في أعقاب وفاة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته، أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم المروحية الرئاسية، يستكشف هذا البحث التداعيات العميقة لهذه الحادثة على مسارات الحكم في إيران، والسياسات الإقليمية، وقدرات إدارة الأزمات. وهو يتعمق في السوابق التاريخية لتحولات السلطة داخل الجمهورية الإسلامية، ويسلط الضوء على الآليات الدستورية المؤثرة والمرونة الإدارية التي ميزت عمليات الانتقال السياسي للسلطة. ويمتد التحليل إلى بحث تداعيات هذه الأزمة على علاقات إيران الخارجية، ولاسيما مواقفها الإستراتيجية تجاه جيرانها الإقليميين والمجتمع الدولي، وسط التحديات الاقتصادية الناشئة والتوترات الجيوسياسية بالإضافة إلى توفير سيناريوهات المشاركة الانتخابية والمرشحين المحتملين لشغل منصب الرئيس. لا تقوم هذه الدراسة الشاملة بتقييم الآثار المباشرة لهذه الأزمة فحسب، بل تتنبأ أيضًا بالاتجاهات المحتملة لسياسات إيران الداخلية والخارجية في حقبة ما بعد رئيسي.
الوفاة المأساوية وما بعدها
توفي الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بشكل مأساوي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر، في 19 مايو/أيار 2024، في غابة دزمار بمحافظة أذربيجان الشرقية، بالقرب من مدينة فرزقان. وكان رئيسي قد سافر إلى المحافظة لافتتاح سد “غيزقلعه سي” في حفل مشترك مع الرئيس الأذربيجاني، يهدف إلى تعزيز التعاون بين البلدين. وتحطمت المروحية التي كانت تقل رئيسي ووزير خارجيته، أمير عبد اللهيان، ومسؤولين آخرين، مما أدى إلى مقتل جميع من كانوا على متنها.
ولد رئيسي، في 14 ديسمبر/كانون الأول 1960، في مشهد وتابع دراساته الدينية في مشهد وقم، وشغل عدة مناصب قضائية مهمة طوال حياته المهنية. شغل رئيسي منصب المدعي العام في طهران، وترأس إدارة التفتيش العام، وكان المدعي العام للبلاد. أصبح رئيسًا للسلطة القضائية، عام 2019، وترشح للرئاسة، عام 2017، وخسر الانتخابات آنذاك أمام حسن روحاني، وفاز بالرئاسة عام 2021 بنسبة 63% من عدد المنتخبين. وتدَّعي المعارضة الإيرانية، وعلى رأسها منظمة مجاهدي خلق، أن إبراهيم رئيسي، إلى جانب حسين علي نيري ومرتضى إشراقي ومصطفى بور محمدي، كانوا أعضاء في المجموعة التي أدارت محاكمات صيف عام 1988 في سجني إيفين وغوهردشت وحكمت هذه الهيئة على عدة آلاف من الأشخاص بالإعدام بتهم الردة أو النفاق(1). وقبل وفاته، قام العديد من المراقبين والمحللين بتصنيف إبراهيم رئيسي باعتباره المنافس الأول على عباءة المرشد الأعلى. ومع ذلك، فإن رسم الطريق إلى هذا الاستنتاج محفوف بالتعقيدات، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى عدم وجود معايير ثابتة لاختيار شخصية المرشد في المشهد السياسي الغامض وغير المتوقع في كثير من الأحيان للنظام السياسي في إيران.
1. انتقال السلطة
أدت الوفاة المفاجئة للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى إطلاق عملية معقدة لانتقال السلطة في إيران. ويتطلب هذا الوضع فهم الآليات الدستورية، والسوابق التاريخية لمثل هذا التحول في جمهورية إيران الإسلامية.
1.1. السوابق التاريخية في انتقال السلطة
شهدت إيران خلال حقبة ما بعد الثورة أحداثًا محورية ومهمة فيها العديد من الاغتيالات والتحولات السياسية. فخلال شهر يونيو/حزيران من عام 1981، تعرض خامنئي لمحاولة اغتيال فاشلة أدت إلى فقدان يده الحركة وبعد يومين فقط تعرض مقر الحزب الجمهوري الإسلامي لعملية تفجير خلال اجتماع لقادة الحزب راح ضحيته السياسي المعروف ورئيس السلطة القضائية آنذاك، آية الله محمد بهشتي، بالإضافة إلى مقتل 72 شخصًا آخرين بينهم أربعة وزراء و17 عضوًا من مجلس الشورى والعديد من المسؤولين الحكوميين.
ولعل أكثر الأحداث مفصلية في تاريخ الجمهورية الإسلامية كان وفاة مؤسسها “الخميني” في العام 1989. فبعد وفاة آية الله الخميني’ في 1989، انعقد مجلس الخبراء لاختيار المرشد الأعلى الجديد. تم اختيار آية الله علي خامنئي، الذي كان يشغل منصب رئيس الجمهورية آنذاك وقد أدى ذلك إلى استقالة خامنئي من منصب الرئاسة لتسلم منصب القائد الأعلى قبل انتهاء ولايته بشهرين. ومع ذلك، ومنذ وفاة الخميني وحتى الانتخابات الرئاسية، لم يتم اختيار قائم بأعمال الرئاسة، وكان علي خامنئي رئيسًا للجمهورية وقائدًا أعلى و”مؤقتًا” لها في نفس الوقت(2).
