مناورات إيرانية ونوافذ إسرائيلية للرد

مناورات إيرانية ونوافذ إسرائيلية للرد

اياد العناز 

اخذت الأحداث السياسية والوقائع الميدانية دورها من جديد في تصعيد حالة المواجهة المتوقعة مع إسرائيل وإيران، عبر العديد من التوجهات التي يعمل عليها الطرفان، في حين تعمل الدول والجهات الإقليمية على محاولة فك حالة الاشتباك ومنع حدوث أي عملية عسكرية أو مواجهة محتملة في الإقليم.
ويمكن قراءة التحولات الإيرانية والإجراءات العسكرية التي اقدمت عليها القيادة العسكرية للحرس الثوري الإيراني في إجراء مناورات عسكرية في شهر كانون الأول 2025، ضمن سلسلة نشاطات وفعاليات لقوة الجو-فضاء التابعة للحرس الثوري، والتي كانت محل رصد ومراقبة من قبل الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية والغربية التي رأت فيها أنها تشكل مرحلة متقدمة في رفع مستوى الأنشطة العسكرية الإيرانية.
واجريت المناورات العسكرية الصاروخية في المياه الخليجية عند مضيق هرمز وبحر عُمان، وأشارت وسائل إعلامية إيرانية عن مسؤولين في الحرس أن (أنظمة الدفاع الجوي البحري فُعّلت في ظروف حرب إلكترونية) خلال هذه المناورة، تحسبًا لأي هجمات عسكرية وتحديد إجراءات فاعلة للتصدي لأي تهديدات خارجية محتملة، وتمت المناورات باستخدام صواريخ باليستية وصواريخ كروز على أهداف وهمية.
وتم مشاهدة عملية إطلاق الصواريخ في عدة مدن هي ( خرم آباد) مركز محافظة لرستان، ومهاباد بمحافظة كردستان الغربية، وأصفهان، ومشهد بمركز محافظة خراسان شمال شرقي إيران، إضافة إلى العاصمة (طهران)، وهي مناطق تضم قواعد صاروخية سبق وأن تعرضت لضربات إسرائيلية في الثالث عشر من حزيران 2025.، وحسب ما أعلنته وكالة فارس للأنباء.
وأكدت الإجراءات العسكرية، وزارة الخارجية الإيرانية التي أشارت إلى ( أن الصواريخ التي تصممها إيران هدفها الدفاع عن النفس وردع أي هجوم، وأن البرنامج الصاروخي ليس محل تفاوض)، وهو رد واضح وصريح على ما تضمنته الشروط الأمريكية في العودة للمفاوضات مع إيران بخصوص برنامجها النووي وتوضيح مصير المواد النووية المخصبة بنسبة 60٪ مع وقف التخصيب داخل الأراضي الإيرانية.
عملت الدوائر الاستخبارية الإسرائيلية على إعطاء أهمية بالغة للتحركات الإيرانية ورصد نشاطاتها وتحديد إمكانية قيامها بأي فعالية عسكرية ضمن الإقليم، في محاولة منها لتعزيز الاستعدادات الإسرائيلية في مواجهة أي ظرف عسكري أو مواجهة قادمة مع إيران، وجاء تعليق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على المناورات الإيرانية بالقول (نعلم أن إيران تجري مناورات عسكرية ونراقب الأمر، وأن أي عمل عدائي من إيران سيكون الرد عليه قاسيًا للغاية).
ستكون من أولى القضايا التي سيناقشها بنيامين نتنياهو في زيارته العاصمة الأمريكية (واشنطن) في التاسع والعشرين من كانون الأول 2025 ولقائه مع الرئيس دونالد ترامب، هي الاستعدادات الإيرانية والمناورات العسكرية الصاروخية والإجراءات الميدانية التي قامت بها إيران وأعلنت عنها خلال هذا الشهر، وتحديد مسارات متفق عليها في كيفية الرد على أي محاولات إيرانية أو القيام بحملة عسكرية إسرائيلية استباقية ضد التوجهات الإيرانية.
