عاودت إسرائيل مرة أخرى ضمن سلسلة الفعاليات العسكرية المتبادلة في القصف الجوي بينها وبين إيران، فقامت فجر يوم السادس والعشرين من تشرين الأول 2024 بتوجيه عدة ضربات جوية على أهداف عسكرية في مدن طهران وعيلام والاهواز ومصانع لإنتاج الصواريخ الباليستية ومواقع لصواريخ أرض جو و طائرات مسيرة .
جاء الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية في الأول من تشرين الأول 2024 ليعطي دلالة ميدانية على ابقاء حالة الرد المقابل والحفاظ على التوازن الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وتحديد الأهداف والغايات الإسرائيلية التي انتهت إليها عملية الرد بعبارة (إسرائيل تتمتع بحرية عمل أوسع في الأجواء الإيرانية)، حيث الشمولية الجغرافية التي اتسمت بها أدوات الردع الإسرائيلي إضافة إلى طبيعة الأماكن التي استهدفتها والمواقع العسكرية التي أصابها الطائرات المقاتلة.
ورغم المعلومات الاستباقية التي حصلت عليها إيران من قبل القيادة العسكرية الروسية عبر المعلومات الاستخبارية والمراقبة الجوية ورصد الأقمار الاصطناعية ووجود منظومات الدفاعات الروسية التي زودت بها طهران مع أجهزة فنية التشويش، إلا أن الرد الإسرائيلي أصاب أهدافه في العمق الإيراني.
جاء الرد الإسرائيلي بالاتفاق مع الإدارة الأمريكية وحقق مبتغاه في الالتزام بمحددات الأهداف وعدم التوسع في استهداف المنشأت النفطية والمواقع النووية وهذه كانت إحدى النقاط الرئيسية التي سعت إليها إدارة الرئيس جو بايدن ونفذت بدقة، وحققت غايتها في عدم الانجرار إلى مواجهة إقليمية واسعة والانتخابات الرئاسية الأميركية على الأبواب.
ليس واضحًا ما قد يكون عليه شكل الرد الإيراني، ولكن الثابت أن إيران هي من سيقرر شكل المرحلة القادمة نحو التصعيد أو ممارسة دبلوماسية جديدة تتلائم معطيات السياسية الأمريكية في المنطقة بتوفير بيئة أمنة تخدم مصالحها وتوجهاتها الاستراتيجية.
الأهداف الإيرانية تنحصر في سياسية قبضة النظام والسعي لعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية والسعي لاتفاق نووي جديد يتعلق ببرنامجها النووي ورفع العقوبات الاقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة وإعادة تأثيرها ودورها الإقليمي، وهذا مادعى إليه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في جولاته التي شملت بعض عواصم الأقطار العربية وأنقرة، وإمام هذه المعطيات فإن الرد الإيراني ورغم التهديدات التي أطلقها الايرانيون إلا أن ذلك قد لا يتم خفاظًا على تحقيق أهدافها ودعم إدارة الحزب الديمقراطي الأمريكي في انتخابات الرئاسة القادمة الذي تتوق لفوزه لتستمر في علاقتها مع إدارته.
أن معطيات الواقع الإيراني تؤكد اختفاء مؤسسات الحرس الثوري الإيراني التي تمثل المفهوم الثوري للمؤسسة الدينية وراء مؤسسات الدولة التي بدأت سياسية الرئيس مسعود بزشكيان تمثلها في التصالح مع الأمريكان واعتبارهم إخوة، وقيام خطباء الجمعة في إيران ومدنها بالحديث عن أوضاع الشعوب الإيرانية والابتعاد عن أي حالة عداء مع دول العالم وعدم استهدافها عبر قضايا تهم منطقة الشرق الأوسط وخاصة القضية الفلسطينية.
ستكون منطقة الشرق الأوسط أمام منعطفات ميدانية جديدة وأفاق مستقبلية لمتغيرات سياسية ووضوح في ميزان القوى وأدوات الردع وصيغ الاشتباك بين جميع الأطراف، بما ينعكس على طبيعة الأحداث القائمة في الأراضي الفلسطينية والجنوب اللبناني.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة