيادات في الحرس الثوري الإيراني، وتعرّضت مواقع تمركزه إلى القصف من الجانب الإسرائيلي؟”.