في كانون الثاني/يناير، بث التلفزيون الحكومي الإيراني لقطات لعشرة بحارة أمريكيين كان قد أُلقي القبض عليهم [أثناء مهمة تدريبية في الخليج]، وتضمّن البث اعترافاً منظماً، واعتذاراً، بل حتى تعبيراً عن الامتنان لطهران تقديراً لـ “ضيافتها”. وفي اليوم التالي أُطلق سراح البحارة، إلا أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قال إنه “غاضب ومحبط” من نشر تسجيلات الفيديو، والتي كانت، بالمناسبة، انتهاكاً لـ “اتفاقيات جنيف”. وكونها غير منزعجة [مما قامت به]، نشرت طهران بعد أسابيع، لقطات جديدة من فترة الاعتقال، تُظهر على ما يبدو بحار أمريكي يبكي في الأسر. وحتى في وقت أقرب من ذلك تفاخر النظام بأنه “استخلص” مئات الصفحات من المعلومات من الأجهزة التي صودرت من البحارة.
لقد أصبح [هذا] النمط شيئاً مألوفاً للغاية في الوقت الحاضر. فعلى الرغم من الاتفاق النووي ورفع العقوبات وقيام حقبة جديدة من الانفراج الدبلوماسي المفترض، لا يزال موقف طهران تجاه واشنطن استفزازياً وقائماً على المواجهة. وحيث لا تريد إدارة أوباما تعريض الاتفاق للخطر، فقد ردت على السلوك الإيراني المتهوّر بعدم المبالاة إن لم يكن بالخنوع، بإظهارها الضعف، وبالتالي فسحها المجال للمزيد من السلوك الذي يطرح إشكالية من قبل حكومة دينية.
إن الإدارة الأمريكية تنفق مليارات الدولارات على “مبادرات الطمأنينة” في جميع أنحاء العالم – من خلال بيع الأسلحة، ونشر القوات، وتمركز مسبق للمعدات. ولكن زيادة النفقات لم تؤثر على تعزيز الثقة تجاه واشنطن، على الأقل في الشرق الأوسط. وهذه مشكلة تتعلق، إلى حد كبير، بتصور الأمور. فواشنطن لم تولي الاهتمام الكافي للكيفية التي يتم فيها تقبّل أفعالها في المنطقة في ظل التحديات الإيرانية. لكن طهران وحلفاؤها يقظين لذلك. لنقارن، على سبيل المثال، بين تعامل إدارة أوباما مع حادث البحارة الأمريكيين الذين احتجزوا في إيران وبين الكيفية التي تعامل فيها مؤخراً وكيل إيران، التنظيم الإرهابي الشيعي اللبناني «حزب الله»، مع معضلة الفيديو الخاص بسجنائه.
في أوائل شباط/فبراير، ألقت «جبهة النصرة» – ذراع تنظيم «القاعدة» – القبض على اثنين من رجال ميليشيا «حزب الله» كانا يقاتلان لصالح نظام الأسد في سوريا. وفي وقت لاحق أُجرى أحد الصحفيين اللبنانيين مقابلة معهما في المعتقل. وكان من المقرر أن تقوم الشبكة اللبنانية الرائدة، “MTV“، ببث المقابلة مع عنصري «حزب الله» التي دامت ساعة من الزمن، ولكن الميليشيا اللبنانية تدخلت لمنعها، بتهديدها القناة والمراسل. ونتيجة لذلك، وفي نهاية المطاف، لم يتم بث سوى مقطعين قصيرين وغير ضارين نسبياً.
ليس من الصعب إدراك سبب تصرف «حزب الله» على هذا النحو للحيلولة دون عرض البث. ولكن منذ ذلك الحين تم عرض المقابلة مع الأسيرين رقيقي الصوت ومظهريهما المثيرين للتعاطف (بشكل فظيع)، على موقع يوتيوب، الأمر الذي شكل إحراجاً تاماً للميليشيا. فقد قال السجينان، اللذين أُلقي القبض عليهما بالقرب من حلب عندما سلكا منعطفاً خاطئاً ووجدا نفسهما في أراضي العدو، أنهما لم يتلقّا سوى حداً أدنى من التدريب القتالي قبل إرسالهما إلى ساحة المعركة. والأسوأ من ذلك، فقد ذكرا، “على عكس ما فهمنا عن واقع الأمور” – أي، ما قيل لهما من قبل «حزب الله» على أعلى المستويات – أنهما لم يجدا وفرة من المقاتلين الأجانب السنة في مدينة حلب. وبدلاً من ذلك، أشارا إلى أن الهجمات العسكرية التي يقوم بها نظام الأسد مدججة بعناصر لبنانية وعراقية من «حزب الله»، و”عدداً كبيراً من الإيرانيين”، و “الفاطميين الأفغان [الشيعة].”
