كاغتاو (تشاد) – في جو من الحر الشديد، يشق ديكلادور ريمليلدوجي طريقه في حقله بين الآلاف من السيقان التي يأمل أن تتحول إلى مئات الكيلوغرامات من القطن، الذهب الأبيض في هذه المنطقة من جنوب تشاد، والتي أصبحت زراعتها مهددة بسبب تبعات تغير المناخ.
عند مدخل قريته كاغتاو، على بعد حوالي ستين كيلومترا من موندو “عاصمة” الجنوب التشادي الخصب، لا تزال شاحنة ضخمة تفيض بالقطن بانتظار شرائها من شركة “كوتون تشاد” شبه الخاصة، كما أن الأمطار التي لا يمكن التنبؤ بها، تثير خشية لدى المزارعين من فقدان محصولهم قبل شرائه.
ويوضح هذا المزارع البالغ 24 عاما، والذي تراجعت أرباحه إلى الثلث مقارنة مع موسم الحصاد السابق “نحن نحب القطن ولكن الأمر صعب للغاية، (…) ليس لدينا مناخ مستقر. وهذا عائق أمامنا وينعكس على الكميات التي ننتجها”.
في كاغتاو، يعيش جميع السكان تقريبا من القطن. ولكن عددا متزايدا من الناس يشعرون بالإحباط بسبب التبعات السلبية لتغير المناخ والصراعات المزمنة بين مربي المواشي والمزارعين.
ولذلك، يرى البعض في الانتخابات الرئاسية فرصة غير متوقعة لإسماع أصواتهم، إذ يبدو رئيس الوزراء سوكسيه ماسرا، المتحدر مثلهم من جنوب تشاد، في موقع متقدم لمواجهة الجنرال محمد إدريس ديبي إتنو، الذي أُعلن رئيسا قبل ثلاث سنوات من جانب الجيش.
وأوضح عالم المناخ في جامعة نجامينا لاوهوت باوهوتو أن “مظاهر التغير المناخي” التي تؤدي إلى “اضطرابات في هطول الأمطار تتسم أحيانا بفترات جفاف أو فيضانات متفرقة” تؤدي بشكل خاص إلى “انخفاض كبير في الإنتاج”.
كما أدى ذلك، بحسب باوهوتو، إلى تفاقم الصراعات المزمنة المرتبطة بالزراعة ورعي المواشي، والتي يتواجه فيها مربّو مواش رحّل من مناطق الساحل القاحلة في الشمال مع مزارعين من السكان الأصليين المستقرين من الجنوب. ويستخدم أفراد الفئة الأولى حقول المجموعة الثانية لترعى عليها مواشيهم، أو يتنازعون معهم في ملكية أراض معينة.
350 ألف هكتار من المحاصيل دمرتها الأمطار التي تسببت أيضا في نفوق 20 ألف رأس من الماشية
وقُتل ما لا يقل عن 23 شخصا في نهاية مارس خلال سبعة أيام من الاشتباكات، ولم تستثن هذه المعارك المتكررة النساء ولا الأطفال.
يضاف إلى ذلك الدمار الذي خلفته الأمطار الغزيرة. وبحسب الأمم المتحدة، أتت فيضانات عام 2022 على أكثر من 350 ألف هكتار من المحاصيل وتسببت في نفوق 20 ألف رأس من الماشية، ما ترك “الجزء الجنوبي من البلاد الأكثر تضررا”.
ويقول ديكلادور “هذا يثبط عزيمتنا”، و”لدي انطباع بأن الجنوب غير محسوب على خارطة تشاد (…)، ولا توجد مساعدات”.
تواجه أفريقيا منذ أبريل ظواهر مناخية متطرفة، فقد شهدت مناطق غرب القارة موجات حر تجاوزت خلالها الحرارة 48 درجة مئوية، وفي الشرق، أمطار غزيرة كانت لها تبعات مميتة، خصوصا في كينيا وتنزانيا.
وقد شهد القطن، الذي كان في السابق أحد أكثر القطاعات الزراعية ازدهارا في تشاد، تقلصا في حصته من الناتج المحلي الإجمالي، مع تراجع الصادرات بشكل كبير، من 2.15 في المئة في عام 2015 إلى 0.7 في المئة في 2020، وفق البنك الدولي.
ويدعم رئيس الجمعية القروية لمزارعي القطن في كاغتاو جان بيناودجي وصول سوكسيه ماسرا لأنه الشخص الوحيد القادر على “تقديم المساعدة” للمزارعين الذين يشعرون بأنهم “متروكون ومنسيّون” من سلطات البلاد.
يشهد هذا الاستحقاق الانتخابي مواجهة غير مسبوقة في هذا البلد الواقع في وسط أفريقيا، إذ يتواجه الجنرال ديبي، الذي أعلنه الجيش رئيسا خلفا لوالده الذي قتله المتمردون، مع رئيس الوزراء الذي عينه بنفسه في الأول من يناير، المعارض السابق سوكسيه ماسرا.
ورغم أن المعارضة اتهمته بـ”الخيانة” وبأنه “الغطاء الديمقراطي” للانتخابات “المحسومة سلفا” لديبي، فإنه يكتسب ثقة متنامية خلال حملة انتخابية تستقطب حشودا كبيرة، خصوصا في الجنوب، معقل المعارضة.
كما أن وعوده بتحقيق “العدالة والمساواة” تجذب الكثير من مزارعي القطن العاطلين عن العمل الذين لا يتلقون أي تعويض عندما تنفق مواشيهم أو يفتك سوء الأحوال الجوية بحقولهم.
يقول ديكلادور مبتسما “الشعار الذي أعطاه للحزب هو ‘العدالة والمساواة والسلام’، هذا ما أبحث عنه ولهذا السبب أدعمه”.
العرب