رُفعت العقوبات المفروضة على إيران أخيراً، ووصلت لحظة التغيير. ووصف الرئيس أوباما هذا الحدث بأنه “فرصة فريدة من نوعها، ونافذة لمحاولة حل قضايا مهمة”. وقال الدبلوماسي السابق البارز، نيكولاس بيرنز، إننا نقف أمام “نقطة تحول محتملة في التاريخ الحديث للشرق الأوسط”. وكان الرجلان على حق بطبيعة الحال. فالدبلوماسية الشرق أوسطية ستتغير الآن، للأفضل أو للأسوأ، وإلى الأبد.
لكن علينا أن نكون حذرين للغاية من أي شخص يمكن أن يزعم أي شيء أكثر من ذلك، وأن نتوخى الحذر بالتأكيد من أي شخص يدعي شيئاً أكثر من ذلك أيضاً فيما يتعلق بإيران نفسها. إن الرئيس حسن روحاني ليس ميخائيل غورباتشوف، وهذه ليست لحظة البيريسترويكا. وإيران لا تصبح “منفتحة” ولا “أكثر غربية” أو أكثر ليبرالية بأي شكل من الأشكال. ربما أصبح وزير الخارجية الإيراني يرفع سماعة الهاتف الآن ويرد عندما يتصل جون كيري. وبخلاف ذلك، لم تتغير طبيعة النظام الإيراني على الإطلاق.
بل إن الأمر على العكس من ذلك. فقد ارتفع مستوى القمع داخل البلاد منذ انتخاب الرئيس “المعتدل” روحاني في العام 2013. وارتفع عدد أحكام الإعدام، حيث نفذت إيران في العام 2014 عدداً من الإعدامات أكثر في أي مكان في العالم -باستثناء الصين. وفي العام الماضي، ربما يكون عدد الإعدامات قد تجاوز الألف. ويعود هذا جزئياً إلى أن رئيس المحكمة العليا الايرانية يتباهى بالقضاء على (أي ممارسة القتل الجماعي بحق) مرتكبي جرائم المخدرات، والكثير منهم من الأحداث أو الذين أدينوا على أساس أدلة مشكوك فيها.
كما ازدادت الضغوط السياسية والتمييز على أساس ديني في البلاد أيضاً. فما تزال النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب عرضة للاعتقال وإصدار الأحكام عليهن. وما تزال العقوبات على تهم الردة والزنا والمثلية مرتفعة، وتصل إلى -وتتضمن- عقوبة الإعدام. كما أن المنشقين من المثقفين ما يزالون تحت الضغط أيضاً، بل وحتى تحت المزيد من الضغط منذ الإعلان عن صفقة رفع العقوبات. وفي يوم 7 كانون الثاني (يناير)، تم اعتقال الشاعرة والناشطة هيلا صديقي بعد هبوطها في مطار طهران، وتم احتجازها لمدة 48 ساعة، فيما يفترض أنه إجراء على سبيل التحذير. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، تلقى مخرج أفلام كردي حكماً بالسجن لست سنوات و223 جلدة بتهمة “إهانة المقدسات”. وعندما أطلق سراح خمسة أميركيين من السجون الإيرانية هذا الشهر، لاحظت الحملة الدولية لحقوق الإنسان في إيران أن العديد من السجناء السياسيين الآخرين، بمن فيهم بعض الأجانب، ما يزالون يقبعون في السجون الإيرانية.
إذا كان من الممكن فصل كل من هذه القصص ووضعها في صندوق منفصل، ووصف إيران بأنها بلد ذو سجل “حقوق إنسان سيئ”، وإنما ذو “سياسة خارجية متحسِّنة”، فربما يكون هناك عندئذٍ ما يبرر التغاضي عن مسألة الحقوق. ولكن -وكما تعلمنا على حسابنا، في روسيا، من بين أماكن أخرى- فإن الأنظمة التي تحتاج إلى استخدام العنف لقمع مواطنيها لا تشكل شركاء دبلوماسيين موثوقاً بهم. وسوف تقوم أي زمرة حاكمة تخشى من قيام ثورة شعبية ضدها دائماً بتفصيل سياستها الخارجية على مقاس خدمة إبقاء نفسها في السلطة في نهاية المطاف. والآن، يعتقد الرئيس روحاني ووزير خارجيته، محمد جواد ظريف، أن رفع العقوبات سوف يساعد على تحسين الاقتصاد الإيراني وخلق الدعم الشعبي. أما إذا لم يحدث ذلك، فإنهما سيقومان فوراً، هما أو ورثتهما، بإعادة توجيه الغضب والعواطف الشعبية ضد “الشيطان الأكبر” مرة أخرى.
وينطبق هذا التحذير نفسه على رجال الأعمال الغربيين الذين يصطفون على الحدود لدخول إيران. ما من شك في أن هناك الكثير من الإيرانيين المستعدين لمساعدتهم على أن يصبحوا أغنياء، إذا كان الأمر مفيداً بطريقة متبادلة. ومما لا شك فيه أيضاً أن البعض سيكسبون المال، على الرغم من أنه قد يكون من الصعب الحفاظ عليه في بلد محاكمه مسيسة، ويتم اختيار قضاتها بطريقة عشوائية وغير شفافة. ولكن، وفي أي من الحالتين، ليست هناك فائدة كبيرة في التمني الآمل بأن الاستثمار الأجنبي سوف “يفتح” إيران، أيضاً. وفي الظروف الحالية، من الأرجح بكثير أن يقوم الاستثمار الأجنبي بإثراء النخبة الموجودة أصلاً. وإذا كان الأمر كذلك، فإن النتيجة ستكون المزيد من القمع الحكومي، والمزيد من التضليل، وبطبيعة الحال، المزيد من المال لتصدير فكر الثورة الإيرانية إلى سورية ولبنان والعراق.
لذلك، نعم، لقد أتى التغيير إلى الدبلوماسية في الشرق الأوسط. لكن التغيير لم يأت إلى إيران. وحتى يفعل، سوف تبقى إيران مصدراً لعدم الاستقرار والعنف في جميع أنحاء المنطقة.
علاء الدين أبو زينة
صحيفة الغد الأردنية