تلبّدت أجواء المنطقة في اليوم الأول من الشهر الجاري، حين قصفت غارة جوية إسرائيلية مبنى ملحقا بالقنصلية الإيرانية مجاورا لسفارتها في العاصمة السورية دمشق، فماذا فعل النظام السوري، الذي جرت العملية الخطيرة على أرضه.
حدث ما كان متوقعا من قبل النظام السوري: لقد تابع أخذ «وضعية المزهرية» أمام الجيش الإسرائيلي كما فعل طوال العقدين الماضيين. كان هذا الموقع رقم 94 في سوريا الذي تهاجمه تل أبيب خلال العام 2024 وحده، لكن المشكلة أن الغارة الأخيرة التي دمّرت المبنى وقتلت مواطنين سوريين لم تكن مجرد انتهاك اعتيادي للسيادة المفترضة للنظام بل كانت هجوما قضى على «كامل هرم» قيادة «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» في سوريا ولبنان (حسب تقرير لصحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية). كان ذلك هجوما مباشرا على القيادة العسكرية الإيرانية وعلى سيادة «الجمهورية الإسلامية» (إضافة لسيادة «الجمهورية العربية السورية») في امتحان للحلف الكبير المفترض بين طهران ودمشق.
يفترض في حدث كهذا أن يتّخذ «أصحاب العلاقة» وحكام الأرض التي وقع عليها هذا الحدث المزلزل موقفا واضحا من المواجهة التي استعرّت بين قوة «حليفة» وأخرى «عدوة» لكن الذي حصل أن رئيس النظام، بشار الأسد، خرج بعد أيام من الهجوم ليشارك في فعالية اجتماعية في مدينة طرطوس، على الساحل السوري، وهو يتضاحك مجددا مع زوجته، ثم خرج في تسجيل مصوّر آخر يشاركان فيه في احتفالات بعيد الفطر للمشاركة في لعبة «شد الحبل» وعلى وجهيهما جذل وفرح شديدان!
ظهر الأسد قبلها في اجتماع «فنّي» مع ممثلي الدراما السورية، واندمج رئيس النظام السوري في الحالة الدرامية حيث ظهر في صورة له مع أحد الممثلين وهما يرتديان ثيابا متقاربة، كما نظمت له هيئة المراسم، على ما يبدو، حفلا «دينيا» مع رجال الدين المحسوبين على السلطة، وقبلها أجرى لقاء مع صحافي روسي امتلأ بالسخرية والمزاح والقهقهة، من قبيل قوله إن الدول الغربية «غبية» وأن الحكام فيها يحكمون ولا يملكون، وأنه بعد إقرار أوكرانيا عقوبات عليه «صار عليه أن يراجع طبيبا نفسيا»!
معلوم طبعا أن الهجوم الإيراني الذي تبع عملية القنصلية، والهجوم الإسرائيلي الذي لحقه، جريا على خلفية الحرب الإبادية التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة (وبشكل مختلف في الضفة الغربية) وكذلك اشتعال الجبهات في جنوب لبنان، واليمن واحتقانها في غير بلد عربي.
لم يتوقع السوريون، الذين طورد لاجئوهم في لبنان خلال هذه الفترة المضطربة (على خلفية اغتيال لقيادي من «القوات اللبنانية» تم على الأراضي السورية أيضا) أن يحاول رئيس النظام السوري إبداء لفتة ما نحو هذه القضايا الرئاسية (رغم أنه يحكم ويملك على عكس زعماء الغرب) لكنه تابع اهتماماته الفنية والبروتوكولية وأفراحه وزوجته بـ«شد الحبال» وإعلان سروره بكل ما يجري.
نُشر كاريكاتير يجيب فيه زعيم النظام السوري على سؤال للزعيم الإيراني علي خامنئي عمّن أعطى الإحداثيات لإسرائيل لقصف القادة الإيرانيين في دمشق فيقول الأسد إن علينا أولا أن نقوم بتعريف معنى الإحداثيات، في لقطة ساخرة للفذلكات التافهة التي يكشفها الأسد في خطبه وتصريحاته.
الأغلب أن الإيرانيين صاروا متوجسين فعلا من الاختراقات الأمنية التي حصدت قياداتهم في سوريا، وقد نشرت وسائل إعلامية أن طهران أجرت تحقيقات مستقلة عن القيادة السورية ولكن، وبغض النظر عن صحة الأنباء عن مسؤولية قيادات رفيعة في النظام السوري عن تسريب أسرار طهران الأمنية، فإن الإشارات المتواصلة التي يطلقها رأس النظام السوري تعبّر بوضوح عن موقفه الحقيقي مما يجري للفلسطينيين والسوريين.
«عيد المساخر» المستمر الذي يعيشه رأس النظام السوري هو، في الحقيقة، موقف سياسي واضح موجّه لأمريكا وإسرائيل ورعاة النظام من التطبيعيين العرب أن كل ما يهمه هو استمرار نظامه ولا بأس في سبيل ذلك لو استمر الخراب السوري، والمذبحة الفلسطينية، أو حتى قامت حرب إقليمية أو عالمية.