تواجه تركيا حاليا سيناريوهات حصار من عدة جهات، والتي لها العديد من التأثيرات السياسية الخارجية، تهدف إلى التصغير من حجمها والتقليل من دورها القيادي في المنطقة. وأصبح حلفاؤها وأعداؤها التقليديون في صف واحد ضدّها. وباتت تعاني من الإرهاب المتمركز بين القومية الكردية في الداخل وهجمات تحالف متعدّد الأطراف من الخارج.
منذ حرب الاستقلال حتى يومنا هذا، لم تعهد تركيا ما تعيشه اليوم من مشاكل داخلية وخارجية وتكاثر الأزمات في المنطقة التي تحيط بها وكفاح بعض الدول من أجل رفع الوصاية التركية عليها.
محاولات التقسيم التي بدأت في العراق وتمر الآن على سوريا، أصبحت محاذية لحدود تركيا أو بالأحرى هناك محاولة لنقلها إلى داخل تركيا. تصفية الحسابات وهدم البلدان ستتجه بعد فترة نحو السعودية ودول الخليج. وفي القريب العاجل سيتم جر لبنان إلى الحرب السورية.
الهجمات الانتقامية وحرب المدن
بينما نحن مشغولون بالنهوض ببلدنا عبر مشاريع عملاقة، ونسعى لإلغاء الحدود وإنتاج شراكة ثقافية واجتماعية مشتركة مع جيراننا. ونعمل على التخلّص من الاستعمار والوصاية التي سُلّطت علينا وكأنها أقدار لا مفر منها، هناك من يسعى لزرع الفتنة والنزاعات عند حدودنا.
إن هذه الهجمة انتقامية. ولن تجدوا لمواجهة هذه الهجمة الانتقامية سوى “مقاومة لا تخشى في الله لومة لائم”.
بينما نبذل ما بوسعنا من أجل نشر الحرية، الديمقراطية، التكامل الاقتصادي ونمد أيدينا من أجل التعاون المشترك مع الجميع، نجد أن المنطقة تواجه مخططات لتقسيمها وقطع أواصرها الجغرافية وإشعال حروب عرقية وطائفية تشمل كل بلدانها.
بعد فترة، من المحتمل أن نجد أنفسنا ليس في حروب دولية أو موجة استعمارية، بل في حروب أهلية، تأكل الأخضر واليابس. نعم فنحن في زمن تُعد فيه الخطط بهذا الشكل الغادر والجبان. دولنا التي ظلّت على قلب رجل واحد لمئات السنين، تشهد اليوم تنافر القلوب والأذهان بين أبنائها. هناك مساع لوضع أسس لانقسامات في المنطقة ستستمر لقرون قادمة.
إما أن نكسب أو نضيع
لم يعد هذا المشروع يستهدف دولة محددة، بل معيارا لتمزيق نطاق الدول الإسلامية من شواطئ المحيط الأطلسي غربا، حتى سواحل المحيط الهادي شرقا، وتنفيذ لسيناريو لا يعير قيم التحالف أي اهتمام ولا يحمل أي صفة أخلاقية.
إن الخطر الحقيقي المحدق بمنطقتنا، هو الظن بأن المؤامرة مختصرة في دول بعينها. بينما يحضّرون الأزمات لكل دولة وفقا للواقع الذي تعيشه. وما زالت أذهاننا رهينة لأكاذيبهم وألاعيبهم ولم ندرك اللعبة بعد. ما زلنا نعتقد أن هذه الأكاذيب حقائق لكننا مع الوقت نجد أن اعتقادنا هذا هو سبب ضياعنا وهزيمتنا.
نحن نعيش آخر مرحلة لحرب الاستقلال من مائة عام. حتى الآن لم تنته الحرب العالمية الأولى ونحن نريد أن نودّع القرن الواحد والعشرين غانمين لا خائبين. لهذا فالصراع حاد ومؤلم جدا. إما نكسب أو أن نتجزأ ونتبعثر. إما أن نكبر أو أن نصبح أقزاما. لن يتركونا نعيش على ما نحن عليه اليوم بأي حال من الأحوال. إما أن تتحول مدننا إلى دمار ويحترق كل شبر في الأناضول، أو أن نقلب هذه العاصفة على أصحابها لنغير مجريات الأحداث ونكسب الصراع.
لقد دفنا أعتى إمبراطوريات العالم في هذه الأرض
إذا كسبنا الصراع في ظل هذا الانكسار الكبير سنغير مجرى التاريخ، ليس لبلدنا فقط بل لكل دول المنطقة. سيشهد الأناضول نصرا عظيما يضاف إلى انتصاراته التي شهدته على مدار ألف عام مضت. سنطرد جيوش الصليبيين من هذه الأرض مرة أخرى. لن ينال اليأس منا. لن نشهد تراجيديا الحرب العالمية مرة أخرى. سنبدأ مرحلة جديدة من النهضة والنمو بأيدي من يحبون أوطانهم على هذه الأرض.
انظروا إلى فترات اليأس في ماضينا. لدينا ميراث من التعاون، الغنى، الفراسة والفطنة التي عرفت طريقها لتلد من رحم المآسي بقوة وبسالة. نحن أصحاب أرض يشهد لها التاريخ باقتلاع الإمبراطوريات وإفناء الجيوش. بغداد ودمشق لوحدهما كم من الإمبراطوريات دفنتا في مقابر التاريخ؟.
