الصفقة النووية الإيرانية تزداد سوءا باطراد

الصفقة النووية الإيرانية تزداد سوءا باطراد

900x450_uploads,2016,04,21,71d446ba11

لا يبدو أن الاتفاق النووي مع إيران يسير سيراً حسناً. ففي الشهر الماضي، أطلق جهاز الحرس الثوري الإيراني صاروخين بالستيين سقطا على بعد ألف ميل تقريباً. وقد اعترضت الولايات المتحدة، لكن الإيرانيين يتجاهلون اعتراضاتها.
وقال البريغادير جنرال أمير علي حاجي زادة: “السبب في أننا صممنا صواريخنا لتصل إلى 2000 كيلومتر هو أن نكون قادرين على ضرب عدونا، النظام الصهيوني، من مسافة آمنة”.
لكن السعوديين لا يقبلون بهذه الحجة، ولا تقبلها أي دولة عربية أيضاً باستثناء نظام الأسد فيما تبقى من سورية، والحكومة العراقية الشيعية المنحالفة مع إيران في العراق. وترى بقية الدول العربية -محقة- أن استعراض العضلات الإيراني هو جزء من هيمنة طهران الإقليمية المتمددة، ليس على الدولة اليهودية وحسب، وإنما على المنطقة برمتها أيضاً، والتي هي في معظمها سنية وعربية.
غني عن القول لماذا يجب على كل دولة على الأرض، سواء كان اسمها “إسرائيل” أم لا، أن تقلق من برنامج إيران للصواريخ الباليستية. وتستطيع الصواريخ البالستية أن تحمل الرؤوس الحربية النووية. ويستطيع عدد كاف من الصواريخ الباليستية أن يدمر مدناً حتى لو لم أنها لم تكن مجهزة برؤوس حربية نووية أيضاً. وهو ما يبين السبب في أن وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، أصر في العام الماضي على  القول إن وقف برنامج إيران للصواريخ الباليستية كان جزءا من الصفقة النووية.
لكنه ربما لم يكن جزءا من الصفقة. وليس من الواضح تماما ما تنص عليه الاتفاقية أو إذا ما كانت الصفقة قد استقرت تماماً.
يكتب إيلي ليك في بلومبيرغ: “مثل المعظم في واشنطن، كان لدي انطباع بأن المفاوضات النووية مع إيران انتهت في تموز (يوليو).. وكان يجب أن أكون أكثر تشككاً عندما لم يكن على أي أحد أن يوقع على شيء في نهاية المفاوضات، أو عندما لم يتم تقديم الصفقة لمجلس الشيوخ للمصادقة عليها”.
لكن من المؤكد أن حظر إجراء التجارب على الصواريخ الباليستية هو جزء من قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم 2231، الذي أقر الصفقة النووية في القانون الدولي بالإجماع في تموز (يوليو) الماضي. وينص القرار بوضوح في الملحق “ب” على أن قيود الأمم المتحدة سترفع فقط إذا وافقت الحكومة الإيرانية على “عدم القيام بأي نشاط له صلة بالصواريخ الباليستية المصممة لتكون قادرة على إيصال أسلحة نووية، بما في ذلك عمليات الإطلاق باستخدام تكنولوجيا الصواريخ الباليستية إلى ما بعد ثمانية أعوام من تبني خطة العمل الشامل المشتركة، أو حتى اليوم الذي تقدم فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً يؤكد النتيجة الأوسع، أيهما سبق”.
اعترف نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، بن رودس، في قمة الأمن النووي عندما سأله أحد الصحفيين عما إذا كانت تجارب الصواريخ الباليستية تعد انتهاكا للاتفاقية، بأن تجارب إيران في الصواريخ الباليستية تعد خرقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2231، لكنها ليست خرقا لخطة العمل الشامل المشترك التي تم التوصل إليها بين الولايات المتحدة وإيران. وقال إن إيران تقيدت بخطة العمل الشامل المشتركة.
بذلك، تتبنى الأمم المتحدة الآن نهجاً أكثر شدة تجاه إيران من الخط الذي تتبناه الولايات المتحدة نفسها.
غير أن هذا المظهر لا يلقى قبولاً جيداً في أميركا. ذلك أن إبرام صفقة مع دولة عدائية ومزدوجة المعايير مثل إيران تبقى مثيرة للجدل على الأقل. وفي العام الماضي، مرر مجلس النواب الأميركي الذي يهيمن عليه الجمهوريون مشروع قرار معارضٍ للصفقة. وقد يفترض المرء أن الدعم الأميركي للصفقة أو الافتقار إلى هذا الدعم يتحدد على أساس خطوط حزبية، لكنه لا يفعل. ويظهر مسح أجراه مركز أبحاث بيو في أيلول (سبتمبر) الماضي أن نسبة 21 في المائة فقط من الأميركيين يعتقدون أن الصفقة مع إيران فكرة جيدة.
