إن المنهج السياسي الموجّه المتَّبع في وضع وضغط تركيا في الزاوية، يُظهر كم هو مرتبط مع أهداف الهجمات الإرهابية الأخيرة.
إن السبب في الهجمات الإرهابية التي شنّت للمرة الثالثة على التوالي على مدينة أنقرة هي السياسة المدنية. فهم يريدون الدفع والإيقاع بالسياسة المدنية إلى الخطأ، واعتبارها سياسة لا يمكن أن تحكم أبدا. فهم يهدفون إلى فكرة أن تركيا ستصبح سوريا الجديدة، وأن هذه السياسة غير قادرة على الإطلاق أن تحكم وتظل في الحكم.
وغايتهم في ذلك الاستيلاء على كرسي السلطة الذي لم يستطيعوا أن يصلوا إليه بالانتخابات الشرعية، ومخطَّطهم للحصول عليه هو عمليات التلاعب بمشاعر الشعب والهجمات الإرهابية.
التأسيس للإرهاب
وقد كانوا يعملون على بناء وتأسيس أساس متين لهذه العمليات منذ سنوات عديدة، فهم قد خطَّطوا وتآمروا بالسر ليقلبوا الشعب ضد الدولة. ففي البداية بدأوا بهؤلاء المفكّرين الذين يتظاهرون بأن كل هذا الأمر صحيح، بالطبع لم يقولوا ذلك من فراغ فهم موجَّهون لأجل هذا، حيث يقولون: “لا يمكنكم إدارة الدولة بحصولكم على 50% من الأصوات فقط.. فقد بدأت حركات الانقلاب بالتحرك، فتوقَّعوا انقلابا في أيّة لحظة..”.
حتى أن الإعلام التابع لهم أصبح يبث بتركيز على نقطة واحدة وهي استرجاع ذكريات المجد “الواهية” للجنرالات العسكر السابقين. فهم ينقَضُّون على نظام الحكم الحالي من جميع الجهات والأماكن، لم يتركوا ولو حتى شقَّا صغيرا للتنفّس، فمن جهة المفكرين ومن جهة الإعلام الموجَّه، ولا ننسى سفارة الولايات المتحدة الأمريكية القديمة وهي الطرف الموازي، والتي تصر على أنه يجب على أردوغان أن يستقيل من منصبه كليّا، وهناك العديد غيرهم أيضا، أمثال داعش وحزب العمال الكردستاني ومخابرات نظام الأسد وحزب التحرر الشعبي الثوري–جبهة، الذين ينقَضُّون على تركيا بربط سياستها المدنية بالتفجيرات الحاصلة في أنقرة. ولهذا السبب افتعلوا وما زالوا يفتعلون تفجيرات في أنقرة متآمرين على الدولة ومتخفِّين بتآمرهم عنها.
حلم الحكم والسيطرة
لأنّهم جرّبوا من قبل جميع الطرق والوسائل ليجعلوا حلمهم في السيطرة على الحكم واقعا جميلا لهم ومريرا على الشعب. ولقد رأينا وشهدنا كيف أنَّهم حاولوا أن يستفزّوا ويحرِّكوا الشعب، ولا ننسى تلك المكائد والمؤامرات والفخاخ التي حاولوا أن ينصبوها لكن باءت بالفشل، ولم ينته الأمر بمحاولتهم لافتعال انقلاب على الحكم.
فعندما اجتمع ما بين 14-15 حزب يوم الانتخابات، وعندما وقفوا عند الصناديق منتظرين النتيجة كانت الصدمة الكبرى بالنسبة لهم أنهم لم ينجحوا حتى في هذه الانتخابات على الرغم من كل الوسائل والطرق غير الشرعية التي استخدموها. لذلك قرّروا اتّباع أسلوب جديد ظنّاً منهم أنهم سينجحون في هذه المحاولة أيضا، فعمدوا جميعا إلى أحداث 7 حزيران لكن لم تكن بأيديهم أية حيلة، وفشلوا أيضا. وفي النهاية عمدوا وتوجّهوا إلى أدنى وأسفل وأقذر الطرق والوسائل ليوصلوا نظام الحكم إلى الحضيض.
ففي البداية وجَّهوا داعش وقواها نحو مدينتي ديار بكر وسوروج. فبدأوا ببناء آمالهم على قول إن هذه الدولة هي دولة تضع يدها بيد هؤلاء القتلة لتقتل شعبها لمصالحها، انتَظروا فرصة لينقضُّوا على الحكم عن طريق الأزمة الاقتصادية وعن طريق تدمير السياحة في البلد لكن حتى هذا أرسل آمالهم التي كانوا قد بدأوا ببنائها إلى أسفل السافلين وحطّمها تحطيما.
لكن ضربتهم الأخيرة كانت بتحريك حجر حزب العمال الكردستاني على رقعة الشطرنج، وعندما اعتقدوا متوهّمين أنهم قد وصلوا إلى ما أرادوا وظهرت نتيجة أفعالهم بالفشل والخسران، نشروا بين المدنيّين مغيرين ومحوّلين ما يقوله رئيس الجمهورية أردوغان إلى كل شيء دنيء وعديم الأخلاق والتفكير. وبخلقهم لهكذا خوف وفوضى كانوا سيُأمِّنون قاعدة أساسية لانقلاب جديد بدفع السياسة نحو هكذا خطأ، فهل هذا حقا ممكن؟
تركيا اليوم
هم أيضا يعلمون أن هذا من مستحيلات الدنيا الثلاث. فتركيا الآن ما هي بتركيا الأمس، وسياسة اليوم ليست سياسة الأمس المضطهدَة، وليست كما كانت سابقا عندما كان يُقال إن لدينا دعما وهم” Our Boys”. ولو كان موجودا حتى فلن يكون بإمكانهم التحرّك بأي خطوة أبدا على خطى ثابتة.
وقبل ذلك كنت قد كتبت أنهم أرادوا أن تخرج بعض شرائح المجتمع بعد البحث في المقاهي لأجل إقامة الانقلاب. لكن هوسهم هذا بالسيطرة سيبقى في مكانه المعتاد أي في بطونهم التي لا تشبع، سيكتب التاريخ عن ظلمهم ووحشيتهم. لأنه وبعد الآن وصلنا إلى حال لا يعرف فيه الظلم حدا.
ففي العالم أجمع لا توجد دولة واحدة تحدث فيها هذه الهجمات الإرهابية الوحشيّة ثم يخرج إعلامها ومفكّروها وبعض سياسييها ليتفوّهوا بكلمات لا معنى لها عن أن الحكومة التركية عليها تقديم استقالتها لفشلها في حكم الدولة. فمن يقتل أشخاصا بريئين لم يكن جرمهم سوى أنهم كانوا يقفون عند محطَّة الحافلة في ذلك اليوم ويستخلص نهجه السياسي من الإرهاب ويستنظر ويتأمّل مدد وعون الإرهاب لهو منحطّ ودنيء ووضيع كالإرهاب نفسه.
فانظروا إلى حادثة 11 سبتمبر في الولايات المتحدة أو الهجوم الإرهابي الأخير في فرنسا، لم يقل أحد ولم يطالب باستقالة الحكومة مع أن أثر هذه الأحداث لا يزال قائما. لكن عندنا تتم المطالبة بعنف لتستقيل الحكومة. وتنزل في الصفحات الأولى للجرائد ووسائل الإعلام عناوين كبيرة تعد الدولة والحكومة عدوا لها. فإن كان الناس يدمعون ويبكون لما حصل في فرنسا، فعندنا لا تقال سوى كلمات تدل على عدم المبالاة بما حدث.
إن هذا الأمر وما يتوجّب علينا فعله ما هو بالأمر السهل، وهذه الحال الآن لا يمكن توضيح سببها باختلاف وجهات النظر السياسية، ولا يمكن الوصول إلى هذه المرحلة بتفاوتها. المشكلة التي يجب توضيحها هي أنهم يجب أن يفهموا أن هذه الأرض أقدم وأعرق مما يظنّون.
محمود أوفر
تركيا بوست