وأما في تجربة شغور منصب الرئيس، فقد كان أبو الحسن بني صدر أول رئيس لإيران بعد ثورة 1979. تميزت فترة ولايته بزيادة الصراعات مع المؤسسة الدينية؛ مما أدى إلى عزله من قبل البرلمان في يونيو/حزيران 1981. عقب عزله، تم إنشاء مجلس رئاسي مؤقت لإدارة المهام التنفيذية لحين إجراء انتخابات جديدة. وشهدت هذه الفترة عدم استقرار سياسي كبيرًا، وفي أغسطس/آب 1981، تعرض رئيس الجمهورية آنذاك، محمد رضا رجائي، لعملية اغتيال قتل على إثرها هو ورئيس وزرائه، محمد جواد باهنر، بعد 28 يومًا فقط على تسلمه منصب الرئاسة. ورغم أن رجائي لم يكن له نائب؛ فقد تم تشكيل المجلس الرئاسي المؤقت بحضور هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس الشورى آنذاك، وعبد الكريم موسوي أردبيلي، رئيس المحكمة العليا آنذاك. وبناء على اقتراح هذا المجلس المؤقت وموافقة البرلمان، أصبح “محمد رضا مهدوي كني” رئيسًا للوزراء وتولى زمام الأمور إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة والتي انتهت بفوز خامنئي(3).
1.2. الآليات الدستورية لانتقال السلطة
يتم التعامل مع الفراغ الرئاسي في إيران طبق المادة 131 من الدستور الإيراني التي تنص على أنه: “في حالة وفاة الرئيس أو عزله أو استقالته أو غيابه أو مرضه لمدة تزيد على شهرين، أو في حالة انتهاء مدة الرئاسة وعدم تولي الرئيس الجديد لمهامه بسبب بعض العقبات أو غير ذلك من الأمور، فإن النائب الأول لرئيس الجمهورية، يتولى صلاحيات الرئيس ومسؤولياته بموافقة القائد الأعلى. ويتم تشكيل مجلس يتكون من رئيس مجلس الشورى، ورئيس السلطة القضائية، والنائب الأول للرئيس. ويتعين على هذا المجلس اتخاذ الترتيبات اللازمة لانتخاب رئيس جديد للبلاد خلال مدة أقصاها خمسون يومًا. وفي حالة وفاة النائب الأول أو غير ذلك من الأمور التي تمنعه من أداء مهامه وفي حالة لم يكن للرئيس نائب أول يعين القائد الأعلى شخصًا آخر بدلًا منه”.
وطبقًا للدستور الإيراني، فقد أصدر خامنئي أمرًا بتولي محمد مخبر، النائب الأول لرئيسي، مهام الرئيس، وكلفه بالتعاون مع رئيسي السلطتين، التشريعية والقضائية، بالتحضير لانتخابات رئاسية جديدة للبلاد خلال مدة أقصاها خمسون يومًا.
بعد الإعلان الرسمي عن وفاة إبراهيم رئيسي وتولي مخبر لمهام الرئيس تم عقد اجتماع لرؤساء السلطات الثلاث وتم تحديد يوم 28 يونيو/حزيران ليكون يوم الانتخابات الرئاسية المبكرة الرابعة عشرة. وحضر هذا الاجتماع محسني إجئي، رئيس السلطة القضائية، ومحمد باقر قاليباف، رئيس مجلس الشورى الإسلامي، والنائب القانوني لرئيس الجمهورية، وممثل رئيس مجلس صيانة الدستور والنائب السياسي لوزير الداخلية، حيث جرى التباحث وتبادل وجهات النظر بشأن تنفيذ المادة 131 من الدستور المتعلقة بالرئاسة والعملية الانتخابية خلال 50 يومًا.
وبناء على ذلك، تمت مراجعة توقيت العملية الانتخابية، بما في ذلك موعد تشكيل المجالس التنفيذية وتسجيل المرشحين والإعلان وعملية إجراء الانتخابات، وتقرر أنه بناء على الاتفاق المبدئي مع مجلس صيانة الدستور، سيتم إجراء الانتخابات في 28 يونيو/حزيران 2024. وبحسب التقويم الانتخابي المعتمد فإنه سيتم تسجيل المرشحين خلال الفترة من 30 مايو/أيار إلى 3 يونيو/حزيران. وسينظر مجلس صيانة الدستور في طلبات المرشحين لتأييد صلاحيتهم وأهليتهم للانتخابات بين 4 يونيو/حزيران إلى 11 يونيو/حزيران. وستبدأ الحملات الانتخابية من 12 يونيو/حزيران إلى 27 يونيو/حزيران 2024(5).
1.3. النظام الإداري والمؤسساتي المتجذر
النظم الإدارية التاريخية في إيران وغياب النظام المؤسسي أو التنظيمي للمعارضة الإيرانية بالإضافة إلى التفاعل المعقد بين الهياكل الرسمية وغير الرسمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية مكَّنت من انتقالات السلطة السلسة. الاستجابة الأخيرة لوفاة الرئيس رئيسي تُظهر فعالية هذه المؤسسات في ضمان الاستمرارية والاستقرار في الحكم. ولذلك فقد سارع خامنئي حتى قبل معرفة مصير إبراهيم رئيسي إلى طمأنة الشارع بأنه لا فوضى ولا خلل في البلاد.
ومن الممكن أن يُعزى الانتقال السلس والسلمي للسلطة في إيران إلى المؤسسات عميقة الجذور التي تشكلت هياكلها الإدارية والحكمية على مدى قرون(5). ولا تتوقف هذه الظاهرة على الطبيعة الديمقراطية لهذه المؤسسات، بل على قوتها التنظيمية وقدرتها على التكيف منذ فترة طويلة.
تاريخيًّا، حافظت إيران على تقليد الإدارة العامة المنظمة الذي استمر من خلال التغيرات السياسية المختلفة. وتتجلى هذه المرونة في النقل المنظم نسبيًّا للسلطة من نظام الشاه إلى الجمهورية الإسلامية بقيادة آية الله الخميني في عام 1979. وقد سهَّل وجود مؤسسات الدولة الراسخة هذا التحول على الرغم من الاضطرابات الثورية.
