مع دخول حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة شهرها السابع، يوضح جرد الحساب أن إسرائيل ما زالت بعيدة عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي أعلنتها الحكومة في بداية الحرب، منها القضاء على قدرات “حماس” العسكرية والإدارية – السياسية في غزة، ومنع أي تهديد أمني مستقبلي من غزة على إسرائيل. وبعد ضغط من الشارع وأهالي الأسرى والمخطوفين أضافت هدف إطلاق سراح الأسرى والمخطوفين الإسرائيليين في غزة.
الإعلام الإسرائيلي والمحللون بدأوا بالتساؤل عن الانتصار الموعود من قبل الحكومة، خصوصاً تصريحات رئيسها بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل تبعد خطوات عن النصر، وتصريحات وزير الأمن يوآف غالانت منذ الشهر الأول للحرب بأن إسرائيل حطمت “حماس” وأن الحسم قادم، وكذلك وعود وزراء في مجلس الحرب وقائد الأركان هرتسي هاليفي بأن إسرائيل حتماً ستنتصر. هنا الإشارة مهمة إلى أن إسرائيل منذ حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 لم تحسم حرباً بشكل واضح وقاطع. لا حرب لبنان الأولى عام 1982، ولا الانتفاضة الأولى عام 1987 والثانية عام 2000، ولا حرب لبنان الثانية في 2006، ولا أي حرب على غزة منذ العام 2009.
عدم الحسم يعني الفشل
عدم حسم الحرب والانتصار وتحقيق الأهداف تعني إسرائيلياً الخسارة السياسية. هكذا يقول عدد من التحليلات الإسرائيلية. على سبيل المثال كتب الصحافي حاييم لفينسون (وهو معارض شديد لنتنياهو)، في صحيفة هآرتس، في 9 إبريل/ نيسان الحالي: “لقد خسرنا الحرب. هذا هو الوضع. وهذا هو الاستنتاج الواضح لجميع المواطنين الإسرائيليين. صعوبة الاعتراف بذلك تلخص النفسية الفردية والجماهيرية في إسرائيل. أمامنا واقع واضح وحاد، وعلينا أن نبدأ باستيعابه وفهمه واستخلاص النتائج للمستقبل. ولكن ليس من اللطيف أن نقول إننا خسرنا، لذلك نحن نكذب على أنفسنا. البعض بقصد الضرر، والبعض ببراءة”.
إذا كان لفينسون يشير إلى خسارة في الحرب على غزة، فإن المحلل السياسي رافيف دروكير (المعارض لنتنياهو بشدة)، يشير إلى ورطة إسرائيل في الجبهة الشمالية، وأن إسرائيل لا تقول الحقيقة لمواطنيها بألا حل أيضاً في الشمال. وكتب دروكير: “من الصعب إحصاء التهديدات التي وجّهها رئيس الوزراء ووزير الدفاع وقيادة الجيش تجاه حزب الله في الحرب الحالية. هذه التهديدات محرجة للغاية عند النظر إلى الوضع في الشمال. لا يوجد لدى أي شخصية في القيادة السياسية أو العسكرية حل حقيقي لما يحدث في الشمال”.
حاييم لفينسون: لقد خسرنا الحرب، هذا هو الاستنتاج الواضح لجميع الإسرائيليين
لفينسون ودروكير يشيران إلى ورطات إسرائيل الاستراتيجية، ويربطان ذلك بقيادة نتنياهو واهتمامه بمصالحه السياسية الشخصية، وإدارته الفاشلة للحكومة في العام الماضي، وسيطرة اليمين المتطرف على صناعة القرار في الحكومة، ويدعيان أن الحل للورطة الاستراتيجية هو تبديل نتنياهو.
هذا ادعاء يحمل الكثير من التسطيح وتبسيط حالة إسرائيل الاستراتيجية. قد يكون تغيير نتنياهو، من وجهة نظر إسرائيلية، هو شرط ضروري لتغيير حالة إسرائيل، لكنه شرط غير كافٍ. ويتجاهل هذا الطرح عدم وجود اختلاف جوهري بين مواقف نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت والوزير في مجلس الحرب بني غانتس في القضايا الاستراتيجية الجوهرية. ولا حتى وجود خلاف جوهري مع زعيم المعارضة يئير لبيد. جميعهم يمثلون المشروع نفسه للحفاظ على هيمنة وسيطرة إسرائيل، ويتجاهلون الحقوق الطبيعية التاريخية للشعب الفلسطيني، ويتبنّون الحلول العسكرية واستعمال القوة، ولا يطرح أحد أي تصور سياسي مختلف لتغيير الحالة. أصلاً لا يوجد أي طرح في المنظومة السياسية الإسرائيلية الراهنة يختلف عن طرح اليمين ولا يتبنّى الحلول العسكرية. الاختلاف مع نتنياهو واليمين المتطرف بالأدوات والتكتيك فقط.
