منذ بدأت أسعار النفط بالتراجع، ازدحمت الأسواق بالتحليلات والتوقعات الخاصة بتحركات سعره وسعره العادل، وفشل معظم هذه التوقعات. ونتيجة انخفاض سعر برميل النفط إلى ما دون 30 دولاراً، بدأت بعض التحليلات تشير إلى ان السعر العادل يجب ان لا يقل عن 50 أو 60 دولاراً.
وفي أكثر من مناسبة قبل التراجع الكبير في الأسعار، أكد العديد من وزراء النفط الخليجين ان السعر المتداول للنفط (70 – 75 دولاراً للبرميل آنذاك) هو سعر مقبول، ولم يشيروا إلى عدالة السعر في ظل تأكيد الدول المنتجة على ان ليس من مصلحتها وجود فجوة كبيرة بين السعر العادل والسعر الجاري للنفط، حتى لا يؤثر ارتفاع الأسعار سلباً في معدلات النمو لدى الدول المستهلكة، بما ينعكس سلباً في شكل غير مباشر على الدول المنتجة.
تساهم عوامل كثيرة في خلق التفاوت بين السعر العادل وسعر السوق، منها عوامل العرض والطلب ومعدلات النمو الاقتصادي العالمي، خصوصاً لدى الدول ذات الوزن الاقتصادي الكبير، ومنها الولايات المتحدة والصين ودول الاتحاد الأوروبي، إذ يساهم النمو الاقتصادي في هذه الدول في زيادة حجم الطلب على النفط، بينما يساهم التباطؤ الاقتصادي في تراجع الطلب بما يؤدي إلى تراجع الأسعار.
والمتعارف عليه أن السعر العادل للنفط هو السعر الذي يأخذ في الاعتبار نسبة التضخم أو نسبة التغير في القوة الشرائية، وهو ما يعرف بالسعر الحقيقي أو السعر المعدل وفق نسبة التضخم. ويُطلَق على السعر الذي تجري على أساسه صفقات النفط، السعر الاسمي. وإذا كان سعر النفط الحقيقي أعلى من السعر الاسمي، تتكبد الدول المنتجة خسارة من بيع نفطها نظراً إلى استيرادها سلعاً وبضائع وخدمات بالأسعار الجارية التي تعكس نسبة التضخم.
وتؤدي تكاليف الإنتاج دوراً بارزاً في تقديرات السعر العادل، فهي تتفاوت من منطقة إلى أخرى في العالم وتختلف باختلاف مواقع حقول النفط والأعمار الإنتاجية لهذه الحقول ومعدلات سريان النفط. ولأن النفط مصدر للطاقة غير قابل للتجدد وفي طريقه إلى النضوب، ينطبق قانون الندرة على تسعيره بما يحقق الهدف من إيجاد توازن بين مصالح الجيل الحالي الذي ينعم بهذه الثروة ونصيب الأجيال المقبلة من هذه الثروة الناضبة.
يصعب الوصول إلى السعر العادل من خلال اتفاقات بين الدول المنتجة والمستهلكة نتيجة سعي الطرفين إلى تحقيق مكاسب حتى لو كانت على حساب الطرف الآخر. وبعد الانخفاض الكبير في سعر النفط لم تطالب أي دولة مستهلكة برفع سعره إلى قيمته العادلة تجنباً لإلغاء العديد من المشاريع النفطية في الدول المنتجة وما قد يحمله ذلك من آثار سلبية على حجم العرض.
ويشجع السعر العادل للنفط عند توافره الاستثمارات في البنية التحتية للصناعة النفطية لضمان إمداد الأسواق بحاجتها من النفط. وتقدر وكاله الطاقة الدولية هذه الاستثمارات بـ 350 بليون دولار سنوياً. ويُذكر ان الإنتاج السهل بالتقنيات البسيطة انتفى وبرزت الحاجة إلى تقنيات متطورة ومكلفة للحفاظ على مستويات الإنتاج ورفعها لمواكبة الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي على النفط. والتذبذب في سعر النفط سمة مميزة لهذه السلعة كغيرها من السلع الأساسية الأخرى التي تمر بدورات هبوط وصعود وبهوامش مختلفة ولفترات زمنية متفاوتة.
إن اصطلاح السعر العادل للنفط ليست له ترجمة فعلية على ارض الواقع ولا يمكن تحديد مستوى ثابت له. ولا بد من لفت الانتباه إلى الارتفاع القوي الذي طرأ أخيراً على مُعامِل الارتباط بين مؤشرات أسواق أسهم الخليج وحركة سعر النفط، إذ تعرضت هذه الأسواق إلى خسائر جسيمة، على رغم الاحتياطات المالية الضخمة التي تملكها دولها، والتصنيفات الائتمانية القوية التي تحظى بها هذه الدول والتراجع المتواصل ولو البطيء في حصة النفط من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي.
زياد الدباس
صحيفة الحياة اللندنية