يتضمن هيكل السلطة الرسمي في إيران، كما هو منصوص عليه في دستورها، مؤسسات رئيسية مثل المرشد الأعلى، ومجلس الخبراء، والرئاسة، والبرلمان (المجلس). وتُستكمل هذه المؤسسات بهياكل السلطة غير الرسمية، بما في ذلك رجال الدين المؤثرون، والموظفون الحكوميون، والمنظمات الثورية، وقوات البسيج(6). وتضمن هذه الطبقات معًا درجة من الاستقرار والنظام، حتى أثناء الأزمات.
2. التعامل مع الملفات الإقليمية وصياغة السياسة الخارجية في حقبة ما بعد رئيسي
2.1. الملفات الإقليمية وسياسة الجوار
إن صياغة السياسات الخارجية في إيران عملية معقدة ومتعددة الطبقات، وتتضمن مجموعة من الهيئات المؤثرة. وفي قلب هذا التنسيق يكمن “بيت المرشد”، الذي يعمل جنبًا إلى جنب الحرس الثوري، والمجلس الأعلى للأمن القومي، ووزارة الخارجية الإيرانية، والمؤسسات التشريعية الرئيسية مثل لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الإيراني، وبدرجة أقل مجمع تشخيص مصلحة النظام.
ويلعب المرشد الأعلى، علي خامنئي، دورًا حاسمًا، وإن كان غير مباشر في كثير من الأحيان، في هذه العملية. ورغم أنه يمنح الحكومات المتعاقبة قدرًا معينًا من الحرية لإدارة السياسات الخارجية، فإنه يتدخل بشكل حاسم عندما يرى ذلك ضروريًّا. وقد تجلت هذه الديناميكية بوضوح عندما خاطب خامنئي بشكل غير مباشر وزير الخارجية السابق، جواد ظريف، مؤكدًا على أن وزارة الخارجية تنفذ فقط السياسات التي صاغتها القيادة العليا(7).
وأصبحت التوترات في هذا الإطار علنية عندما كشف تسجيل صوتي مسرب لظريف عن إحباطاته، ووصف التفاعل المعقد بين “الميدان والدبلوماسية”، مسلطًا الضوء على الحالات التي طغت فيها الاعتبارات العسكرية على الجهود الدبلوماسية.
وبالنظر إلى هذه المقدمات حول عملية رسم السياسة الخارجية ولاعبيها المحليين في إيران، فمن الواضح أن المصالحة الإقليمية مع المملكة العربية السعودية وتعزيز العلاقات الإقليمية الداخلية أمران أساسيان في سياسة إيران الإستراتيجية. ويعطي هذا النهج الأولوية لتعزيز العلاقات مع الدول المجاورة بدلًا من التوافق مع الغرب والولايات المتحدة. والجدير بالذكر أن هذه السياسة تم وضعها قبل وصول إدارة رئيسي إلى السلطة، ومن المتوقع أن تظل ثابتة بغض النظر عن أي تغييرات حكومية مستقبلية أو تحولات في التوجه السياسي.
ويؤكد هذا الالتزام الثابت رؤية إيران طويلة الأمد فيما يتعلق بالتعاون الإقليمي وترابطها الوثيق بإستراتيجية التوجه شرقًا، ويؤكد هذا على أهمية العلاقات الوثيقة المتناغمة مع جيرانها المباشرين باعتبارها حجر الزاوية في سياستها الخارجية.
ومن جهة أخرى، يعتبر دعم الفصائل الفلسطينية السياسية والمسلحة من أصول السياسة الخارجية الإيرانية المستدامة والتي استمرت منذ وصول الثورة الإسلامية إلى الحكم. وترى الباحثة في الشأن الإيراني، فاطمة الصمادي، أن رئيسي دعم حماس أكثر من روحاني، ويبدو هذا الرأي صحيحًا من الناحية التاريخية والحقائق على الأرض إذ وعلى الرغم من أن الملف الفلسطيني، هو بطبيعة الحال بيد الحرس الثوري وفيلق القدس، إلا أن حكومة روحاني قلَّلت الدعم لحماس بعد الخلاف الذي حصل معها حول سوريا.
وأما بالنسبة لسوريا، فإن التدخل في سوريا والاستمرار في الوجود هناك بوصفها مساحة وعمقًا إستراتيجيًّا ورابطًا مهمًّا بين ما يسمى “محور المقاومة” بين إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين فإن الوضع الإيراني لن يتغير هناك لأن الملف السوري يخضع لإدارة تامة من قبل الحرس الثوري وفيلق القدس.
2.2. العلاقة مع الولايات المتحدة والاتفاق النووي
إن أبرز الأسماء المرشحة لاستلام منصب وزير الخارجية القادم هو باقري كني وهو المسؤول عن ملف المفاوضات النووية مع أوروبا والولايات المتحدة وروسيا والصين. ومن الأحداث الأخيرة المثيرة للاهتمام اعتراف إيران والولايات المتحدة بوجود محادثات غير مباشرة بينهما في عُمان خلال الأيام التي سبقت مقتل إبراهيم رئيسي. ويبدو أن عملية المفاوضات سيتم تأجيلها بشكل مبدئي لحين انتخاب رئيس للبلاد إلا أن مسارها يبدو أنه سيستمر ضمن المسار السابق إذ لا تغير في نوع العلاقة مع الولايات المتحدة إلا إذا ظهرت عوامل أميركية أخرى مثل فوز الرئيس الأميركي السابق، ترامب، مرة أخرى بالانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في أواخر 2024 وعودته إلى سياسة الضغط بالحد الأقصى وفرض العقوبات؛ إذ يتوقع بعدها دخول هذه العلاقات مرحلة جديدة من التوتر المتبادل والمتصاعد.