أرادت كل الإمبراطوريات في تاريخ الإنسانية التحكم بالعالم، عبر السيطرة على هذه المنطقة، لكن هذه المنطقة أبادت كل الإمبراطوريات. ومن سيحاول مجدّدا سيلاقي نفس المصير. التاريخ والحضارة ملك حصري لهذه المنطقة، وستتغير من جديد وفقا لإرادة الأناضول وعزيمته وسنكون نحن رواد هذا التغيير. لن نسمح لأحد بأن يستغل ضعف تركيا لينتقم منها.
حلفاؤنا باعونا وبدأت مرحلة الدفاع عن النفس
هناك ملاحظات سنتناولها واحدة واحده. بعد تجاوز هذه الأزمة، لابد لتركيا أن تعيد أولوياتها الاقتصادية والسياسية وتقيّم المخاطر والعلاقات الإقليمية، وتنظر في تحالفاتها من جديد. منذ الحرب العالمية حتى الآن كل الشعوب التي تحالفنا معها خانتنا وطعنتنا من الخلف وتحالفت مع أعدائنا ضدنا.
كان على رأس هؤلاء، أمريكا وحلف الناتو وحلفاؤنا التقليديون في أوروبا. لقد قدموا تركيا قربانا للمنظمات الإرهابية بهدف تقسيمها.
كلهم باعوا تركيا لمنظمة إرهابية. كلهم باعوا تركيا من أجل مشروع خط أنابيب النفط. تركيا واجهت كل التحديات والتهديدات التي تصورها حلف الناتو من أجل حماية أوروبا. والآن، أصبحت كل هذه التهديدات موجّهة ضدنا.
هؤلاء “الأصدقاء” نراهم اليوم يقومون بعمل مشترك من أجل تنفيذ مخططاتهم القذرة لمحاصرة تركيا وإعادة تشكيل خريطة الأناضول. يعيش الشعب التركي خيبة أمل بشأن هذا. الثقة بأمريكا وأوروبا نتج عنها جرح عميق. لقد عرف المجتمع التركي التهديدات الجديدة وحفرها في ذاكرته ويتجه الآن نحو الدفاع عن النفس بحركة لا إرادية. أزمة الثقة هذه لن تنتهي بمرور الأيام.
حزب الاتحاد الديمقراطي “حليف” وجماعة الإخوان منظمة إرهابية، أليس كذلك؟
نعتقد أن مثل هذا التصرف يفتح النار عليهم لأنه معاد لكل شيء متعلق بنا. سنُدين أنفسنا وسنفكر في مستقبلنا من جديد وفقا لهذه الحقائق. إن من يدعم حزب الاتحاد الديمقراطي، هو ذراع حزب العمال الكردستاني ويقوم بدعمه لتنفيذ هجمات إرهابية ضد تركيا. كما إنه يمدّه بالسلاح ليجعل جماعة الإخوان المسلمين البناء الديمقراطي الوحيد في المنطقة، في قائمة المنظمات الإرهابية متهما إياها بجريمة كبيرة.
لم يعد هناك مجال للشك بأنه هو ذاته الذي قام بالانقلاب على النجاح الديمقراطي الوحيد في تاريخ مصر، وقضى على أحلام المصريين بنيل الحرية والكرامة وقتل الآلاف منهم دون خجل ولا وجل.
إنهم يكشفون عن أهدافهم القذرة التي تستهدف كل ما هو وطني وشريف أو له صلة بالإسلام لكي يقتلعونا من الجذور.
بعد الآن، لن نصدّق شعارات الحرية والديمقراطية، التي يرفعونها كذبا وزورا واستراتيجياتهم الأمنية المخادعة. لأننا عرفنا هذا ونشاهده منذ عشرين عاما حتى اليوم، ولا يسعنا إلا أن نقول “نحن نتعرض لحرب شاملة”.
دولة دولة، مدينة مدينة، شارعا شارعا، فردا فردا
سنبني أنفسنا من جديد وسنحافظ على قيادتنا السياسية بالحال التي هي عليه اليوم، وسنجعل دولتنا يقظة لكل مؤامراتهم. لن نتراجع ولن ننهزم. لن نسمح باقتطاع شبر واحد من أرض الأناضول. زمن الخضوع ولىّ منذ زمن بعيد. لن نسمح لأي قوة أن تجعلنا نعيش تراجيديا من جديد.
لن نضيع في المتاهات. لم تتضح الخارطة بهذا الشكل من قبل. سنعرف كيف نواجه الخيانة في الداخل والتهديدات التي تأتي من الخارج.
سنُناضل دولة دولة، مدينة مدينة، شارعا شارعا وفردا فردا وسنُفشِل محاولة الاستيلاء هذه. يظنون بأنهم سيهزمون تركيا من خلال ضرب جنوبها من شمال سوريا، لكنهم سيرون بأعينهم أن كل شارع سيتحول إلى قلعة منيعة لا يقدرون على احتلال شبر منها.
مهما كانت اللعبة كبيرة، إلا أنها ستفشل في بلاد الأناضول.
إبراهيم كاراغل
تركيا بوست