ادعاء الخسارة لا يقتصر على محللين معارضين لنتنياهو، بل يشمل أيضاً مواقع وصحافيين من اليمين، ولو ان اعتباراتهم مختلفة. فقد كتب الصحافي حاجاي هوبرمان في موقع القناة السابعة اليميني أن “حرب “سيمحات توراة” (نزول التوراة)، انتهت بهزيمة إسرائيلية، ولا أعتقد أن هناك إسرائيلياً عاقلاً يتابع الأحداث لا يتفق مع هذه الجملة. أنا متأكد من أنه حتى نتنياهو، عندما أعلن هذا الأسبوع أننا على بعد خطوة من النصر، لا يصدق نفسه”.
وأضاف الصحافي اليميني حاجاي هوبرمان: “الآن، بعدما انتهت الحرب، عملياً من دون أي نجاح، وتحوّلت إلى حرب استنزاف، لا يوجد أي سبب لعدم تحديد موعد لإجراء الانتخابات من أجل استبدال هذه القيادة الفاشلة بشكل ديمقراطي… من الممكن إجراء الانتخابات في ظل حرب استنزاف، تماماً مثل انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 1969، وديسمبر/ كانون الأول 1973. كما أجريت أيضاً انتخابات قبل 40 عاماً، في يوليو/ تموز 1984، في واقع حرب الاستنزاف في لبنان”.
غالبية الإسرائيليين تعتقد أن نتنياهو هو المسؤول الأول عن إخفاق السابع من أكتوبر، وأنه يدير الحرب بطريقة غير جيدة
هذا الموقف يعبّر على ما يبدو عن رأي غالبية الإسرائيليين، بعد مرور ستة أشهر على الحرب على غزة، كما يتضح من استطلاعات للرأي العام نُشرت في بداية الأسبوع الماضي، إذ عبّر فيها معظم الإسرائيليين عن رغبتهم في إجراء انتخابات مبكرة. ووفقاً لنتائج استطلاعات رأي عام أجرتها كل من هيئة البث العام الإسرائيلية “كان 11” والقناة 12، فإن غالبية الإسرائيليين تعتقد أن نتنياهو هو المسؤول الأول عن إخفاق السابع من أكتوبر الماضي، وأنه يدير الحرب بطريقة غير جيدة، وأن عليه الاستقالة من منصبه، ويرون أن على المسؤولين السياسيين والأمنيين التنحي عن مناصبهم قبل حتى تشكيل لجنة تحقيق رسمية. ووفق استطلاع “كان 11″، قال 44 في المائة من المستطلعين إنه يجب الذهاب إلى انتخابات مبكرة في الأشهر القريبة، ورأى 22 في المائة منهم وجوب الذهاب إلى انتخابات خلال العام الحالي. بينما قال 50 في المائة من المستطلعين في القناة 12 إنه يجب الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
لغاية الآن لم تنضج الظروف لتقديم الانتخابات، وتحالف اليمين المكوّن من 64 عضو كنيست ما زال صامداً، كما أن حزب “المعسكر الرسمي” لم ينسحب من حكومة الحرب لغاية الآن. لكن ذلك لا يعني أن التحالف سيدوم من دون إشكاليات أو تحديات. إذ ستستمر أحزاب اليمين المتطرف بالتلويح بتفكيك التحالف للضغط على نتنياهو لاستمرار الحرب والبدء بعملية عسكرية برية في رفح، وربما توسيع جبهات الحرب.