ترسل طهران بصورة منهجية ومتعمدة رسائل متضاربة إلى الولايات المتحدة، فهي تُجري مفاوضات غير مباشرة حول الملف النووي وفي نفس الوقت تلمح بين الفينة والأخرى إلى إمكانية التغيير في إستراتيجيتها النووية والتوجه نحو صناعة السلاح النووي في حال تعرضت لخطر يمس أمنها القومي. هذه السياسة المزدوجة والإبهام الإستراتيجي سوف تتبعها الحكومة القادمة بشكل كامل.
2.3. المواجهة مع إسرائيل نحو مزيد من التصعيد
في مقالهما المشترك والشامل، يرى علي واعظ وحميد رضا عزيزي(8) أنه في حقبة ما بعد رئيسي فإن التوجه الإستراتيجي لسياسات إيران الخارجية والإقليمية لن يتغير ولكن التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل يؤثر بالفعل على التفكير الإستراتيجي لإيران وحساباتها الإقليمية. فالهجوم الإسرائيلي في 1 أبريل/نيسان على مجمع السفارة الإيرانية في دمشق، الذي أسفر عن مقتل عدة أفراد من الحرس الثوري، يعد تجاوزًا للخطوط الحمراء الإيرانية، وعليه اعتقدت طهران أنه إذا لم يتم الرد على الهجوم على ما تعتبره أرضًا سيادية، فإن إسرائيل قد تستهدف المزيد من المسؤولين الإيرانيين في الأراضي الإيرانية.
إن خطورة الهجمات الإسرائيلية وجرأتها تزعزع صورة طهران لدى حلفائها الإقليميين والمناصرين لها في الداخل وهذا ما استوجب ردًّا استثنائيًّا يعيد للردع الإيراني فعاليته دون الانزلاق لمواجهة مفتوحة. ولذلك فقد حلت طهران هذا التحدي بشن ضربة كبيرة بالطائرات بدون طيار والصواريخ ضد إسرائيل في الساعات الأولى من 14 أبريل/نيسان. كانت الأولوية ليست القتل والتدمير (رغم أن حجم الهجوم كان يوحي بذلك) ولكن لإظهار جرأتها في ضرب الأراضي الإسرائيلية مباشرة.
قال قائد قوات الجو في الحرس الثوري: إن إيران استخدمت أقل من 20% من القدرات التي أعدتها للعملية، بينما اضطرت إسرائيل، بمساعدة الولايات المتحدة وحلفاء آخرين، إلى تعبئة كامل ترسانتها الدفاعية. إذا كانت هذه الادعاءات صحيحة ولو جزئيًّا، فإنها تثير التساؤلات حول ما إذا كان يمكن تكرار الدفاع الناجح إذا قامت إيران بشن هجوم أكبر باستخدام أسلحة أكثر تقدمًا، خاصةً إذا جاء كمفاجأة واستمر لفترة طويلة.
في مرحلة ما بعد رئيسي، فإن العودة إلى حالة الحرب الظل القديمة ربما تكون نتيجة مقبولة لإيران. فإيران تسعى على الأقل إلى إيجاد وسيلة للحد من نطاق حملة إسرائيل “الحرب داخل الحروب” التي تستهدف شحنات الأسلحة والمرافق الإيرانية في سوريا. وعلى أقل تقدير، تأمل إيران في وضع حد لاستهداف إسرائيل للقادة الإيرانيين البارزين وعملياتها السرية على الأراضي الإيرانية. من المبكر جدًّا تحديد ما إذا كانت إيران ستتمكن من تحقيق أي من هذه الأهداف.
وقد تسعى إيران خلال الفترة القادمة إلى تعزيز تطوير وتخزين الأسلحة بالقرب من إسرائيل، مما يتطلب وجودًا أعمق في سوريا، بالإضافة إلى تكثيف تطوير صواريخ أكثر تقدمًا (بما في ذلك الصواريخ الفرط صوتية) كجزء من أي حزمة ضربات مستقبلية.
إن المعادلة الرئيسية التي تحكم طبيعة المواجهة بين إيران وإسرائيل في المرحلة المقبلة يجري ترسيمها عبر اعتقاد إيراني بالنصر في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ضمن عملية طوفان الأقصى حتى ولو كان هذا النصر عبر حلفائها غير الحكوميين كحماس. وبناء على كل هذه المتغيرات تستمر طهران في السعي لتحقيق إستراتيجيتها الكبرى في عزل إسرائيل وإخراج القوات الأميركية من المنطقة بشكل كامل.
باختصار، ستتسم طبيعة المواجهة بين إسرائيل وإيران بالعدوان المتزايد، وإعادة المعايرة الإستراتيجية، وتداعيات إقليمية وعالمية كبيرة. إن خطر نشوب صراع شامل يلوح في الأفق بشكل أكبر؛ حيث ينخرط اللاعبان الإقليميان في لعبة حافة الهاوية عالية المخاطر.
3. التحديات الاقتصادية والسياسات المستقبلية للحكومة الإيرانية المقبلة
خلال رئاسة إبراهيم رئيسي من 2021 إلى 2024، واجه الاقتصاد الإيراني عقبات كبيرة بسبب العقوبات الأميركية المستمرة والديناميات السياسية المحلية المعقدة. وقد روجت إدارة رئيسي لما يسمى “اقتصاد المقاومة”، وهو إطار إستراتيجي يهدف إلى تقليل اعتماد إيران على النفط والتجارة الدولية. وبدلًا من ذلك، أكد هذا النهج على تنمية السوق الداخلية وتعزيز العلاقات التجارية مع الدول المجاورة مثل العراق وأفغانستان ودول الخليج. بالإضافة إلى ذلك، تبنَّت إيران سياسة التمحور شرقًا، وتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني مع الصين من خلال اتفاق شامل. وتضمنت هذه الإستراتيجية أيضًا التعامل مع منظمات موازية للكيانات الغربية، مثل منظمة شنغهاي للتعاون.
وفي الأشهر الأخيرة من ولاية رئيسي، أظهر الاقتصاد الإيراني اتجاهات إيجابية. وأظهرت المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، مثل نمو السيولة ومعدلات التضخم، علامات التحسن. وعلى وجه التحديد، انخفض نمو السيولة، الذي بلغ ذروته عند 33% في أبريل/نيسان 2023، إلى 23% بحلول أبريل/نيسان 2024. وبالمثل، انخفض معدل التضخم من 55.5% إلى 30.9% خلال نفس الفترة. علاوة على ذلك، ظل النمو الاقتصادي إيجابيًّا، مع توسع الاقتصاد الإيراني بنسبة 5.1% في خريف عام 2023. وتشير هذه الإحصائيات إلى فترة من الاستقرار الاقتصادي النسبي وتتنبأ بآفاق اقتصادية مستقرة خلال فترة الانتخابات المبكرة(9).
كما وصلت صادرات النفط الإيرانية إلى أعلى مستوياتها في السنوات الأخيرة؛ مما أسهم في تعزيز الاحتياطيات الوطنية؛ حيث ذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن إيران تصدِّر كميات من النفط أكبر من أي وقت مضى خلال الأعوام الستة الماضية، وأن دخلها وصل إلى 35 مليار دولار سنويًّا(10).
وتشير قدرة الحكومة على إدارة رواتب الموظفين والدعم النقدي إلى الاستقرار المالي على المدى القصير. وعلى الرغم من حالة عدم اليقين السياسي التي أعقبت وفاة الرئيس رئيسي وما ترتب على ذلك من تقلبات في أسعار العملات الأجنبية، فقد أدى التحول السياسي السريع إلى استقرار هذه التقلبات. ومن ثم، فإن المؤشرات الاقتصادية الرئيسية مثل النمو والسيولة والتضخم لم تشهد أزمات، ولا يتوقع وجود تهديدات اقتصادية فورية على المدى القصير إلى المتوسط(11).
على الجانب الآخر، تعتبر مؤشرات عدم الكفاءة والفساد وسوء الإدارة عوائق رئيسية هيكلية في الاقتصاد الإيراني لا تتغير بتغير الحكومات؛ حيث أدت التقارير عن الاختلاس والافتقار إلى إستراتيجية اقتصادية متماسكة إلى تقويض ثقة الجمهور في الحكومة، كما أدى انخفاض قيمة الريال إلى تعقيد المشهد الاقتصادي.
وكان يُنظر إلى السياسة الخارجية التي ينتهجها رئيسي، والتي تركز على تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا والاستفادة من الشراكات الإقليمية، على أنها سلاح ذو حدين. ففي حين قدمت هذه التحالفات بعض الفرص الاقتصادية، فإن عدم إحراز تقدم في حل القضايا مع الدول الغربية والمفاوضات النووية المتوقفة حدَّ من الإغاثة الاقتصادية الأوسع والاستثمار الأجنبي والتنمية الاقتصادية المستدامة.
ولعل أبرز ما ستواجهه الحكومة القادمة هو:
استمرار تأثير العقوبات: ستظل العقوبات الأميركية تمثل تحديًا هائلًا؛ مما يحد من قدرة إيران على الانخراط في الأنظمة المالية والتجارة العالمية.
الاعتماد على النفط: على الرغم من الجهود المبذولة للتنويع، لا يزال الاقتصاد الإيراني يعتمد بشكل كبير على صادرات النفط؛ مما يجعله عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية والتوترات الجيوسياسية.
التوظيف والأجور: سيشكل ضمان الدفع المنتظم لرواتب الموظفين والإعانات في بيئة اقتصادية متوترة تحديًا مستمرًّا.
استقرار صرف العملات الأجنبية: إن إدارة تقلبات العملة، خاصة في ضوء التغيرات السياسية، ستكون ضرورية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
4. من يحل محل رئيسي؟
تعتبر الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة انتخابات مهمة وتشابه في أهميتها الانتخابات السابقة التي انتصر فيها رئيسي بواقع 18 مليون صوت؛ وذلك لأن الظروف التي تحكم هذه الانتخابات لم تتغير. فإذا ما تم استثناء الحالات الاستثنائية للرؤساء السابقين الذين قُتلوا قبل إتمام ولايتهم مثل “رجائي” و”رئيسي” أو الذي تم عزله مثل “بني صدر” فإن أغلب من شغلوا هذا المنصب استمروا لمدة 8 سنوات لولايتين متتاليتين. وهذا يؤكد على أهمية الشخصية التي ستحكم إيران في السنوات الثماني القادمة وخصوصًا دور هذا الرئيس في الاختيار المحتمل للمرشد القادم لإيران بعد خامنئي الذي بلغ من العمر 85 عامًا، وتنسيقه الكامل مع الحرس الثوري القوة الأكثر نفوذًا في السياسة الخارجية والاقتصاد الداخلي ودوره في إدارة الصراع والتفاوض مع الولايات المتحدة وإسرائيل، خصوصًا بعد حرب غزة وانتقال حرب الظل بين إيران وإسرائيل إلى الردود المباشرة.
وبعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي، وتحميل حكومة روحاني مسؤولية الفشل في إدارة البلاد والتخفيف من أعباء العقوبات، اتخذ النظام بشكل عام مسارًا نحو ما يسمى “البونابرتية” وهي أحد مصطلحات الحوكمة الكلاسيكية، وتعني القدوم بحكومة مقتدرة وذات طيف وتوجه سياسي واحد لإدارة البلاد في أوقات الأزمات. ولذلك فإن الصبغة التي طغت على جميع الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء اللاحقة لحكومة روحاني، هي الصبغة الأصولية الوفية لأصول الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه والقادرة على التغلب على أي مفاجآت وعراقيل فيما يتعلق باختيار المرشد القادم والمؤمنة بالقدرة على المضي في إدارة البلاد في ظل العقوبات الأميركية والأوروبية من خلال الاقتصاد المقاوم والاعتماد على الحلفاء في الشرق والجوار.
ومع عدم تغير الظروف يبدو أن انتخاب الرئيس القادم لن يخرج عن القاعدة المرسومة أعلاه بغض عن النظر عن الأسماء المطروحة. ويجب التأكيد قبل البدء ببحث الأسماء والتيارات المطروحة لخوض هذه الانتخابات على أن مستوى المشاركة في الانتخابات تراجع خلال السنوات الماضية بحيث بلغت الانتخابات الرئاسية الأخيرة 48% وبلغت المشاركة في انتخابات مجلس الشورى الأخير 42%. ويعود ذلك إلى أن هناك قسمًا من الفئات الاجتماعية قرر مقاطعة الانتخابات بشكل كامل وهذا ما دفع البعض إلى الحديث عن “تحويل التهديد إلى فرصة”، واقترحوا على النظام تعويض غضب الناس ومشاركتهم المنخفضة في الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية السابقة، باستغلال “الأجواء العاطفية” التي حدثت بعد وفاة رئيسي، عبر إجراء انتخابات حماسية ذات مشاركة واسعة(12).
4.1. السيناريو المستبعد وضعيف الاحتمال
أثبتت السنوات الماضية أن سيناريو اللجوء إلى الإصلاحيين وحتى المعتدلين الذين يميلون إلى المعسكر الإصلاحي هو سيناريو مستبعد وضعيف الاحتمال. وعلى الرغم من أن مجلس صيانة الدستور أيد أهلية إصلاحيين مثل عبد الناصر همتي ومحسن مهر علي زادة في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 إلا أن هذه الموافقة كانت مقترنة بضعف هذه الشخصيات على المستويات الشعبية وعدم تمتعها بالتأييد الكامل من الأحزاب الإصلاحية، ولذلك جاء همتي في المرتبة الرابعة بواقع 2.5 مليون صوت بعد إبراهيم رئيسي ومحسن رضائي وبعد الآراء الانتخابية البيضاء والباطلة التي جاءت في المركز الثالث بواقع 3.7 ملایين رأي.
ومع ذلك فالأسماء الإصلاحية التي من المحتمل أن تعلن ترشحها لهذه الدورة الانتخابية هي: إسحاق جهانغيري (النائب السابق للرئيس روحاني)، ومحمد رضا عارف، وعبد الناصر همتي (المرشح السابق للرئاسة ومدير البنك المركزي الإيراني في حكومة روحاني)، ومسعود بزشكيان (ممثل مدينة تبريز في مجلس الشورى)، ومحمد جواد أذرجهرمي (وزير الاتصالات السابق في حكومة روحاني)، ومحسن هاشمي رفسنجاني، ومحمد شريعتمداري.
وعلى الرغم من أن تصريحاته خلال الأشهر الأخيرة اقتربت بشكل شبه كامل من السياسات الكلية للنظام لدرجة أنه نسب سقوط مروحية رئيسي إلى العقوبات الأميركية، إلا أنه من المستبعد أن يرشح وزير الخارجية السابق، جواد ظريف، نفسه لهذه الانتخابات (إلا في حال تلقيه لضوء أخضر من مجلس صيانة الدستور يفيد بتأييد أهليته لخوض الانتخابات) وكان ظريف قد صرح أكثر من مرة بعدم رغبته في الترشح، ويعود قراره هذا إلى احتمال رد أهليته من قبل مجلس صيانة الدستور.
4.2. المحافظون التكنوقراطيون
لعل التوجهات الأخيرة للنظام السياسي الإيراني تشير إلى الرغبة في إدارة أزمات البلاد بطريقة محافظة ولذلك فإن المحافظين التكنوقراطيين الذي خدموا في المؤسسات العسكرية أو المؤسسات التشريعية والقضائية هم الخيار الأنسب للنظام للعبور من معضلة الفراغ الرئاسي التي خلَّفتها وفاة رئيسي.
ولعلها ليست مصادفة أن يكون أعضاء المجلس الرئاسي المؤقت هم من أبرز المنافسين المحتملين للفوز في هذه الانتخابات. وقد فتح رئيس لجنة الشؤون الداخلية والمجالس، محمد صالح جوكر، الباب لترشح أعضاء المجلس الرئاسي المؤقت بالقول بأنه على عكس الانتخابات البرلمانية التي يجب فيها على المسؤولين الاستقالة قبل التسجيل في الانتخابات، فإن قانون الانتخابات الرئاسية لا يفرض مثل هذه الاستقالة. وبناء على ذلك، يمكن لقادة السلطات العليا في البلاد والنائب الأول للرئيس وأي شخص يشغل منصبًا ومسؤولية حاليًّا الترشح دون الحاجة إلى الاستقالة.
