خسارة إيرانية واضحة في انتخابات كردستان

خسارة إيرانية واضحة في انتخابات كردستان

أربيل (كردستان العراق) – فشلت خطط إيران وحلفائها ببغداد في التأثير على الانتخابات التي جرت في إقليم كردستان العراق من خلال دعم حزب الاتحاد الوطني والسعي لتقليص عدد مقاعد الحزب الديمقراطي الكردستاني في برلمان الإقليم. وتأتي خسارة إيران في الرهان على تثبيت نفوذها في إقليم كردستان العراق ضمن سياق إقليمي يتسم بتراجع الدور الإيراني.

وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق خلال مؤتمر صحفي الاثنين أن الحزب الديمقراطي الكردستاني تصدر الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان العراق بحصوله على 809197 صوتا، متقدما بفارق كبير على الاتحاد الوطني الذي حصل على 408141 صوتا، ما يظهر أن الحزب الديمقراطي حافظ على ريادته المعهودة، وأن الاتحاد لم يحقق ما كان يخطط له مسنودا من طهران وبغداد.

وجاءت نتائج الانتخابات بما يتوافق مع ما اعتبره الحزب الديمقراطي تتويجا لسلسلة إنجازات مهمة حققتها حكومة مسرور بارزاني في الإقليم. وراهن الإيرانيون على تقوية حظوظ حزب الاتحاد الوطني، وهو حليف قديم، وسط تسريبات تفيد بوقوع دعم سخي مكّن الحزب من تأمين حصول قوات البيشمركة التابعة له على رواتبها بشكل منتظم.

ودفعت طهران حلفاءها في بغداد إلى التحرك من أجل تأمين سيطرة الاتحاد الوطني على البرلمان لتغيير نظام الحكم أو على الأقل إحداث توازن في النتائج مع الحزب الديمقراطي، الذي لم يقبل بالتحرك تحت المظلة الإيرانية. لكن الأكراد، بمن فيهم سكان المنطقة المحاذية لإيران التي يسيطر عليها الاتحاد، اختاروا الحزب الديمقراطي المعتدل الأقرب إلى الغرب والقادر على موازنة مصالح الإقليم مع إيران ومع أحزابها وميليشياتها الحاكمة في بغداد.

وكان فوز الاتحاد سيعني آليا وضع الإقليم تحت نفوذ إيران وتقوية الحكومة المركزية التي سحبت من الإقليم عناصر قوته، أي تصدير النفط والتصرف في عائداته، ووضعت الأكراد تحت الضغط من خلال التحكم في ورقة رواتب الموظفين وقوات البيشمركة. وفي السليمانية، التي يسيطر عليها حزب الاتحاد، أثار قرار السلطات إجبار مسلحي الأحزاب الكردية المعارضة لإيران وكوادرها على إخلاء جميع مقارهم قسرا في جنوبي السليمانية ونزع أسلحتهم، غضب الأكراد.

ويعتقد متابعون للشأن الكردي أن هذا المعطى، الذي كان تنفيذا لضغوط إيرانية، كان مؤثرا في التصويت ضد الاتحاد ودعم خصمه الديمقراطي أو إعطاء الثقة لأحزاب أخرى. وجعل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني من تغيير مسار الحكم في إقليم كردستان العراق عنوانا رئيسيا لحملته الانتخابية، مسنودا بوعود الدعم الإيرانية.

وقال قوباد طالباني القيادي في الحزب إنّ الاتحاد استطاع خلال السنوات الثلاث الماضية، بقيادة رئيسه بافل طالباني، إعادة تنظيم نفسه كي يتمكن بشكل فعّال من إحداث التغيير في نمط الحكم في إقليم كردستان. وساعدت أحزاب إيران في بغداد الاتحاد الوطني في الحصول على منصب محافظ كركوك، المحافظة الإستراتيجية التي كانت دائما محور صراع طائفي وعرقي، وتم ذلك في غياب ممثلي الحزب الديمقراطي والتركمان وبعض الأعضاء العرب.

ولم يخف مسؤولون في الحزب الديمقراطي تخوفهم من أن ما تمّ إقراره من تعديلات قانونية وإجرائية على انتخابات الإقليم جاء صدى لعلاقات قيادة حزب طالباني مع الميليشيات المرتبطة بإيران، والتي لها نفوذ كبير داخل مؤسسات الدولة الاتحادية بما في ذلك مؤسسة القضاء.