رصد
صحيفة دنماركية: القنابل غير المنفجرة تحد هائل باليوم التالي لحرب غزة
اجتياح رفح … معضلة دولية
سحبت إسرائيل قواتها من غزة في الأسبوع الأخير، باستثناء القسم الفاصل بين شمال القطاع وجنوبه، وتستمر بالتهديد باجتياح بري لرفح، وتقول ألا انتصار في الحرب من دون ذلك. إلا أن الأجواء العالمية تغيّرت منذ السابع من أكتوبر وما فعلته إسرائيل من جرائم حرب وإبادة جماعية في ظل صمت دولي تحت صدمة أحداث السابع من أكتوبر، ولا تستطيع الاستمرار به بسهولة، خصوصاً مع موقف معارض من الإدارة الأميركية التي لا ترى كيف يمكن إخراج قرابة مليون ونصف مليون لاجئ من رفح وتنفيذ الاجتياح البري من دون خسائر مدنية رهيبة، وهي عملية لن تكون مقبولة من الرأي العام الدولي ولا الداخلي في الولايات المتحدة. فبعد ستة أشهر من الحرب بات الخلاف مع الإدارة الأميركية علنياً ورسمياً، ويتخطى الخلافات حول التكتيك والأدوات، كما بدا في مقابلة الرئيس جو بايدن الإعلامية الأسبوع الماضي.
نتنياهو يحاول مرة أخرى المناورة بين ضغط اليمين المتطرف وقسم من وزراء “الليكود” بالاستمرار في الحرب واجتياح رفح، ورفض الإدارة الأميركية التكتيكي لا المبدئي لاجتياح رفح. وهو يحاول الرد على ادعاءات فشل الحرب لغاية الآن، وصرح في مناسبات عدة خلال الأسبوع الحالي بأن اجتياح رفح آتٍ لا محالة، بل إن هناك تاريخاً محدداً لذلك، وهو ما نفاه وزير الأمن يوآف غالانت وبطريقة غير مباشرة الجيش الإسرائيلي. كما يستمر نتنياهو وغالانت وغانتس والقيادات العسكرية بتهديد إيران بضربة مؤلمة إذا ما نفذت تهديدها بالرد على اغتيال القيادات العسكرية الإيرانية في دمشق.
الدفع نحو توسيع الخيار العسكري
على ما يبدو يريد نتنياهو طمأنة أحزاب اليمين المتطرف والحفاظ على التحالف الحكومي، والتعامل مع ادعاءات فشل الحرب، وتهديد “حماس” والوسطاء بأنه من دون تنازل الحركة والقبول بصفقة بالشروط الإسرائيلية، فإن الخيار سيكون الاستمرار بالحرب واجتياح رفح. هذا التهديد لم يغيّر مواقف “حماس” في المفاوضات لغاية الآن، وعلى ما يبدو كان وراء قرار الجيش اغتيال أبناء رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية، ووراء قرار البدء في عملية برية في مخيمات وسط قطاع غزة لتوسيع المنطقة الفاصلة بين شمال القطاع وجنوبه. من جهة تدعي إسرائيل أنها تريد صفقة تبادل ووقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، لكنها تعمل على أرض الواقع للضغط على “حماس” وإبعاد احتمال التوصل إلى اتفاق تبادل ووقف إطلاق النار. وتقول إسرائيل إنها لا تريد توسيع الحرب، بينما تُقدم على عمليات عسكرية واغتيالات تؤجج الجبهة الشمالية وتدفع نحو توسعها.
تقتصر الحلول المقترحة لتغيير حالة الفشل على تبديل نتنياهو أو الذهاب لانتخابات مبكرة
وبدلاً من أن يؤدي فشل تحقيق أهداف الحرب وتقلص خيارات إسرائيل إلى مراجعة واقعية وعقلانية للحالة العسكرية والاستراتيجية، وطرح البدائل السياسية الواقعية، من قبل أحزاب سياسية أو من قبل محللين أو صحافيين أو أكاديميين، نجد أن الحلول المقترحة لتغيير الحالة تقتصر على تبديل نتنياهو أو الذهاب لانتخابات مبكرة لاستمرار الحرب بإدارة مختلفة. بذلك تختزل أزمة إسرائيل الاستراتيجية بشخص نتنياهو ونهجه وأن تغيير نتنياهو كافٍ للاستمرار في الحرب وتحقيق الانتصار. بينما لا يرى نتنياهو واليمين مخرجاً لأزمة إسرائيل سوى توسيع الحرب وتعميقها. المشترك للجميع هو ضرورة استمرار الحرب لتحقيق الانتصار وأهداف الحرب.