تونس تنتهج استراتيجية تحلية مياه البحر لمواجهة الجفاف

تونس تنتهج استراتيجية تحلية مياه البحر لمواجهة الجفاف

تعاظم اهتمام السلطة التونسية بأزمة نقص مياه الشرب في الفترة الأخيرة، حيث لجأت إلى بناء محطات تحلية خصوصا في مناطق الجنوب، وأهمها محطة الزارات من محافظة قابس التي دشّنها الرئيس قيس سعيد مؤخرا.

الزارات (تونس) – أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد الأحد، دخول محطة تحلية مياه البحر بالزارات في ولاية قابس بالجنوب الشرقي مرحلة الاستغلال الرسمي، في خطوة يرى مراقبون أنها تترجم مدى جدية السلطة في إيلاء أزمة مياه الشرب الاهتمام اللازم.

وحلّ قيس سعيّد صباح الأحد بالزارات (قابس) لتدشين محطة تحلية المياه الجاهزة للاستغلال بعد نجاح العمليات التجريبية منذ مدة.

وتندرج محطة تحلية مياه البحر بالزارات ضمن البرنامج الإستراتيجي للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، الرامي إلى تعزيز الموارد المائية بالجنوب الشرقي وتأمينها إلى أفق 2035.

وسينتفع بهذا المشروع 1.1 مليون ساكن وسيمكن هذا المشروع الشركة من الاستجابة للطلب الإضافي على مياه الشرب، وتحسين نوعيتها بولايات الجنوب الشرقي، وخصوصا في ولايات قابس ومدنين وتطاوين، وتفادي النقص المسجل في السنوات الأخيرة في الموارد المائية وخاصة خلال فترات الذروة.

ووفق الرئيس المدير العام السابق للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه، تقدّر طاقة الإنتاج اليومية لمحطة تحلية مياه البحر بالزارات بـ50 ألف متر مكعب قابلة للوصول إلى 100 ألف متر مكعب.

ولمواجهة الطلب المتزايد على الماء واستمرار حالة الجفاف، تسعى تونس إلى تعزيز البنى التحتية للمياه من ذلك تشييد السدود وإنشاء محطات تحلية.وأفاد الخبير في الموارد المائية حسين الرحيلي بأن “اهتمام السلطة بأزمة المياه ليس اختيارا بل ضرورة، حيث اضطرت الدولة لإنشاء محطة تحلية مياه البحر بالزارات من ولاية قابس التي تم تدشينها الأحد”.

وأضاف لـ“العرب”، “كلفة المياه ستكون عالية، حيث يقدر المتر المكعب الواحد في المحطة الجديدة بـ3 دنانير، وفي جزيرة جربة ستكون أعلى، ثم ستدخل محطة تحلية المياه بصفاقس في مرحلة التجربة”.

ولفت الرحيلي إلى أن “الهرولة إلى تحلية مياه البحر ستكون لها انعكاسات كبيرة على الموازنة المالية، وكان على السلطة أولا تطوير جودة القنوات المائية والتسريع في المراقبة الدقيقة للمياه الجوفية”، لافتا إلى أن “نسبة إهدار الماء وطنيا بين 22 و25 في المئة، أي ما يعادل (125 مليون متر مكعب)، ويصل في مدينة قابس إلى 50 في المئة وبعض المناطق الأخرى 60 في المئة”.

وأوضح الخبير في الموارد المائية أن “المحطة الجديدة ستوفر 18 مليون متر مكعب من المياه بقيمة مالية تقدر بـ320 مليون دينار”، مؤكدا وجود هدر كبير للمياه في البلاد.

وذكر وزير الفلاحة عبدالمنعم بلعاتي في تصريح سابق أنه “يجري العمل، في إطار الحث على حسن استغلال الموارد المائية وترشيد استهلاكها والحفاظ على حق الأجيال القادمة في بنية تحتية مائية وخاصة في مياه الشرب، على تركيز محطات أخرى لتحلية مياه البحر بكل من صفاقس وسوسة إضافة إلى محطة تحلية المياه بجربة التي دخلت طور الاستغلال سنة 2018”.