وردًا على التصريحات والتوقعات الإسرائيلية كان حديث قائد الجيش الإيراني ( أمير حاتمي) واضح ودقيق بإعلانه (أن القوات المسلحة الإيرانية رفعت مستوى جاهزيتها تحسبًا لأي تهديد محتمل، وأن الجيش يراقب جميع تحركات العدو، وأن أي شرارة عدائية ستواجه برد قاطع).
تصاعد وتيرة الأحداث تعطي صورة واقعية لمجمل القادم من الايام، باحتمالات للعودة لضربات جوية إسرائيلية نحو العمق الإيراني واستهداف جميع الدفاعات الجوية والأنشطة المتعلقة ببرنامج الصواريخ البالستية وجميع الفاعليات التي تبحث عن إعادة تطوير البرنامج النووي الإيراني، في وقت يعاني فيه المجتمع الإيراني من أزمات اجتماعية كبيرة واقتصادية بالغة ترهق كاهله بل تتعدى ذلك إلى ما تخشاه الأجهزة الأمنية من عودة الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية في معظم المدن الرئيسية الإيرانية، بسبب الخوف الذي بدأ يستقر في نفوس المواطنين الإيرانيين وخشيتهم من المستقبل الذي ينتظرهم، بعد أن أصبحت نافذة المواجهة العسكرية مفتوحة مع غلق جميع النوافذ الأخرى التي تعمل على إمكانية رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عن إيران، مع تصاعد المواقف الأمريكية باعتماد الحلول العسكرية واستخدام القوة في حالة تعثر مسار الحوار السياسي والإجراء الدبلوماسي مع القيادة الإيرانية، وأن الاهداف الأمريكية ستكون معلنة عبر تحديد أهداف معينة ومهمة تحمي المصالح والأهداف الأمريكية في منطقة الخليج العربي وأمور تتعلق بحماية حرية الملاحة في مضيق هرمز ومنع أي إجراءات إيرانية لغلق المضيق والتأثير على حركة التجارة العالمية وتصدير الطاقة والملاحة الدولية فيه.
ويبقى الاهتمام الإيراني قائم على ثوابت استراتيجية يتعلق بالعقيدة السياسية التي تتمسك بها دوائر الحكم الإيراني في الحفاظ على بقائها، واستخدام الأسلوب البراغماتي في الدفع باتجاه ما يمكن تحقيقه من تنازلات سياسية تمنع عملية سقوط النظام، بعد أن رأت ما أحدثته المواجهة الأخيرة في حزيران 2025، والنتائج التي أدت إليها واجهاضها لمعظم الإمكانيات الايرانية ومنها الاعتماد على حلفائها ووكلائها في المنطقة، ولهذا فهي تحاول منع الحرب الشاملة والمواجهة المباشرة، وأن ما تقوم به من مناورات صاروخية وإجراءات عسكرية يآتي في سياق الحفاظ على ديمومة الجبهة الداخلية وتطمين مؤيدها وووكلائها واظهار قوتها في محاولة للردع مماثل،وأنها لا زالت متمسكة ببرامجها وأنشطتها النووية ولا يمكن لها أن تستغني عن أخر ورقة لها في أي مفاوضات قادمة.
ولكن، ستبقى التساؤلات والمحاولات الإسرائيلية عن مدى تأثير إعادة ترميم البرنامج النووي الإيراني والسياسات والتوجهات الإيرانية في الإقليم قائمة ، والتي تثير اهتمام الدوائر العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية التي تجعلها في حالة استمرار في المتابعة والمراقبة وإعطاء أهمية بالغة لأي تحركات آنية أو مستقبلية من قبل القيادة الإيرانية، وتجعل أي احتمالية لعملية عسكرية قائمة بل مستمرة.