وربما لا يكون ذلك طويلاً بالنسبة لهذا العالم، لكن إدارة أوباما حذرت الرئيس الأميركي القادم مؤخراً من مغبة إلغاء الاتفاقية. وفي هذا الصدد قال وكيل وزارة الخارجية الأميركية، توماس شانون، إن الرفض الأميركي للصفقة سيستغل من جانب المتشددين في إيران للتأكيد أننا محاورين لا نتمتع بالصدقية.
لكن الحكومة الإيرانية تعتقد بذلك مسبقاً. وهي تتهم حكومة الولايات المتحدة بانتهاك الاتفاقية. وهكذا، ما الفرق؟
يوم الاثنين من الأسبوع الماضي، قال رئيس النظام القضائي في إيران صادق أمولي لاريجاني، إن “الأميركيين ينتهكون الاتفاقية النووية الآن” لأن واشنطن، كما يقول، تثني الشركات الأميركية عن القيام بنشاطات تجارية هناك. وأضاف لاريجاني: “يجب على الأميركيين إدراك أن جمهورية إيران الإسلامية لن تتنازل عن مصالحها أبداً، ولن توافق على استثمار الشركات الأجنبية في البلد بأي ثمن، بينما تتمتع بموارد غنية ومواهب وفيرة”.
قد يعتقد المرء أن الإيرانيين سيكونون ممتنين لأن بن رودس يدافع عنهم، لكنه لا يوجد شيء من ذلك. ويتهم نائب رئيس الأركان الإيراني، الجنرال مسعود جزائري، مباشرة الرئيس باراك أوباما بانتهاك الاتفاقية بسبب ضغط واشنطن، غير الموجود في الحقيقة، حول موضوع التجارب الصاروخية. وقال: “يجب على البيت الأبيض إدراك أن القدرات الدفاعية والقوة الصاروخية، خاصة عند المنعطف الحالي حيث تزداد المؤامرات والتهديدات، هي بين الخطوط الحمراء للأمة الإيرانية، وأنها تشكل دعماً للأمن القومي للبلد ولا نسمح لأي أحد بانتهاكها”.
ولنفكر في هذا لحظة. إن إيران تختبر صواريخها الباليستية. وتقول الولايات المتحدة إنها غير سعيدة بالاختبارات، لكنها تعطي إيران شهادة صحية نظيفة حول الاتفاقية على كل حال. وترد إيران بقول إن الولايات المتحدة تنتهك الاتفاقية! ويبدو أن الذي فوق أصبح في الأسفل، والأسود أصبح أبيض، وواحد زائد واحد يساوي 125.
ويكتب ليك: “بالكاد يمر يوم… لا يؤكد فيه (قادة) إيران أن لهم حقاً سيادياً في إجراء التجارب على كم الصواريخ الذي يختارونه. وفي حال لم تكن الرسالة واضحة، فإن التلفاز الإيراني أكد بث صور لتلك الصواريخ التي تحمل كلمات عبرية تقول: يجب مسح إسرائيل من على وجه البسيطة”.
من جهته، وعد الوزير كيري الكونغرس بأن اختبارات الصواريخ تنتهك الاتفاقية النووية، لكن ذلك الوعد تجاوز تاريخ الصلاحية. وكان كيري قد كتب في صحيفة “الواشنطن بوست” في الصيف الماضي: “إننا ندرك أن إيران تظل تشكل تهديداً للاستقرار في الشرق الأوسط. وهذا التهديد على وجه التحديد هو الذي يظهر لماذا تعد هذه الصفقة ضرورية جداً، ولماذا قاتلنا بشدة لكي يظل حظر الأسلحة المتعددة سارياً لخمس سنوات، وأن يبقى حظر الصواريخ الباليستية قائماً لثماني سنوات”. كانت هذه هي كلمات جون كيري في مقال يحمل اسمه.
عند نقطة ما بين ذلك الوقت والآن، تم تشويه الصفقة. أو أن الإدارة تتظاهر على الأقل بأنه تم تحويرها. وليس من الصعب تفسير ذلك. فإذا انهارت الصفقة أو بدت وأنها تنهار، فإننا سنكون على الطريق إلى الحرب مع إيران مرة أخرى. وهي آخر شيء يريده رئيسنا الحالي.
وهي آخر شيء يجب أن يريده أحد، لكن الصفقة مع الحكومة الإيرانية الحالية ليست قيمة أكثر من صفقة مع “دارث فادر”. وقد تتذكرون عندما يقوم فادر في “الإمبراطورية ترد الضربة” بإقناع لاندو كالريسن بخيانة صديقه القديم هان سولو. ولأنها طبيعته، فإن فادر ينكر دوره. وعندما يشتكي كالريسن، يلتفت فادر إليه ويهمس في أذنه قائلاً: “إنني أقوم بتحوير الصفقة. صل لكي لا أقوم بتحويرها أكثر”.

ترجمة:عبدالرحمن الحسيني

صحيفة الغد