تونس – بات الاستهلاك اليومي في تونس الهاجس الأول للمواطنين في ظل غلاء المعيشة ووصول أسعار المنتوجات الغذائية إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما حتّم على التونسيين الالتجاء إلى الاقتراض لتجاوز الأزمات الاقتصادية.
ويقول مراقبون إن التفكير في الاقتراض من البنوك أو الصناديق الاجتماعية التي فتحت الباب لمنخرطيها في الفترة الأخيرة، لم يعد مقترنا بالأفكار التقليدية لدى التونسيين التي كانت ترتبط بشراء سيارة عائلية أو عقّار أو بناء مسكن، بل أصبحت كلها أشياء ثانوية.
الأسعار نار
وفرض تزايد متطلبات الحياة اليومية مع ارتفاع أسعارها قيام التونسيين بمراجعات لأولوياتهم الحيوية بما يتلاءم مع الراتب أو اللجوء إلى التداين المناسباتي من الجمعيات المالية والبنوك المحلية لتجاوز العقبات الظرفية.
وأكد الرئيس المدير العام للصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية توفيق كاترو أنه منذ اعتماد الصيغة الجديدة لمنظومة القروض الاجتماعية التي انطلق الصندوق في إسنادها ابتداء من 1 فبراير المنقضي بلغت نسبة المطالب الخاصة بالقروض الشخصية 98 في المئة مقارنة ببقية القروض الموجهة إلى السيارات والسكن.
وأوضح كاترو، في حوار لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (وكالة الأنباء الرسمية)، أنه “تم منذ يوم 1 فبراير المنقضي وإلى حد الآن، إيداع 20 ألف مطلب قرض شخصي، مقابل 70 مطلب قرض سيارات، في حين لم تتجاوز الطلبات على القروض السكنية 50 مطلبا”.
وذكر أنه باعتماد الصيغة الجديدة لمنظومة القروض الاجتماعية تم الترفيع في قيمة القروض الشخصية إلى حدود 25 ألف دينار (8.09 ألف دولار)، مع احترام مجموع الاقتطاعات التي يجب ألا تتجاوز 40 في المئة من الأجر، كما تم الترفيع في مدة التسديد إلى 3 سنوات عوض سنة واحدة، بنسبة فائدة قارة في حدود 8.25 في المئة.
وتقدم هذه القروض حصريا للناشطين المنضوين تحت الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الإجتماعية، على أن تكون مدة انخراطهم الدنيا لا تقل عن سنتين بعد أن كانت 3 سنوات.
وأفاد لطفي الرياحي، رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، بأنه “لتجاوز صعوبات الاستهلاك اليومي أصبح الاقتراض الملاذ الوحيد الذي يتجه إليه المواطن التونسي لتأمين حاجياته، نظرا لارتفاع كلفة المعيشة ومتطلبات الحياة”.
وأضاف لـ”العرب” أن “المواطن أصبح غير قادر على توفير حاجياته خصوصا في المناسبات الكبرى مثل شهر رمضان والاحتفال بعيدي الفطر والأضحى وغيرها”، لافتا إلى أن “راتب المواطن لم يعد يفي بالغرض”. وتابع الرياحي “قفة شهر رمضان في حدود 50 دينارا، وغلاء الأسعار يحتم على التونسيين البقاء في دائرة الاقتراض من أجل الاستهلاك دون التفكير في بناء المساكن أو شراء السيارات”.
وتظهر بيانات المرصد التونسي للخدمات المالية أن 60 في المئة من الأسر تعاني من آفة الديون، فتلجأ إلى الاقتراض بالتزامن مع المواعيد الاستهلاكية الكبيرة مثل شهر رمضان والعودة المدرسية والأعياد والمناسبات. كما أن نحو 43 في المئة من الأسر لها على الأقل فرد يقترض من القطاع البنكي وأن ثلثي الأسر تعتبر أن الوضعية الاقتصادية الراهنة تحتم عليها الاقتراض.
وقال الباحث في علم الاجتماع بلعيد أولاد عبدالله “مؤشرات الاستهلاك اليومي للتونسيين تؤكد أن امتلاك عقار وسيارة والاهتمام بالثقافة أشياء أصبحت ثانوية، ليحل محلها الاستهلاك اليومي”.
وأكّد في تصريح لـ”العرب” أن “زيادة الأسعار مقابل ضعف القدرة الشرائية من أهم الأسباب التي تقف وراء ذلك، كما أن المشكلة الرئيسية تتمثل في عدم مراجعة كتلة الأجور الضعيفة في القطاعين العام والخاص، مقارنة ببعض الدول على غرار المغرب، وهو إجراء من شأنه أن يشجع على الاستهلاك والاستثمار”.
ولئن أكّد الباحث في علم الاجتماع أن “المواطن التونسي يتأقلم مع مثل هذه الوضعيات” إلا أنه شدّد على “كونه يعاني من الإحباط، وانتظاراته أصبحت محدودة، وهما من العوامل المنفّرة خصوصا للشباب الذين بدأوا يعزفون عن الزواج وتكوين الأسر، فضلا عن كون الكثيرين أصبحوا يفكرون في الهجرة”. وفي وقت سابق نبهت منظمات تونسية إلى تنامي لجوء العائلات إلى القروض الاستهلاكية التي تزيد إغراقها في دوامة الديون.
العرب