ولا يزال مخزون المياه غير كاف بالمقارنة مع حجم الاستهلاك اليومي وتهديدات العطش، فضلا عن تواصل إهدار الماء الصالح للشرب، وسط إقرار بأن وضعية المياه في البلاد غير مطمئنة. ويعتبر الجفاف أحد أبرز مظاهر التغير المناخي الذي تعتبر تونس من أكثر دول العالم تأثرا به. ولمواجهة أزمة المياه، لجأت تونس إلى اتخاذ العديد من الإجراءات من ذلك اعتماد نظام حصص ظرفي ومنع وقتي لبعض الاستعمالات كغسل السيارات وري المساحات الخضراء.

كما تعمل تونس على تعزيز دور محطات معالجة المياه، فقد أمضت نهاية يناير الماضي مع البنك الأفريقي للتنمية على اتفاقية قرض بقيمة 89 مليون دولار لتحسين جودة المياه المعالجة وتجديد المعدات واستخدام الطاقة الشمسية في 19 محطة للمعالجة بـ11 ولاية من ولايات البلاد.

وقال عادل الهنتاتي الخبير في البيئة والتنمية المستدامة، “طبعا هناك اهتمام من السلطة بأزمة المياه، خصوصا وأن تونس في منطقة حزام العطش، ونقص الماء الصالح للشرب جعل التصرف في الموارد المائية من أبرز البرامج التي اهتمت بها السلطة”.

وأكد في تصريح لـ“العرب” أن “محطة الزارات واحدة من 3 محطات كبرى لتحلية مياه البحر، رغم التكلفة الباهظة، لكن هذه حلول واقعية للتعامل مع أزمة نقص المياه”.

ودعا الهنتاتي وزارة الزراعة ومن ورائها الحكومة إلى “ضرورة بذل نفس الجهود لاستغلال مياه الأمطار”. وتعاني مختلف المناطق التونسية من معضلة الانقطاع المتكرر لمياه الشرب في وقت تتزايد فيه درجات الحرارة مقابل تراجع نسب المياه في السدود، وسط تحذيرات الخبراء من إهدار الماء لتجنّب تهديدات العطش.

وتعود الانقطاعات المتواترة للمياه إلى مشاكل هيكلية تتعلق بالبنية التحتية المتقادمة لقنوات نقل الماء التابعة للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (صوناد)، وعدم توزيع الماء حسب أولوية القطاعات الاجتماعية والزراعية والصناعية.

وتُصنّف تونس ضمن البلدان الفقيرة مائيا نتيجة الجفاف وزيادة الاستهلاك والتغيرات المناخية، ما يجعل من الكميات المجمعة في السدود الضمانة المتوفرة لتدارك العطش.

وتحتل تونس المرتبة الـ30 عالميا من حيث ندرة المياه، حيث تبلغ حصة الفرد 420 مترا مكعبا سنويا، وشهدت البلاد سنوات متتالية من الجفاف. وفي أبريل 2023، أصدرت وزارة الزراعة التونسية قرارا يقضي بالحد من استعمال المياه الصالحة للشرب لأغراض زراعية وريّ المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسيل السيارات، وباعتماد نظام الحصص لتوزيع المياه على السكان، وأعادت القرار إلى تواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات بالسدود، مما انعكس سلبا على مخزونها المائي الذي بلغ مستوى غير مسبوق.

وتشهد الموارد المائية في تونس منذ سنوات استنزافا كبيرا بسبب قلة التساقطات والإفراط في استغلال المياه، ولهذا السبب يؤكد المسؤولون أنه أصبح من الضروري وقف نزيف الموارد المائية عبر إعلان حالة الطوارئ المائية.

العرب