لم تكن بداية مبشرة. فيوم 24 آذار (مارس)، أعلنت الحكومة في بغداد عن بداية العمليات لاستعادة مدينة الموصل، ثاني كبريات المدن العراقية، من مجموعة الدولة الإسلامية “داعش”. وسارت المرحلة الأولى سيراً حسناً. واجتاحت قوة عراقية قوامها حوالي 5000 رجل بسرعة عدة قرى. لكن التقدم سرعان ما توقف خلال أيام قليلة، عندما أفضى هجوم معاكس شنه عدد لا يتجاوز 200 من مقاتلي “داعش” إلى خسارة قرية النصر والمرتفع العالي الذي تقع فوقه. وقتل في المعركة نحو 20 جندياً عراقياً. كما قتل جندي أميركي من قوات البحرية أيضاً جراء سقوط صاروخ على “قاعدة نار” أميركية صغيرة، كانت قد أقيمت لتوفير الدعم المدفعي، في تلميح إلى الدور الأميركي المتمدد في الصراع.
وفي الأثناء، ما يزال المسؤولون العراقيون يتحدثون بإيجابية عن طرد “داعش” إلى خارج الموصل قبل نهاية العام الحالي. وهي جائزة كبيرة: كان عدد سكان المدينة العربية السنية بشكل رئيسي مليوني نسمة عندما سقطت في يد “داعش” في حزيران (يونيو) من العام 2014، وهي المفتاح لاستعادة السيطرة على محافظة نينوى الشمالية. لكن الانتكاسة في قرية النصر كانت مدعاة إلى مراجعة الواقع. وتقول قيادة العمليات المحلية أن مجرد استعادة قرية النصر والاحتفاظ بها يحتاج إلى جلب المزيد من مقاتلي القبائل والشرطة.
يقر محللون عسكريون بأن هناك في الحقيقة فرصة ضئيلة لبذل محاولة منسقة لاستعادة الموصل قبل العام 2017. ويقول مايكل بريجنت، ضابط المخابرات السابق والذي خدم كمستشار لمقاتلي البشمرغة في العامين 2005/6 وعمل مع أبناء العراق خلال زيادة عديد القوات الأميركية في العراق في العام 2007 (ويعمل حالياً في المؤسسة الفكرية معهد هدسون)، أنه لم يتم استخدام قوة كبيرة بما يكفي لتنفيذ المهمة. ولن يتمكن من تنفيذها لواء عراقي يفتقر إلى القوة اللازمة، مع بعض المستشارين العسكريين الأميركيين. وتقر وزارة الدفاع الأميركية بأن هناك حاجة تمس إلى قوة لا تقل عن 40.000 جندي.
تبدو المشاكل كبيرة في الحقيقة. وتقدر المخابرات العراقية حجم القوة القتالية عند “داعش” بحوالي 10.000 رجل، مع أن الأميركيين يعتقدون بأن الرقم يتضاءل، نظراً لتعرض “داعش” لضغوط في أمكنة أخرى. ومهما كان الرقم الدقيق، فقد كان لدى “داعش” نحو عامين لبناء دفاعاته متعددة الطبقات. ويقول السيد بريجنت أنه بالرغم من أن هناك قوات من البشمركة القادرة بشكل معقول والمتركزة إلى الشرق من الموصل، والتي تستطيع مد يد المساعدة، فإن هذه الوحدات تتوافر على القليل من الاهتمام بمحاولة استعادة مدينة لن تكون أبداً جزءاً من كردستان، والتي سيتسبب وجود قوات كردية فيها بتوتر عرقي.
المسألة الشيعية
تنطبق نفس مكامن القلق على وحدات الحشد الشعبي التي يهيمن عليها الشيعة. ويدعي قادة هذه القوات أن السيطرة على الموصل ستكون مستحيلة من دون مشاركتهم. ومع ذلك، وعندما طردت قوات الأمن العراقية “داعش” من الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار السنية في جزئها الأكبر في وقت سابق من هذا العام، أمرت حكومة بغداد وحدات الحشد الشعبي التي تدرب بعضها في إيران، بالبقاء بعيداً، تحت ضغط من الأميركيين. وهم لا يريدون تكرار حالات الانتقام الطائفي التي أحاطت باستعادة مدينة سنية أخرى، تكريت، في العام الماضي.
