بعد سوريا: هل يصبح العراق منتج ومصدر للكبتاجون؟

بعد سوريا: هل يصبح العراق منتج ومصدر للكبتاجون؟

ما سقط في الثامن كانون الأول/ديسمبر الحالي، ليس مجرد نظام سياسي قمعي حوّل الدولة السورية طيلة الخمس العقود الماضية إلى معتقل كبير للشعب السوري، وإنما الذي سقط أيضًا نظام سياسي اتخذ من الجريمة المنظمة، تجارة حبوب الهلوسة ” كبتاجون” في السنوات الأخيرة وسيلة لتنويع إيراداته المالية.

وبحسب التقارير الدولية كانت هذه التجارة التي تدر مليارات الدولار في السنة تدار من قبل شقيق الرئيس بشار الأسد، ماهر الأسد،  قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري، وبحسب تلك التقارير أيضًا أن بشار الأسد اعتمد على هذه التجارة غير أخلاقية كوسيلة سياسية ” قذرة” لإجبار دول الخليج العربي لإعادته إلى منظومة العمل العربي، وعلى الرغم من إعادته في مؤتمر القمة في الرياض إلا استمر في تلك التجارة.

 وبحسب البنك الدولي، أصبحت تلك التجارة ركن أساسي في النظام السياسي السوري، من حيث الإنتاج والتصدير للعالم  وخاصة لدول الخليج العربي. وفي هذا السياق تشير البيانات الحكومية البريطانية إلى أن سوريا تنتج قرابة 80% من الإنتاج العالمي من حبوب الهلوسة “الكبتاغون”. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل يمثل سقوط النظام السوري الراعي الرسمي لتجارة الكبتاجون بداية النهاية لتاك التجارة؟ أم أن رعايتها ستنتقل إلى طرف آخر ؟

 كان الاحتلال الأمريكي للعراق في 9 نيسان/إبريل عام 2003، سببًا مباشرًا في تفاقم تجارة المخدرات فيه، فالانفلات الأمني الذي شهده بعد ذلك التاريخ، وضعف أداء الحكومات العراقية المتعاقبة، أدى إلى اتساع هذه التجارة ووصولها إلى حدود غير مسبوقة ومقبول بعد إن كان مجرد دولة ممر قبل الإحتلال. وتُعتبر مواد الكريستال والكبتاغون والحشيش والهيرويين والأفيون من أكثر المواد المخدرة انتشاراً في العراق، وتأتي ومواد مخدرة أخرى غيرها عبر طرق مختلفة برية وجوية وبحرية.

في أيار/ مايو، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أن حكومته ستتعامل مع قضايا المخدرات على أنها “تهديد إرهابي”، مشيرا إلى أنها “وضعت إستراتيجية وطنية مكثفة لمكافحة المخدرات للسنوات 2023-2025 ضمن خطة موسعة نحو عراق خال من المخدرات”.

وفي أيار/ مايو الفائت أيضًا، أعلنت وزارة الداخلية ضبط معمل لصناعة المواد المخدرة خلال عملية أمنية خارج حدود محافظة السليمانية. وفي سابقة تاريخة من نوعها، وفي تموز/ يوليو من العام الفائت، أعلنت الحكومة العراقية، أنها ضبطت مصنعا لإنتاج الكبتاغون بمحافظة المثنىجنوبي الدولة العراقية، والمتمعن لخارطة العراق يدرك أن اختيار موقع المصنع لم يكن اعتباطيًا وإنما مدروس بعناية، فالمثنى من المحافظات العراقية المحاذية للمملكة العربية السعودية. فربما يعود هذا المصنع لبعض الفصائل المسلحة الحليفة لإيران. ومن المفيد الإشارة  إلى دور وزير الداخلية العراقي عبدالأمير الشمري في ضرب هذه التجارة غير أخلاقية، فالوزير يدرك مخاطر هذه التجارة على حاضر ومستقبل العراق.

 ومن أجل مكافحة المخدرات عربيًا وإقليميًا، استضاف العراق في تموز / يوليو الفائت، مؤتمرًا شارك فيه وزراء ومسؤولون من دول إقليمية وعربية بهدف تعزيز التعاون المشترك في مجال مكافحة المخدرات. وفي المؤتمر عبّر رئيس الحكومة العراقية محمّد شياع السوداني عن موقف العراق الرسمي من المخدرات بالقول: إن “العراقَ مُنفتحٌ على كلِّ تعاونٍ أو جهدٍ مع الأشقاءِ والأصدقاء” لمواجهة ما وصفه بـ”جريمة عابرة للحدود”.

وقبل أقل من شهرين من سقوط نظام السوري نظام الجريمة المنظمة، أعلنت قوات الأمن العراقية، ضبط أكثر من نصف مليون حبة كبتاغون في محافظة الأنبار المحاذية لسوريا وفي نفس الوقت محاذية للمملكة العربية السعودية. وبحسب تقرير نشرته الأمم المتحدة في تموز/ يوليو بأن الحكومة العراقية صادرت خلال عام 2023م، كميات قياسية من حبوب الكبتاغون بلغت “24 مليون قرص” قد تصل قيمتها إلى 144 مليون دولار.

كما حذر التقرير من أن  العراق معرض لأن يصبح محورًا متزايد الأهمية بالنسبة لمنظومة الجريمة الجريمة المنظمة كتهريب المخدرات عبر الشرق الأوسط والأدنى، حيث يقع العراق في وسط بيئة جغرافية تعد حلقة وصل عالمية ومعقدة لتهريب المخدرات. وأورد التقرير أن العراق شهد “طفرة هائلة في الاتجار بالمخدرات واستهلاكها خلال السنوات الخمس الماضية”، لا سيما حبوب الكبتاغون المخدرة والميثامفيتامين.

سواء كان العراق دولة ممر أو إنتاج وتصدير، فإن نتائج ذلك ستكون وخيمة على العراق قإذا كان دولة ممر فإن ذلك يمثل تهديدًا خطيرًا على سلم العراق المجتمعي، فتعاطي المخدرات قد بقتح الباب على مصراعية على كافة الجرائم كالسرقة والقتل وغيرها من الجرائم ناهيك عن الأمراض النفسية والعصبية والعقلية والسلوكية والبدنية التي تسببها للمتعاطين.

 وبعد سقوط النظام السوري ” الذي يعد ركن أساسي في محور تجارة المخدرات”، قد يستغل بعض الفاعلين ظروف العراق الأمنية ليحوله إلى دولة إنتاج وتصدير بعد إن كان دولة عبور، وهذا يعني أن العراق سيبصح مصدر تهديد أمني لدول الجوار الإقليمي، وبهذا يهدم الفاعلون غير رسميون في العراق، جهود الحكومة العراقية في إعادة بناء جسور الثقة مع دول الجوار العربي والإقليمي والدولي. فعلى صانع القرار السياسي في العراق أن يكون يقظًا ولا يسمح أن يتحول العراق إلى منتج ومصدر للمخدرات. فهذه الآفة التي تسعى إلى تدمير المجتمع العراقي لا تقل أهمية مواجهتها عن مواجهة التطرف والإرهاب، وهي حرب لا تقل أهميتها أيضَا عن الحروب العسكرية التقليدية.

وحدة الدراسات العراقية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية