تركيا … لماذا الإسراع في إبرام اتفاق بحري مع سوريا؟

تركيا … لماذا الإسراع في إبرام اتفاق بحري مع سوريا؟

معمر فيصل خولي

لم يمض سوى أيام على سقوط النظام السوري، حتى صرّح وزير النقل والبنية التحتية عبدالقادر أوروال أوغلو بالآتي: :” إن بلاده تعتزم بدء مفاوضات مع سوريا لترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط”. لا ضرر في هذا التصريح، إذ من حق الدولة التركية أن تبحث عن مصالحها في البحر المتوسط، لكن توقيت تصريح والدخول في مفاوضات، أمر سابق لأوانه، فالتوقيت قد يكون ملائم لتركيا لكنه ليس بالضرورة أن يكون ملائمًا لسوريا نظرًا للظروف التي تعيشها في الوقت الراهن.

فهي أي سوريا، تمر بأصعب المراحل التي يمكن تشهدها أي دولة في الجماعة الدولية، وهي مرحلة الانتقال، بعد عقود من نظام سياسي ديكتاتوري إلى نظام سياسي آخر يمثل كل أبناء سوريا دون تهميش أو إقصاء، نظام سياسي يليق بأربعة عشر عامًا من التضحيات الجسام للوصول إلى الحرية والكرامة، أربعة عشر عامًا تركت تأثيراتها على بنية الدولة والنسيج الإجتماعي.

فسوريا اليوم، في مرحلتها الانتقالية تدار أو تحكم من قبل ما يسمى في الأدبيات السياسية “شرعية الثورة” وهي أشبه بحكومة تسيير أعمال. من أهم مهامها توفير الأمن للمواطنين، وتوفير الاحتياجات الرئيسية لهم، وتشغيل القطاعات الحيوية، وكسب ثقة الجماعة الدولية، لتشجيعها على إعادة فتح بعثاتها الدبلوماسية في دمشق، وفي حال تم ذلك، فإن هذا يعني أن المرحلة الانتقالية في سوريا حظيت بالقبول الدولي.

 ومن مهامها أيضًا تشكيل لجنة دستورية تتكون من خبراء قانونيين ودستوريين لصياغة دستور جديد، وحسب المتعارف عليه، فإن صياغته ليس بالأمر السهل أو اليسير فقد يستغرق وقتًا لبلورته. دستور من مهامه أن يحدد وظائف السلطات الدستورية ” التشريعية والتنفيذية والقضائية” في النظام السياسي القادم. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل سيعتمد الدستور على نظام رئاسي نيابي كالنظام المتبع في جمهورية الهند، أم نظام رئاسي كما هو موجود في الولايات المتحدة الأمريكية، أم نظام شبه رئاسي كالنظام الفرنسي؟. هذا الأمر يحدده السوريون فيما بينهم.

 وبعد ذلك يطرح الدستور للاستفتاء الشعبي لكي يحظى بالشرعية الشعبية، وإذا حظي بها، تذهب سوريا إلى إجراء انتخابات حسب وصفها الدستوري، لاختيار أعضاء السلطة التنفيذية والتشريعية، وبهذه الانتخابات وقبولها من قبل الشعب السوري، تنتقل سوريا من شرعية الثورة إلى شرعية النظام السياسي الجديد في الدولة السورية الذي يقع على عاتقه إعادة بناؤها.

بهذه لمحة الموجزة، تعد المهام الداخلية هي الأهم لمن يقود المرحلة الانتقالية في سوريا، لذلك من الصعوبة بمكان، وهي تمر بهذه المرحلة، وتدار من قبل حكومة تسيير أعمال وفراغ تشريعي، أن تدخل في مفاوضات إقليمية، لكون هذه المفاوضات ليس من اختصاصها، وإنما من اختصاص حكومة لديها الصلاحيات الدستورية. وهذا الأمر، لا ينطبق على حكومة المرحلة الانتقالية، كونها حكومة تصريف الأعمال في سوريا. لذلك عليها أن تجنب نفسها وأن تجنب الشعب السوري الدخول في أي معاهدات إقليمية أو دولية من شأنها أن ترتب عليها -في المستقبل- التزامات قانونية، قبل أن يدشن نظام سياسي جديد في سوريا، من مهامه إبرام المعاهدات، وعلى تركيا أيضًا أن تتهمل في شأن إبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، كي لا يساء فهمها.

 سوريا، وهي تعيش المرحلة الانتقالية بما فيها من تحديات شاقة، فمما لاشك فيه، فهي بهذه المرحلة ليس بحاجة إلى تلك المعاهدات في الوقت الراهن، بقدر حاجتها ماسة والملحة إلى التعافي السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي من نظام سياسي عمل خلال عقود من الزمن على تدمير الدولة والمجتمع السوري،  وأن تطوي آخر صفحة من صفحات الطغيان في تاريخ سوريا المعاصر. فهي مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية