يعتقد كثيرون بأن المشهد السياسي الإيراني سيلحظ تغييراً بعد وفاة الرجل الذي كان يعتبر “رجل المرشد”. إبراهيم رئيسي، البالغ من العمر 63 سنة، الرئيس الإيراني الذي توفي إثر تحطم المروحية في المرتفعات الشمالية الغربية للبلاد، ونظراً إلى سجله في قمع المعارضة على مدى 45 عاماً، فقد أصبح الشخص الموثوق به للمرشد خامنئي في الظروف الحساسة الحالية.
قبل 35 عاماً وعندما كان لا يزال رجل دين شاباً، أصبح إبراهيم رئيسي أحد الأعضاء في اللجنة التي عرفت بـ “لجنة الموت”، وأصدر حكم الإعدام بحق كثيرين من معارضي النظام. وخلال العقود الثلاثة الماضية من قيادة علي خامنئي، أطلق على رئيسي قاضي النظام لدوره الأمني والقضائي البارز في القضاء على خصوم الحكم ومعارضيه، وأصبح كذلك من الخيارات المناسبة لتولي منصب المرشد مستقبلاً.
رئيسي الذي رفع شعار دعم المحرومين في الانتخابات الرئاسية غير التنافسية، بات الرئيس المتطرف والمناسب للنظام، وبوفاته المفاجئة، أطلق عليه أنصار الولي الفقيه لقب “سيد الشهداء لخدمة الشعب والمظلومين”. لكن الآن، أغلق ملفه السياسي كلياً وإلى الأبد. كما أنه بوفاة رئيسي الذي أطلقت عليه بعض وسائل الإعلام الغربية لقب “جلاد طهران”، يبدو أن جزءاً من المعادلة السياسية التي يتبعها علي خامنئي تغير أيضاً، على رغم تأكيد الأخير أنه “لن يكون هناك أي تعطيل لشؤون البلاد”.
معادلة مجهولة
مع تأكيد المرشد علي خامنئي وإعلان موعد الانتخابات الرئاسية في الـ 28 من يونيو (حزيران) المقبل (أي بعد مرور نحو 50 يوماً على تحطم المروحية التي كانت تقل رئيسي ورفاقه)، يبدو أن النظام يحاول بسرعة ووفقاً للشروط المحددة في الدستور، أن يختار شخصية موثوقة لكرسي الرئاسة في شارع باستور بالعاصمة طهران حيث مبنى الرئاسة الجمهورية. لكن في الحقيقة ليس من السهل حالياً أن يجد النظام الشخص المناسب لطرحه ليرفع شعار محاربة النفاق والفساد والنهب، وأن يكون في الوقت نفسه “الرجل الأكثر تمسكاً بالمبادئ الثورية في النظام من وجهة نظر المرشد علي خامنئي”.
وقبل مقتل إبراهيم رئيسي، هناك من كان يعتقد بأنه لم يعُد خياراً مناسباً لخلافة المرشد وإدارة البلاد نظراً إلى ضعف أداء حكومته وانخفاض شعبيته، بينما قال المرشد علي خامنئي عن حكومة إبراهيم رئيسي إنها أفضل من الحكومات السابقة وتستحق الثناء.
أما الآن، فيثار سؤال وفي أعلى المستويات الحكومية، يا ترى هل يتكرر الأمر ثانية مع شخص آخر كما حدث مع إبراهيم رئيسي عندما تمت هندسة الانتخابات الرئاسية لمصلحته؟، وهو الإجراء الذي جعل “آية الله الإعدام” بين عشية وضحاها ومن دون أي منافس يصبح “سيد المحرومين” ويجلس على كرسي الرئاسة لإكمال المشروع الرامي إلى توحيد السلطة لمصلحة خطط المرشد علي خامنئي.
رافقت رئاسة إبراهيم رئيسي التي دامت نحو ثلاثة أعوام قضايا وأحداث عدة، وتصدرت حكومته أخبار العالم مرات كثيرة بسبب القمع غير المسبوق للمرأة وقضايا الفساد الكبيرة والاحتجاجات العامة والفوضى الاقتصادية والتوترات الإقليمية. وتصاعد الصراع بين التيارات المتشددة والثورية حول تقسيم السلطة خلافاً لرغبة المرشد خامنئي، مما تسبب في اتساع السخط وتراجع شعبية النظام. ولذلك، يبدو أن خطط علي خامنئي لمستقبل النظام، عدا عن الوعود الغامضة وغير المكتملة، فرضت أيضاً كلفاً كبيرة على البلاد.
اقرأ المزيد
البحث عن النسخة المطابقة لرئيسي
من المستفيد من إقصاء إبراهيم رئيسي؟
أسئلة وملاحظات حول حادثة وفاة رئيسي
انتخابات مبكرة
منذ عام 1979 وحتى اليوم، واجه النظام عدم اكتمال الولاية الرئاسية مرات عدة. في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، عزل بني صدر وقتل محمد علي رجائي وفي منتصف الثمانينيات توفي الخميني وانتخب علي خامنئي خلفاً له، إذ لم تكتمل الفترة الرئاسية لهؤلاء الأشخاص. وبطبيعة الحال، لا يمكن مقارنة أي من هذه الأحداث المذكورة أعلاه بالوضع السياسي الحالي في طهران بعد حادثة مقتل إبراهيم رئيسي.
في حين أنه وفقاً للمادة 131 من الدستور الإيراني، سيكون النائب الأول للرئيس محمد مخبر وبموافقة المرشد علي خامنئي، المسؤول عن إدارة البلاد حتى إجراء انتخابات مبكرة، فإن أمل النظام الوحيد لمشاركة المواطنين في الانتخابات المقبلة هو موجة المشاعر والعواطف التي اجتاحت الشارع الإيراني نتيجة وفاة إبراهيم رئيسي أو خلق حال تنافسية بين التيارات السياسية داخل النظام.
أحداث مرتقبة
وبناءً على قرار رؤساء السلطات الثلاث والروزنامة المعتمدة من مقر الانتخابات الرئاسية، سيتم تسجيل أسماء المرشحين خلال الفترة من الـ30 من مايو (أيار) الجاري لغابة الـثالث من يونيو المقبل، وسيعلن مجلس صيانة الدستور أهلية المرشحين خلال أسبوع، وستبدأ الحملات الانتخابية للمرشحين في الـ12 من يونيو وتستمر حتى منتصف ليل الـ26 منه، وستجري الانتخابات الرئاسية صباح الـ28 من يونيو.
ويتولى حالياً محمد مخبر رئاسة الحكومة وهو مكلف إجراء الانتخابات الرئاسية، ولهذا السبب لا يمكنه الترشح لرئاسة الجمهورية، إلا إذا استقال أو سمح له مجلس صيانة الدستور بالمشاركة في الانتخابات.
وبناءً على التقييمات، فإن المرشد خامنئي قد يفكر في مقاربات عدة للانتخابات الرئاسية المقبلة، مما يسهل مشاركة أكثر من شخصية سياسية وتنفيذية وأمنية لخوض الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في الـ28 من يونيو المقبل.
ومواصلة مسار حكومة إبراهيم رئيسي هو الرأي الذي يحظى بقبول التيارات الثورية والقريبة من النواة الصلبة في النظام مثل أنصار رئيسي والتيارات السياسية مثل جبهة الاستدامة (جبهه پایداری) ومصاف والإمام صادق.
المرشحون المحتملون
يعتبر سعيد جليلي ومهرداد بذرباش وسعيد محمد وعلي رضا زاكاني وبرويز فتاح من الشخصيات المهمة نظراً إلى سجلاتهم التنفيذية، ولديهم الشروط اللازمة للموافقة على أهليتهم وانتخاب أي منهم كرئيس مستقبلي للبلاد. ومع هذا، فإن برويز فتاح وسعيد جليلي ومهرداد بذرباش يتمتعون بفرص أكبر من بقية الأسماء.
في الجانب الآخر من التيارات المتشددة المقربة من المرشد علي خامنئي، هناك شخصيات سياسية مثل محمد باقر قاليباف وعزت الله ضرغامي ومحسن رضائي ومحمد مخبر. ومن بين هذه الشخصيات، اشتبك التيار السياسي المقرب من قاليباف في العامين الماضيين، وفي أكثر من مناسبة، مع التيار المقرب من سعيد جليلي وإبراهيم رئيسي، مما أدى إلى حدوث بعض الإشكاليات السياسية، إذ يعتقد بعضهم بأن المرشد يفضل أن يبقى محمد مخبر مراقباً على الانتخابات الرئاسية وعملية الانتقال الحكومي، ويستمر محمد باقر قاليباف برئاسة البرلمان لولاية ثانية.
واختيار رئيس الجمهورية من القائمتين أعلاه يعني استمرار مسار الحكومة الحالية.
مرشحو التيارات المعتدلة
وإذا ما قرر المرشد خامنئي التوجه نحو انتخابات شبه تنافسية على المقعد الرئاسي، فإن أهم الخيارات في ما يسمى “التيار المعتدل” سيكون علي لاريجاني وعلي أكبر صالحي وحسين دهقان.
وفي الانتخابات السابقة، رفضت أهلية لاريجاني بسبب الترتيبات التي تمت من أجل سهولة انتخاب إبراهيم رئيسي ومنع ظهور أي قطبية سياسية، لكن بعد احتجاج لاريجاني، قال المرشد خامنئي إن لاريجاني تعرض لظلم. يذكر أن رأي خامنئي هذا لم يغير في رأي مجلس صيانة الدستور واستُبعد لاريجاني من الانتخابات.
ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني الذي كان أحد أهم منتقدي برامج سعيد جليلي وإبراهيم رئيسي الانتخابية، يعتبر من الشخصيات الموثوقة لدى المرشد في كثير من الفترات على عكس حسن روحاني ومحمود أحمدي نجاد. كما أنه حالياً يعتبر الخيار الأهم للتيار المعتدل في النظام السياسي الإيراني. وانتشرت له صورة في مراسم تأبين إبراهيم رئيسي إلى جانب حسن روحاني.
مرشحو التيار الإصلاحي
ويؤكد التيار الإصلاحي الذي يعرف بـ “جبهة الإصلاحات”، أن الشخصيات البارزة التي تتوافر فيها الشروط اللازمة للترشح للانتخابات الرئاسية هي حسن خميني ومحسن هاشمي ومحمد جواد ظريف ومحمد جواد آذري جهرمي وعبدالناصر همتي وعلي شمخاني.
وفي هذا السياق، قيل إن نشر خبر احتمال أن يرشح حسن خميني نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة، أدى إلى وضعه في الصف الخلفي للمصلين على جثمان إبراهيم رئيسي، وهذه قد تكون إشارة تظهر معارضة المرشد لوجود حفيد الخميني في المشهد التنفيذي للنظام.
وأما ظريف وهاشمي، فمن المستبعد أن يحظيا بضوء أخضر من علي خامنئي نظراً إلى مواقفهما من إدارة البلاد، بخاصة سياسات النظام الإقليمية.
إذى ذلك يرى كثير من المحللين أن الانتخابات الرئاسية المقبلة يمكن أن تكون فرصة أخرى لتشكيل الحكومة بسرعة وتحسين الأوضاع، عدا عن تأجيل الاحتجاجات الاجتماعية الواسعة وإصلاح السياسات الداخلية والخارجية، إلا أن ضغوط أنصار المرشد علي خامنئي والتأكيد على نجاح حكومة إبراهيم رئيسي يمنعان هذا التفاؤل بحدوث تغيير في أوضاع النظام وسياساته.
لقد تغيرت الأوضاع في إيران كثيراً مقارنة بما كانت عليه قبل ثلاثة أعوام عندما تولى إبراهيم رئيسي رئاسة الحكومة، ويشعر المجتمع حالياً بخيبة أمل إزاء تحسن الأوضاع. كما أن اتساع موجة الاستياء العام من الأوضاع هزت كرسي المرشد علي خامنئي في أكثر من مناسبة. بهذه الطريقة، ومع الأخذ في الاعتبار جميع الظروف، فإن الحاجة إلى تغيير التوجهات والسياسات العامة للنظام الإيراني أصبحت ضرورة أكثر من أي وقت مضى.