أثبتت منظمة أوبك مع شركائها ضمن أوبك+ قدرتها على التأثير الأكبر في أسواق النفط، والذي يترافق دوما بالجدل الأوسع عالميا بشأن سياساتها الإنتاجية التي تعتبرها بعض الدول مخالفة لمستهدفاتها الاقتصادية وتجعل الأسعار في مستويات غير معقولة.
لندن – تجاهلت أسواق النفط العالمية العام الماضي إعلان أوبك وشركائها بقيادة روسيا لأول مرة عن تخفيضات إضافية في الإنتاج، حيث انخفضت الأسعار، وانتشرت توقعات ذروة الطلب عبر مختلف المنشورات الإخبارية.
لكن تحالف أوبك+ لم يتراجع عن سياسته والتي يستمر في الإبقاء عليها حتى نهاية النصف الأول من 2024 لدرجة أن بعض المحللين اعتبروا أنها تجاوزت كل طريق للعودة.
ونتيجة للوضع القائم استوجب على الكارتل أن يترك التخفيضات دائمة إن لم يرغب في انخفاض الأسعار عند أدنى علامة على نمو الإنتاج، ثم تغير الوضع واشتعلت السوق مرة أخرى.
وتجاوز خام برنت 89 دولارا للبرميل في تعاملات الأربعاء بعد يوم من وصوله إلى أعلى مستوى له منذ أكتوبر الماضي عند نحو 89.09 دولار للبرميل.
ولا يزال الارتفاع محتملا إذا صدقت التحليلات، حيث ترى إيرينا سلاف الكاتبة في مجال الطاقة بمنصة “أويل برايس” الأميركية أن المحللين في البنوك الاستثمارية قد يكونون غير دقيقين لأنهم ليسوا معصومين عن الخطأ.
وقالت في تقرير على المنصة “لقد ارتكب الكثيرون في الحقيقة خطأ هذه المرة حين صدّقوا توقعات انخفاض الطلب على النفط من المنظمات التي تنتفع منه، وفاتتهم مخاطر تشديد العرض”.
وأصبح هذا العرض الضيق حقيقيا بالفعل، وهذا ما تتفاعل معه الأسعار، حيث تتعدد التقارير حول انخفاض مخزونات النفط العالمية وانخفاض إنتاج أوبك+.
وذكرت شركة الاستشارات ماكينزي في فبراير الماضي، أن مخزونات النفط العالمية انخفضت بنحو 32 مليون برميل في الشهر السابق، وكان التشديد ملحوظا بشكل خاص في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم 38 بلدا من أهمها الولايات المتحدة.
كما أبلغت شركة أل.أس.إي.جي، التي كانت تعرف سابقا باسم ريفينيتيف، عن تشديد المخزون في أواخر فبراير.
وتزامن ذلك مع نشر وكالة رويترز تقريرا أصدره بنك الاستثمار الأميركي جي.بي مورغان الذي حذر من أن مخزونات النفط العالمية بلغت أدنى مستوياتها في سبع سنوات، حسب بيانات كبلر.
وقال أولي هانسن، الذي كان يشغل منصب رئيس إستراتيجية السلع في ساكسو بنك في ذلك الوقت، إن “السوق وجد أساسا أكثر ثباتا مع تداول خام برنت فوق 80 دولارا لفترة من الوقت الآن”.
وأوضح أن ذلك جاء مدعوما بتوقعات طلب أفضل من المتوقع إلى جانب عمليات تحويل الناقلات التي تُبقي الملايين من البراميل في البحر لفترة أطول.
وربما كان الطلب في الحقيقة أكبر ما غفل عنه المحللون والتجار، فقد أبقت توقعات ضعف الطلب الأسعار منخفضة لعدة أشهر حتى مع خفض أوبك الإنتاج بأكثر من مليوني برميل يوميا.
وامتد ذلك حتى مع التوقعات بالنسبة إلى النفط الصخري الأميركي، التي تشير إلى نموّ أبطأ خلال السنة الحالية. وارتفعت الأسعار الآن في الأسواق بعد بروز بيانات الطلب الجديدة، حيث ارتفع خام برنت منذ بداية العام بنسبة 11 في المئة، حسب بيانات بلومبرغ.
وأبقت أوبك+ الأربعاء على سياستها لضمان استقرار المعروض العالمي، إذ سيستمر الخفض الإلزامي البالغ 3.66 مليون برميل يوميا حتى نهاية هذا العام، بينما الخفض الطوعي البالغ 2.2 مليون برميل يوميا سيستمر حتى يونيو.
وقبل الاجتماع الدوري لتحالف أوبك للنظر في سياسة الإنتاج، أشارت وكالة الأنباء الاقتصادية الأميركية إلى افتقار أوبك لخطط تشمل إجراء تغييرات على الاتفاق الطوعي بين الأعضاء.
وقال مايكل هسوه، الخبير الإستراتيجي في دويتشه بنك، إن “تخفيضات أوبك كانت فعالة. السوق العالمية إما أنها تعاني عجزا بالفعل أو على وشك بلوغه”.
وحذر بنك ستاندرد تشارترد من عجز في منتصف 2023. ولم يستمع أحد حينها، حيث كان إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة يشهد ارتفاعا غير متوقع، رغم انخفاض عدد الحفارات.
وتتضاعف التحذيرات اليوم، وتشمل تحذيرا من وكالة الطاقة الدولية التي توقعت قبل ثلاثة أشهر وضع إمدادات مريح في أسواق النفط العالمية بسبب ضعف الطلب الذي تصورت أنه يضاهي انخفاض عرض أوبك+.
لكن من الظاهر أن معظم المتنبئين تجاهلوا حقيقة تضخيم قيود الإنتاج لآثار الأحداث غير المتوقعة المخلة بتوازن السوق.
وكانت التطورات هذه المرة في البحر الأحمر، حيث أعادت هجمات الحوثيين المتكررة على السفن تنظيم النقل البحري وأضافت ما لا يقل عن 100 ألف برميل يوميا إلى الطلب العالمي اليومي على النفط.
كما أثّرت هجمات الطائرات المسيرة الأوكرانية على المصافي الروسية على إمدادات الوقود وأثارت القلق حول إمدادات النفط الخام.
ولو لم تخفض أوبك+ انتاجها، لكان تأثير هذه الأحداث أقل. وتقول سلاف إن التخفيضات تمنح لكل ما هو خارج عن المألوف القدرة على دفع الأسعار إلى أعلى.
وهذا ما جعل المحللين يراجعون توقعاتهم، حيث ذكرت إنيرجي أنتليجنس الأسبوع الماضي أن التوقعات السائدة تتنبأ بوجود عجز ناتج عن العرض الأضعف والطلب الأقوى من المتوقع.
وبالإمكان رؤية تكرار التباين بين الاتجاهات الفعلية في أساسيات النفط وتوقعات التغيرات المستقبلية في هذه الاتجاهات، استنادا إلى توقعات مشكوك في منطلقها وتحيّزاتها. ويمكن لأوبك+ في الأثناء الجلوس والاسترخاء وهي تشاهد الأسعار ترتفع.
وقال محللو مؤسسة مورغان ستانلي للخدمات المالية والاستثمارية مؤخرا إنه “من المرجح أن يستمر سعر برنت الثابت تسلقه لتذليل الفارق مع المخزونات والفجوة الزمنية في كل شهر تواصل فيه أوبك انضباطها في تطبيق خفضها للإنتاج”.
ولقد استفاق أولئك الذين يعتمدون على النمو المستمر في إمدادات النفط الأميركية التي يمكن أن تعوض تخفيضات أوبك+ على الواقع حين صدرت أحدث الأرقام.
وأظهرت بيانات يناير انخفاضا في الإنتاج بدلا من نموه بسبب الطقس الشتوي القاسي. ورغم أن تغير الإنتاج في الولايات المتحدة في يناير ليس جديدا أو علامة على اتجاه طويل الأمد، إلا أنه شكّل تذكيرا مطلوبا بأن البناء على فرضيات متطرفة غير مأمون العواقب.
وكان الافتراض باستمرار نمو الإنتاج الأميركي بنفس الوتيرة أو أسرع كما فعل العام الماضي وتعويضه تخفيضات أوبك+ من بين التوقعات الأكثر خطورة.
وشملت الأنهج الكارثية انتظار تراجع الطلب على النفط لأن بعض الذين سيستفيدون من الانخفاض توقعوا حدوثه. وقالت سلاف إن “الجميع يلحق الآن بالسوق المادية الفعلية، وهو أمر كان سيحدث عاجلا أم آجلا”.
العرب