يقع على رأس هذه القائمة، القائم بأعمال الرئيس، الاقتصادي المقرب من بيت المرشد “محمد مخبر دزفولي” (1955)، عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام. تولى مسؤوليات مهمة قبل أن يصبح النائب الأول لإبراهيم رئيسي، ومثل كثيرين آخرين، بدأ حياته المهنية في الحرس الثوري، وعمل في “بنيان مستضعفان” وكان أهم مناصب مخبر هو توليه لرئاسة الجهاز التنفيذي لفرمان إمام (الذي يخضع مباشرة لسيطرة بيت المرشد)، في 2007. إحدى أهم العقبات التي تحول دون فوز مخبر في الانتخابات القادمة هي افتقاره للقاعدة الشعبية التي ستشارك في الانتخابات.
محمد باقر قاليباف (1961): سياسي إيراني محافظ، عمدة طهران السابق، وشغل رئيس مجلس الشورى الذي انقضت ولايته وقد فاز بمقعد في مجلس الشورى الثاني عشر الجديد. ويواجه قاليباف تحديات في تولي رئاسة هذا المجلس بعد احتدام المنافسة مع الأصوليين الجدد من “جبهة الصمود”. شغل قاليباف أيضًا منصب قائد في الحرس الثوري وشغل مناصب مهمة مختلفة داخل الحكومة الإيرانية. وقد ترشح قاليباف للرئاسة عدة مرات، وقدم نفسه كمحافظ براغماتي. يعتبر قاليباف شخصية بارزة تحظى بدعم كبير بين المحافظين والسياسيين في إيران. وستعتمد فرصه في الفوز على عوامل مختلفة أهمها مستوى الدعم من القادة السياسيين الأصوليين ورجال الدين المتنفذين، وستنخفض حظوظه في الفوز بمنصب الرئاسة إذا ما قرر الأصوليون دعم أسماء أخرى في السباق الانتخابي كما حصل في انتخابات مجلس الشورى حيث كانت أكبر خسارة للأصوات من نصيب قاليباف؛ حيث دخل قاليباف إلى مجلس الشورى في انتخابات 2020 كأول مرشح عن دائرة طهران في انتخابات البرلمان الحادي عشر بحصوله على 1.265.287 صوتًا، لكنه في انتخابات مارس/آذار 2024 لم يحصل إلا على 447.905 صوتًا وبذلك يكون قد خسر 817.382 صوتًا وجاء في المركز الرابع بالنسبة لمرشحي محافظة طهران بعد “نبويان” و”ثابتي” و”رسايي”.
محسني إجئي (1956): إذا ما قرر الترشح لمنصب الرئاسة، فإن إجئي يعتبر من أبرز الأسماء التي من الممكن أن تفوز في الانتخابات. وهو سياسي محافظ بارز وفقيه إسلامي يشغل حاليًّا منصب رئيس السلطة القضائية. وقد شغل عدة مناصب رفيعة المستوى أهمها وزير المخابرات من عام 2005 إلى عام 2009. منذ تعيينه رئيسًا للسلطة القضائية في يوليو/تموز 2021، قدم إجئي نفسه كشخصية تحارب الفساد، وهو الموقف الذي تجسد في المحاكمات القضائية الأخيرة في قضايا فساد رفيعة المستوى، مثل قضية وزير الزراعة السابق، جواد ساداتي نجاد. وقد عززت حملة مكافحة الفساد هذه صورته العامة ويمكن أن تكون عاملًا مهمًّا في ترشيحه المحتمل للرئاسة.
ومن بين الأسماء المطروحة من خارج المجلس الرئاسي المؤقت:
برويز فتاح (1961): هو سياسي محافظ بارز وله تاريخ طويل في مختلف الأدوار المهمة. شغل منصب وزير الطاقة الإيراني من عام 2005 إلى عام 2009 في عهد الرئيس، محمود أحمدي نجاد. بعد ذلك، قاد مؤسسة الإمام الخميني للإغاثة من عام 2015 إلى عام 2019، ويرأس مؤسسة المستضعفين منذ عام 2019، وهي منظمة شبه حكومية قوية وثرية.
تميزت فترة عمل فتاح في مؤسسة مستضعفان بموقفه الصريح ضد الفساد. وقد اكتسب الاهتمام من خلال تسمية العديد من الشخصيات والمنظمات البارزة علنًا، بما في ذلك الرؤساء السابقون والهيئات العسكرية، لإساءة استخدام ممتلكات المؤسسة(13). واعتبر الكثيرون هذه الخطوة بمنزلة جهد إستراتيجي لوضع نفسه كمرشح إصلاحي ومناهض للفساد.
سعيد محمد (1969): سياسي إيراني وعميد سابق في الحرس الثوري الإسلامي تولى أدوارًا مهمة مثل قائد مقر خاتم الأنبياء. شغل منصب مستشار الرئيس الإيراني من عام 2021 إلى عام 2022. وكان محمد مرشحًا في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 ولكن تم استبعاده من قبل مجلس صيانة الدستور. ونظرًا لخلفيته العسكرية وعلاقاته القوية مع الحرس الثوري الإيراني، فإن لديه القدرة على جذب الدعم من الفصائل المحافظة والمتشددة داخل إيران، على الرغم من أن استبعاده السابق قد يعيق فرصه في الانتخابات المقبلة.
محسن رضائي (1954): هو سياسي وشخصية عسكرية. وكان مرشحًا دائمًا في الانتخابات الرئاسية الإيرانية. شغل منصب القائد العام للحرس الثوري الإيراني لمدة 16 عامًا، ويرأس حاليًّا مجمع تشخيص مصلحة النظام. ومن المعروف عن رضائي مواقفه المتشددة، بما في ذلك معارضة الاتفاق النووي والدعوة إلى أخذ المواطنين الأميركيين رهائن من أجل النفوذ. إن حضوره المستمر في السياسة ومؤهلاته العسكرية تجعله منافسًا بارزًا، على الرغم من أن إخفاقاته السابقة في السباقات الرئاسية تشير إلى تحديات جدية في حشد الدعم الانتخابي واسع النطاق.
