سمات الدولة الراعية لحقوق أبناء شعبها أنها تمتلك القدرة على التفاعل اليومي مع قضاياهم وهمومهم وتدافع عن إرادتهم وتحافظ على حقوقهم وتسعى الى تثبيت أسس الاستقلال السياسي والاقتصادي ليكونا عنوانًا لمفهوم السيادة الوطنية وتحقيق الأمن القومي والوطني والمحافظة على أسس الأمن الاجتماعي للأفراد والمؤسسات التابعة لتلك البلدان.
وأمام هذه الرؤية التي تتسم بمعيار الارادة الإنسانية والحفاظ على مستلزمات العدالة المجتمعية وحقوق الإنسان، يأتي توجيه السيد رئيس مجلس القضاء العراقي الدكتور القاضي فائق زيدان في الجلسة الحادية عشر لاجتماعات المجلس بضرورة مراعاة احترام المواطن العراقي وتعزيز روح الانتماء لبلده، حتى وإن كان مخطئًا أو تسبب في أحداث أضرار تتعلق بمسارات الحياة في بلده، وهذه الوقفة الإنسانية الوجدانية تضمنها فقرة مهمة تتعلق بعدم ( إحضار المطلوبين للقضاء في دور التحقيق بملابس السجون الخاصة بالمحكومين، لأن المتهم برئ حتى تثبت ادانته ولا يجوز اجباره قبل ذلك على ارتداء الملابس الخاصة بالمحكومين).
يمثل هذا التوجيه انعطافة كبيرة في أسس ومرتكزات الحالة المجتمعية التي تؤكد على ثوابت ومبادئ حقوق الإنسان واحترام ارادته وفكره وعقيدته، واعتماد الصيغ الميدانية الصحيحة في التعامل واعتماد أصول التحقيق الجنائي مع أي متهم دون الإساءة اليه أو المساس بكرامته أو الاعتداء على ذاته، وهو ما يتوافق مع الشرائع الدينية والقوانين الوضعية المدنية المتعلقة بأصول المحاكم الجزائية الجنائية والتي تعتمد نتائج التحقيق وما يتضمنه من اعترافات دقيقة ميدانية ودون اكراه أو تعسف وتعنيف.
أن من أولويات ومبادئ التحقيق التعامل مع أي مواطن على أنه برئ حتى تثبت الأدلة والقرائن والحقائق والثوابت الفنية المتقدمة في علم التحقيق على ادانته وتثبيت الإجراءات القانونية بحق وعرضه بعد ذلك على القضاء، ولا يجوز للقائم على التحقيق المساس بحياة وكرامة المواطن أثناء جلسات التحقيق وإجباره على تدوين أقواله بعيداً عن الحقائق وصدق الأفعال.
وجاء توجيه مجلس القضاء العراق بعدم إحضار المطلوب قضائيًا بملابس المحكومين ليعطي دلالة قطعية على احترام حرية الإنسان وحقوقه المدنية ومكانته المجتمعية، والذي يتوافق مع الموقف العام الذي يتمسك به القضاء العراقي في تنفيذ ما جاءت به القوانين وما دونه المشرع القانوني العراقي في المادة (19) خامسًا من الدستور العراقي سنة 2005، والذي توافق مع المادة العاشرة من مبادئ حقوق الإنسان الذي اقرته منظمة الأمم المتحدة سنة 1948.
إن تحقيق العدالة الاجتماعية في مبادئها وأصولها واحترام الإنسان وتعزيز مكانته واعتماد الإصلاح أداة مجتمعية في بناء الإنسان وتمكينه من العودة إلى رشده وعقله لبناء أسرته والتفاعل مع مجتمعه، هي من الأسس الرصينة التي يعتمدها القائمين على مجلس القضاء العراقي.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية