يخرج أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الجمعة، للأسبوع الثاني على التوالي في مظاهرات حاشدة بقلب العاصمة العراقية بغداد يؤكّد مراقبون أن هدفها الأساسي قطع الطريق على القوى المطالبة بإصلاح حقيقي والتي بدأت تجد لها صدى في الشارع وتتحوّل إلى حراك مدني غير طائفي معارض لنظام الحكم القائم على المحاصصة بقيادة الأحزاب الشيعية.
وهدّد الصدر مجدّدا باقتحام المنطقة الخضراء بوسط بغداد، وذلك في تعليمات أصدرها الخميس لأتباعه، قائلا “سأحاول الوصول إليكم على الرغم من التهديدات بالقتل”.
وبدا زعيم التيار الصدري، وهو يمطر أسماع العراقيين بسيل تصريحاته ودعواته للمظاهرات “المليونية”، ساعيا إلى إحداث أقصى قدر ممكن من الضجيج حول عملية الإصلاح التي صعّد الشارع العراقي مطالبته بها منذ الصيف الماضي، وتعهّد رئيس الوزراء حيدر العبادي بإنجازها، لكنه انتهى إلى ورطة تتمثّل في استحالة تمرير أي إصلاحات ستطال حتما جوهر النظام القائم وتمسّ كبار رموزه وخصوصا من قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية.
وتجلّى مأزق الإصلاح في العراق بوضوح مع عجز العبادي عن تمرير تعديل حكومي وصف بالجوهري وكان أعلن عنه في وقت سابق وقال إنّه سيشكّل بموجبه حكومة تكنوقراط، ليعود لاحقا ويعلن صراحة أن مسعاه يصطدم برفض جهات وأحزاب ذات نفوذ كبير في البلاد.
ويعمل مقتدى الصدر على استثمار سمعة عائلته العريقة في مجال التديّن الشيعي، وأيضا صورته التي نحتها من عدائه لبعض كبار رموز الفساد في البلاد، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ليقدّم نفسه زعيما إصلاحيا ما يضمن للأحزاب الشيعية أن يظلّ أحد أبناء “عائلتها” السياسية الموسّعة ممسكا بزمام عملية المطالبة بالإصلاح كي لا تذهب بعيدا وتصل حدّ نسف النظام القائم من جذوره.
ويفسّر هذا المعطى صمت الأحزاب الشيعية المعروفة بمنافستها الشديدة للتيار الصدري، وحتى بمعاداتها له، على البروز الكبير لزعيم التيار إلى واجهة المشهد العراقي ما دام يضمن لها الالتفاف على عملية الإصلاح.
وفي وجهة نظر مقابلة، تقوم على اعتبار الصدر يعمل لحسابه السياسي الخاص، قال مراقب سياسي عراقي “حين يتحدث الصدر عن تهديده بالقتل، فذلك معناه أن رسالة الكتل السياسية الأخرى قد وصلت إليه، أما حين يأمر أتباعه باقتحام المنطقة الخضراء، وهي رمز الحكم، فهذا يعني أنه قد قرر أن يقف خارج العملية السياسية”.
وتساءل في تصريح لـ“العرب” “هل يغامر الصدر بمستقبله السياسي؟”. وعبر عن اعتقاده بأن الصدر أذكى من الجميع وقد قرر أن يسبقهم إلى القفز من المركب. وقال “هذا لا يناقض كون الرجل يملك رصيدا شعبيا حقيقيا. غير أنه يشبه الجميع في عدم قدرته على طرح مشروع سياسي وطني”.
وأضاف “لا اعتقد أنه من خلال دعوته مناصريه للتظاهر يمارس نوعا من الابتزاز. كل ما يجري اليوم هو صدام محتم بين الصدر والآخرين قد جرى إرجاؤه بفعل الضغوط الإيرانية المتكررة التي يبدو أنها لن تنفع هذه المرة أو أن الإيرانيين لا يرغبون في ممارسة دورهم التقليدي”.
وقال ضياء الأسدي رئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري بالبرلمان العراقي، الخميس إن المظاهرة التي دعا زعيم التيار إلى تنظميها الجمعة بمختلف المحافظات العراقية، لا تهدف إطلاقا إلى إسقاط رئيس الوزراء حيدر العبادي وإنما ستكون فقط رسالة أخرى قوية للحكومة ورئيسها للتعجيل بالإصلاحات المطلوبة.
ونفى الأسدي في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية أن يكون حضوره لاجتماع الرئاسات الثلاث الذي جرى الأربعاء، والذي أُقرت فيه خطة العبادي الإصلاحية تعني موافقة التيار عليها، مشددا على أن “التيار الصدري غير موافق على الخطة الإصلاحية المقدمة من العبادي ويختلف معه حولها”.
وكانت الرئاسات الثلاث في العراق –الوزراء والجمهورية والبرلمان- وقادة الكتل السياسية قد عقدوا الأربعاء اجتماعا تم فيه إقرار خطة العبادي الإصلاحية.
وقال الأسدي “مظاهرة الجمعة قائمة، وستكون أمام مختلف مجالس المحافظات العراقية. أما في العاصمة فسيكون مركزها أمام بوابات المنطقة الخضراء”.
ورفض الأسدي تشكيك البعض في جدوى دعوة التيار إلى التظاهر، خاصة أن المظاهرة التي كان دعا إليها الجمعة الماضي لم تفلح في اجتذاب حشود غفيرة كما كان متوقعا.
ونفى ما يتردد حول أن قيادات البيت الشيعي، والتيار الصدري في مقدمتها، قد اتفقت على الإطاحة بالعبادي وتمارس الآن ضغوطا على حزب الدعوة لاختيار بديل له، وقال “هذا غير دقيق ولا صحة له. ولا نستهدف العبادي ولا نريد إسقاطه سياسيا أو شعبيا”.
ولا تحمل الغالبية العظمى من العراقيين على محمل الجدّ دعوات الإصلاح الصادرة على كبار الرموز السياسيين وخصوصا منهم المشاركين في الحكم، كون هؤلاء سببا في شيوع الفساد على نطاق واسع في البلاد، وجزءا من المنظومة الفاسدة.
وبدا واضحا من خلال الشعارات المرفوعة في مظاهرات شعبية شهدتها الكثير من المدن العراقية بشكل منتظم منذ الصيف الماضي، أنّ المستهدف بالإصلاح هو جوهر النظام القائم في البلاد، في ظلّ شيوع قناعة عامّة بأنّه نظام فاسد برمته يتطلب التغيير لا الإصلاح.
ومن جهتهم يرى متابعون للشأن العراقي، أن معضلة الإصلاح في العراق تتمثّل في أنّ المنظومة الفاسدة لا يمكن أن تصلح نفسها ذاتيا، مستـدلّين بأن كبار رموز الفساد أنفسهم لا يتردّدون في محاولة ركوب موجة الإصلاح.
ورغم أنّ أرقاما رسمية وتقارير دولية تشير إلى أن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي أهدر خلال فترتي حكمه المتتاليتين بين سنة 2006 وسنة 2014 ما يقارب 800 دولار أغلبها من عائدات بيع النفط وبعضها مصدره قروض من الخارج، إلاّ أن الرجل ما يزال لا يجد حرجا في مطالبة رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي بـ“إصلاحات حقيقية وشاملة لا ترقيعية”، بحسب بيان صدر الخميس عن مكتبه إثر لقاء له بممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيش.
صحيفة العرب اللندنية