علي شمخاني (1955): هو مسؤول عسكري كبير وسياسي، شغل سابقًا منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، كما شغل منصب وزير الدفاع من عام 1997 إلى عام 2005. ويعد شمخاني شخصية تحظى باحترام كبير داخل المؤسسة الأمنية الإيرانية ولعب أدوارًا رئيسية في تشكيل سياسات الدفاع والأمن الإيرانية وتوقيع اتفاق المصالحة مع السعودية برعاية صينية. إن نهجه العملي وخبرته الواسعة في الشؤون العسكرية والدبلوماسية يمكن أن تضعه كمرشح قوي، على الرغم من أن نفوذه داخل الدوائر السياسية الأوسع سيكون حاسمًا لمحاولة رئاسية ناجحة.
محمود أحمدي نجاد (1956): شغل منصب رئيس إيران من عام 2005 إلى عام 2013. وقد تميزت فترة ولايته، المعروفة بخطاباته الشعبوية والمتشددة، بتحديات اقتصادية كبيرة وعزلة دولية. حاول أحمدي نجاد العودة إلى السياسة عبر الانتخابات الرئاسية لعامي 2017 و2021، لكن مجلس صيانة الدستور منعه من الترشح. وعلى الرغم من إرثه المثير للجدل، فإنه يحتفظ بقاعدة موالية من المؤيدين الذين يقدرون موقفه ضد النخبة السياسية. ويعتمد ترشيحه على موافقة مجلس صيانة الدستور؛ الأمر الذي كان بمنزلة عائق كبير في الانتخابات الأخيرة.
4.3. الشخصيات الأيديولوجية المحافظة
سعيد جليلي (1965): هو سياسي ودبلوماسي محافظ بارز. شغل منصب كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين من عام 2007 إلى عام 2013، وكان أمينًا للمجلس الأعلى للأمن القومي. وجليلي معروف بمواقفه المتشددة في السياسة الخارجية ومعارضته القوية للغرب، وهو ما يلقى تأييدًا لدى القاعدة المحافظة للأصوليين الجدد الموسومة “بجبهة الصمود”. إلا أن خسائره الانتخابية السابقة ورؤيته للعلاقات الخارجية لإيران تجعل ترشيحه وفوزه المحتمل في الانتخابات موضوعًا للنقاش والشك داخل الأوساط السياسية.
مهدي بذرباش (1981): هو سياسي محافظ شاب شغل مناصب مختلفة، بما في ذلك رئيس مكتب التدقيق الوطني في إيران، ونائب رئيس البرلمان، والآن وزير النقل. ويُنظر إليه على أنه محافظ براغماتي يتمتع بالقدرة على التواصل مع الناخبين الشباب، وهو يمثل ما يصفه المحافظون بالرؤية الثورية الشبابية. ومن الممكن أن يؤدي نهجه الديناميكي ومنظوره الجديد إلى تنشيط البرنامج المحافظ، وجذب جمهور أوسع من الناخبين الأصغر سنًّا.
علي رضا زاكاني (1965): هو شخصية محافظة مؤثرة، يشغل حاليًّا منصب عمدة طهران. لديه خلفية في الطب وكان عضوًا في البرلمان لعدة فترات. يُعرف زاكاني بشخصيته المثيرة للجدل والمستقطبة في بعض الأحيان والتي ستكون عقبة كبيرة أمام محاولته الترشح للرئاسة.
4.4. المحافظون الكلاسيكيون
علي لاريجاني (1958): هو محافظ كلاسيكي، يظهر كمرشح محتمل بارز للانتخابات الرئاسية المبكرة بعد وفاة إبراهيم رئيسي. وقد تم استبعاد لاريجاني، الرئيس السابق لمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. قرار مجلس صيانة الدستور هذا قوبل بمخالفة المرشد الأعلى، علي خامنئي، له. ومن الممكن أن تجعله خلفيته السياسية وموقفه المعتدل شخصية موحدة قادرة على جذب الدعم من المحافظين والإصلاحيين على حدٍّ سواء.
وقد يكون ترشيح لاريجاني إستراتيجيًّا بشكل خاص إذا كانت الحكومة تهدف إلى “تحويل الأزمة إلى فرصة” من خلال إجراء انتخابات أكثر ديناميكية وتنافسية. وقد يساعد إدراجه في السباق في تحفيز المعتدلين وبعض الناخبين الإصلاحيين على المشاركة في الانتخابات، وبالتالي ضمان عملية انتخابية أكثر شمولًا ومشاركة(14). ومن الممكن أن يساعد هذا النهج في استقرار المناخ السياسي ومعالجة بعض المخاوف الأوسع نطاقًا لدى الناخبين.
في الختام، من بين المرشحين الذين سيوافق مجلس صيانة الدستور على أهليتهم، فإن الجمهور الأصولي، الذي من المتوقع أن يشارك بقوة أكبر من الطبقات الاجتماعية الأخرى، سوف يشكل القوة الحاسمة في تحديد الرئيس الإيراني المقبل. لا يمكن التقليل من تأثير قاعدة الناخبين المحافظين هذه؛ حيث من المرجح أن تطغى نسبة المشاركة المرتفعة على التركيبة السكانية الأخرى. وعلى الرغم من ذلك، من المتوقع أن تظل معدلات مشاركة الناخبين الإجمالية أقل مما كانت عليه في الانتخابات السابقة. ويشير هذا إلى أن نتيجة الانتخابات سوف تعتمد بشكل أكبر على تعبئة الناخبين الأصوليين بدلًا من المشاركة العامة على نطاق واسع.