بمسارعتها لتحديد موعد قريب لانتخاب خلف لإبراهيم رئيسي تحاول «الجمهورية الإسلامية» التخفيف من حدّة التصدع في صورتها العامة بالشكل الذي أظهرته حادثة تحطم المروحية التي كانت تقل الرئيس الإيراني ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان مودية بحياتيهما.
وفي حين ينتظر من هذه الانتخابات المستعجلة، ومن معرفة من سيسمح له بالترشح لها، بل من سوف يفكر بخوض السباق من الأساس في الوضع الحالي، ومن سوف يفوز بها وبأي شكل، أن تحدد معالم السياسة التي سيتبعها الحرس الثوري والتيار المحافظ في المرحلة المقبلة، فإن الأسئلة عن ملابسات الحادثة وأسبابها وتداعياتها ما زالت في الصدارة.
فمن الصعب التوجه مباشرة نحو استبعاد فرضية التخريب، ومن الصعب في المقابل الأخذ بها من دون أدلة. وقد لا يكون الفصل في الأمر متاحاً في القريب وربما سيبقى الأمر لغزاً لفترة طويلة.
اضطراب الأحوال المناخية، والطبيعة القاسية لجبال البرز، وارتدادات الحصار التكنولوجي على الملاحة الجوية في إيران، كلها أخذها في الحسبان. في الوقت نفسه الأحرى عدم إغفال التاريخ الحافل للعمليات التي تواجه النظام الإيراني، ومؤسسة الحرس الثوري في الطليعة، سواء من أطراف معارضة ومتمردة داخلية، أو بالتعاون بين هذه الأخيرة وبين دول معادية لإيران.
أتت حادثة تحطم الطوافة بعد أكثر بقليل من شهر على الرد الإيراني بالصواريخ والمسيّرات على الغارة الإسرائيلية ضد قنصلية طهران في دمشق التي أودت بحياة القيادي في الحرس الثوري محمد رضا زاهدي. وبعد رد مبهم من الجانب الإسرائيلي، إنما من داخل إيران. هذا في وقت لم تفتر يوماً في تاريخ الجمهورية الإسلامية الهجمات سواء من بعض الجماعات المعارضة العنيفة، مثل مجاهدي خلق، أو من قبل الجماعات الانفصالية، هذا في مقابل استخدام النظام للعنف بمواجهة المظاهرات الشعبية المتكررة عليه.
كان رئيسي من رموز التشدد في النظام الإيراني، وكانت الأنظار توجه إليه لتولي ولاية الفقيه نفسها بعد المرشد الحالي علي خامنئي.
فقدان الخط المحافظ لشخصيتين من وزن رئيسي وعبد اللهيان من شأنه أن يفتح الباب لمرحلة من الأخذ والرد ضمن أروقة هذا النظام وبينه وبين مكونات المجتمع الإيراني على اختلافها. الحدث انعطافة كبيرة. هناك مرحلة تبدأ باغتيال قاسم سليماني 2020 وتنتهي بمصرع رئيسي وعبد اللهيان، وقد تخللتها الانتفاضة الشبابية والنسائية والشعبية بعد مقتل المواطنة مهسا أميني 2022. أظهر الحرس في هذه المرحلة قدرته على التماسك من بعد اغتيال سليماني سواء في الداخل الإيراني أو في الإقليمي، وصمد النظام في مواجهة حركة شعبية واسعة النطاق واستمرت لأسابيع عديدة. جاء وصول رئيسي إلى منصب الرئاسة تتويجاً لهذا المسار. ونظر إليه كثر على أنه من بين الأكثر حظاً بين المحافظين لقيادة البلاد من بعد خامنئي. بعد مصرعه وعبد اللهيان يُطرح السؤال كيف يواجه كل من الحرس الثوري، كجهاز، والتيار المحافظ، كحالة، هذه الخسارة الكبيرة، معطوفة على ما أظهرته من هشاشة تكنولوجية وإدارية في الدولة الإيرانية، التي «أضاعت» رئيسها ووزير خارجيتها ليوم كامل؟! النظام الإيراني مؤهل لتعويض هذه الخسارة بشكل أو بآخر. رغم ما كشفه مشهد تحطم المروحية في جبال أذربيجان من هشاشة في الدولة الإيرانية سيدفع بشكل أو بآخر كل الناقمين على هذا النظام إلى محاولة الاستفادة من هذه الهشاشة.
لكن إذا كانت هناك مشكلة في صيانة الملاحة الجوية، على مستوى طوافة رئيس جمهورية، ستكون هناك مشكلة صيانة أيضاً، بشكل أو بآخر، لآليات التحقيق ومعرفة ما حدث. والأهم ومع تحديد النظام موعد سريع للانتخابات الرئاسية لا بد من ورشة صيانة للنظام ككل.