ثمة مخاطر أخرى تكمن في إشراك وحدات الحشد الشعبي في الهجوم على الموصل. ففي مسح أجرته مؤسسة استطلاعات عراقية في شباط (فبراير) الماضي وشمل استطلاع آراء 120 مستجيباً في الموصل، قالت نسبة 74 % أنهم لا يريدون أن يحررهم الجيش العراقي الشيعي بشكل رئيسي، بينما قالت نسبة
100 % أنهم لا يريدون تحريرهم بأيد شيعية أو كردية. ولا يعني ذلك أن سكان الموصل يؤيدون “داعش” -فوفق مسح شمل البلد كله وأجري في كانون الثاني (يناير)، ثمة 95 % من العراقيين السنة يعارضونه. لكن ذلك يظهر أنهم خائفون على الأقل من محرريهم المحتملين كما يخافون من الذين يضطهدونهم. وهناك حل يكمن في جلب المزيد من المقاتلين السنة إلى داخل وحدات الحشد، لكنه سيكون من الصعب أن يتمكن 16.000 سني فقط من خلق التوازن في قوة تتكون من نحو 120.000 شيعي.
يقول السيد بريجنت أن القوة التي ستذهب إلى الموصل في نهاية المطاف يجب أن تكون سنية في معظمها. ويقول أنه يجب تجميعها من بين الجنود والضباط المدربين أميركياً والذين كان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي قد استبعدهم. ويشير إلى أن هناك ما يقدر بنحو 50.000 من هؤلاء الرجال، والذين يقيم بعضهم في مخيمات النازحين داخلياً، والذين سيكونون حريصين على الانضمام إذا عرض عليهم قبض بعض من رواتبهم بأثر رجعي.
ثمة عامل آخر في المعركة من أجل الموصل، هو حجم ودور القوات الأميركية. ومع أن الضربات الجوية تشكل قوة مؤثرة، فإن وزارة الدفاع الأميركية تقول إنها تريد إقامة المزيد من قواعد النار من نوع القاعدة التي تعرضت للهجوم في الشهر الماضي. وكان كل من وزير الدفاع، آشتون كارتر، والجنرال دنفورد رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية، قد وضعا خططاً يعتقد بأنها تشتمل، من بين أمور أخرى، نشر المزيد من القوات الخاصة وطائرات الأباتشي العمودية. وتستطيع هذه القوات العمل من قاعدة جوية جديدة في أربيل، والتي تبعد مسافة 20 دقيقة طيران عن الموصل، إذا سمحت لها السلطات الكردية بذلك.
ومع ذلك، يجب الحصول على موافقة البيت الأبيض. ومع أن تعهد باراك أوباما بعدم وجود “قوات برية على الأرض”، لكن هناك القليل من المؤشرات على أنه مستعد للموافقة على أي دعم عسكري بالقدر اللزم لاستعادة الموصل. وقد يتطلب ذلك الانتظار حتى انتخاب رئيس أميركي جديد –وهو سبب آخر لافتراض أن الموصل ستظل في قبضة “داعش” حتى العام المقبل.
كما أن للعدو صوتا في هذا الشأن أيضاً، في ساحة المعركة على الأقل. ويلاحظ باتريك مارتن، من معهد دراسة الحرب، المؤسسة الفكرية في واشنطن العاصمة، أن الموجة الأخيرة من هجمات “داعش” الانتحارية الأخيرة في الجنوب، تشير إلى أن استراتجيته ترمي الآن إلى زعزعة استقرار المحافظات الجنوبية، بحيث يتم الضغط على الجيش العراقي ووحدات الحشد الشعبي للحد من عملياتهم في الشمال والغرب. ويعرف “داعش” أن سقوط الموصل سيشير من الناحية الفعلية إلى سقوطه في العراق، ولذلك يحرص على تأجيل تلك اللحظة أطول فترة يستطيعها. وقد يخسر التنظيم الإرهابي قبضته الدموية على المدينة ذات يوم. أما متى وكيف وبأي كلفة سيتم تحرير الموصل، فهو ما ستكشف عنه الأيام.
ترجمة:عبدالرحمن الحسيني
صحيفة الغد