وبعد إعلان النتائج الأولية لانتخابات الأحد دعا رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني إلى تشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على تعزيز الاستقرار وبناء اقتصاد أقوى، في خطوة تهدف إلى ربح الوقت وعدم ترك الفرصة لأي فراغ يمكن أن تستثمره إيران وأذرعها لإرباك المشهد السياسي الكردي.

وشدد بارزاني، في بيان صحفي، على تشكيل حكومة تعمل كذلك على “تحقيق المزيد من الحقوق وهو ما يعد ضرورة ملحة وأولوية في هذه المرحلة لمواجهة التحديات الحالية وبناء مستقبلنا المشترك، وتحقيق ذلك يتطلب التمتع بروح التلاحم والتضامن والتعاون بين جميع الأطراف السياسية والمكونات”.

ولاقى موقف رئيس إقليم كردستان دعما من الولايات المتحدة. وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل إن واشنطن تحث الأحزاب السياسية في كردستان العراق على الانخراط في حوار لتشكيل حكومة مستقرة سريعا. وأضاف باتيل في إفادة صحفية “ما رأيناه هو إقبال مكثف على التصويت وانتخابات جرت دون حوادث أمنية كبيرة”. وأثارت النتائج الأولية للانتخابات انتقاد بعض الأطراف والكيانات السياسية، في ظل ما اعتبرته ارتفاعا بشكل غير متوقع لأصوات الحزبين الرئيسيين.

◙ الأكراد، بمن فيهم سكان المنطقة المحاذية لإيران التي يسيطر عليها الاتحاد، اختاروا الحزب الديمقراطي المعتدل وصاحب المشروع

وتقول كيانات مثل جبهة الشعب وتيار الموقف وجماعة العدل الكردستانية إنها ستتخذ كل الإجراءات للاعتراض على النتائج. وأكد علي حمه صالح، رئيس تيار الموقف المنشق عن حركة التغيير، في مؤتمر صحفي أن نتائج الانتخابات تم قلبها لصالح أطراف سياسية، مشيرا إلى أن نتائج بعض المراكز أثارت مشكلات اجتماعية بين بعض العائلات والأزواج وصلت إلى حد استخدام القسم، وذلك لأن عدد الأصوات يتعارض مع النتائج المعلنة، ما يثبت عدم نزاهة عملية الانتخاب وفقدانها الشفافية.

وكشف صالح أنه كرئيس لقائمة تيار الموقف حصل على أكثر من 50 ألف صوت في دائرة السليمانية وحدها لكن بحسب النتائج حصل على 16 ألف صوت فقط. وصوّت أكثر من مليونَي ناخب من أصل نحو 2.9 مليون مسجّلين للاقتراع في الدوائر الأربع في انتخابات الإقليم، وفق المفوضية، لانتخاب مئة عضو في البرلمان، ما لا يقلّ عن 30 في المئة منهم نساء.

وقال رئيس مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عمر أحمد الاثنين، ضمن مؤتمر صحفي في بغداد، إن “نسبة التصويت في الاقتراعين العام والخاص بلغت 72 في المئة (…) والنتائج تشكّل نسبة 99.63 في المئة من النتائج الكلية للمحطات”.

وجرت الجمعة المرحلة الأولى من الاقتراع المعروفة بـ”التصويت الخاص” للقوات الأمنية، والتي صوّت فيها أكثر من 208 آلاف ناخب بنسبة مشاركة بلغت 97 في المئة، وفق المفوضية. وجرت المرحلة الثانية المعروفة باسم “التصويت العام” الأحد.

وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني يتمتع في البرلمان المنتهية ولايته بغالبية نسبية مع 45 مقعدا وقد أقام تحالفات مع نواب انتُخبوا بموجب نظام حصص مخصصة للأقليتين المسيحية والتركمانية، فيما شغل الاتحاد الوطني الكردستاني 21 مقعدا. أمّا حراك “الجيل الجديد” فقد كان يشغل ثمانية مقاعد فقط. وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2018 نحو 59 في المئة، بحسب الموقع الرسمي للبرلمان الكردي.

وخسرت طهران قوة أبرز أذرعها في المنطقة، وذلك في ظل ضرب إسرائيل حماس وحزب الله وتفكيك قدراتهما العسكرية وتصفية أبرز قياداتهما، واستهداف الوجود الإيراني في سوريا بشكل قاد إلى مقتل قيادات بارزة من الحرس الثوري مثلما حصل في الهجوم على مقر قنصلية طهران في دمشق. ويتعرض الحوثيون باستمرار لضربات أميركية كان آخرها عن طريق قاذفات بي 2 التي استهدفت مخازن أسلحة تحت الأرض.

العربية