ولا تنسجم قصة هذين العنصرين التعيسين من «حزب الله» مع رواية الميليشيا المتروّية بعناية حول الكفاءة في ساحة المعركة، ولا مع الأساس المنطقي لنشر قواتها في سوريا. فقد كان «حزب الله» قلقاً إلى حد كبير من الأضرار المحتملة التي قد يسببها الفيديو لصورته بحيث قرر منع بثه.
وعلى خلاف إيران وعميله اللبناني، تبدو واشنطن أقل قلقاً بكثير إزاء مكانتها في المنطقة. ويقيناً، يعدّ الإفراج عن الجنود الأمريكيين والأسرى المدنيين الذين احتجزهتم ايران أولوية بالنسبة للإدارة الأمريكية، ولكن عندما لا تعمل هذه الإدارة على ردع [الأعمال الإيرانية] في ظل استمرار الاستفزازات، فسوف يكون لذلك تأثير هدام على مصداقية الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، عندما يقول الرئيس اوباما حالياً، أن الولايات المتحدة “تبقى صامدة في معارضة سلوك إيران المزعزع للاستقرار”، فإنه حقاً أمراً يصعب تصديقه في القصر وفي الشارع [أي من قبل الملوك وعامة الشعب]على حد سواء.
وفي الواقع، ففي جميع أنحاء الشرق الأوسط، يتزايد قلق حلفاء واشنطن السنة التقليديين من مصداقية الضمانات الأمنية [التي قدمتها] الولايات المتحدة حيال ايران، ولسبب وجيه – وذلك، ليس فقط لأن الرئيس أوباما يُعرب علناً عن تردد يقارب الاستهانة من المملكة العربية السعودية. فطبقاً لهذه الحجة، إذا لم تقم الحكومة الأمريكية بالرد عندما أطلقت إيران صاروخاً على بعد ميل واحد من حاملة طائرات أمريكية كانت تعبر مضيق هرمز في كانون الثاني/ يناير، فما الذي ستفعله واشنطن عندما تستهدف إيران المملكة العربية السعودية؟
وعلى الرغم من بيانات الإدارة الأمريكية، يدرك حلفاء واشنطن التقليديين أن إيران تواصل أنشطتها التخريبية مع أدنى حد من العواقب أو بلا عواقب قط. وقد شملت هذه الأنشطة اختبار صواريخ باليستية جديدة، وتهريب متفجرات خارقة للدروع إلى الشيعة في البحرين وفقاً لبعض التقارير؛ وكان رد الحكومة الأمريكية “موزوناً” إذا استخدمنا مصطلح وزارة الخارجية الأمريكية والذي يفهمه الجميع بأنه يعني حقاً الميل بشكل مقارب نحو الصفر [أي عدم الرد].
لذلك تستمر الاستفزازات. فبعد يومين فقط من عملية تبادل الأسرى بين واشنطن وطهران في 18 كانون الثاني/يناير، والتي نجحت في الإفراج عن الصحافي في صحيفة “واشنطن بوست” جيسون رضايان، الذي كان قد اعتقل من قبل السلطة الدينية لمدة عام ونصف، خطفت الميليشيات التي تدعمها إيران في العراق ثلاثة أمريكيين في بغداد. لقد كان باستطاعة أي شخص توقّع هذه النتيجة المترتبة عن خفض موازين الخطر المعنوي، وبالفعل توقّع ذلك عدد من الأشخاص.
وإلى جانب انتهاك “اتفاقيات جنيف” من خلال بث فيديو لجنود كان قد أُلقي القبض عليهم، فوفقاً للقانون الدولي تم القبض على أولئك البحارة بشكل غير قانوني في المقام الأول. مع ذلك، وبعد الإفراج عنهم، شكر الوزير كيري إيران على تعاونها. إن القول المأثور هو أن الدبلوماسي شخص يفكر مرتين حول قول أي شئ. ومن المفترض أن يكون ذلك شيئاً مفهوماً، بيد، كان من الممكن أن تكون هناك وسيلة أفضل بكثير للتعامل مع هذه المسألة المعينة، من التفكير القليل جداً للوزير كيري حول الكثير الذي قاله.
لا عجب إذن، أن تستمر إيران في أنشطتها التخريبية وفي ما وصفها مسؤولون عسكريون أمريكيون كإجراءات “استفزازية غير آمنة ولا داعي لها” تجاه القوات الأمريكية من على المسرح. وإذا كانت إدارة أوباما ملتزمة حقاً باحتواء إيران في أعقاب الاتفاق النووي، فإنها بحاجة إلى أن تصبح أكثر وعياً نحو الكيفية التي يُنظر إليها في المنطقة. فالدبلوماسية لها أهميتها، وهو الأمر بالنسبة لنظام الردع ذي المصداقية. إن ثمن استمرار التملّق الأمريكي هو تشجيع إيران وجعلها أكثر جرأة.
ديفيد شنيكر
معهد واشنطن