لا ينكر أحد أن هبوط أسعار نفط خام برنت إلى مستويات متدنية في بداية 2016 هي الدافع الحقيقي وراء تحرك المنتجين من أجل التوافق للتوصل إلى اتفاق لتثبيت الإنتاج، وفي هذا السياق فإن قريباً من 80% من إنتاج النفط في روسيا ممكن أن يكون تجاريا أو اقتصادياً عند أسعار نفط خام 20 دولار للبرميل، ويعزو البعض عدم تشجع روسيا للدخول في اتفاق دولي حول ضبط الإنتاج طوال عامي 2014 و2015 عندما اشترطت أوبك ذلك الي ارتفاع مستويات الأسعار خلال تلك الفترة، ولكن هبوط أسعار النفط الروسي إلى ما دون 25 دولار للبرميل في يناير 2016 هو الذي شجع روسيا الانضمام إلى جهود دولية مع السعودية وفنزويلا وقطر من أجل إبرام اتفاق لضبط الإمدادات بعد أن كان محرماً في السابق.
يذكر البيت الاستشاري “وود ماك” أن روسيا خسرت نتيجة هبوط الأسعار 26 مليار دولار في عام 2015، وبدأت فعليا تنظر في آليات تعينها لاستقرار ودعم الأسعار وتخفيف معاناة صناعة النفط والغاز الروسية من خلال رفع الضرائب، ومما دفع أيضا هو تنافس السعودية معها في الأسواق الروسية التقليدية في أوروبا، ثم لا ننسى أن ميزانية روسيا تم افتراضها على أساس أسعار نفط خام 50 دولارا خلال 2015، ولأول مرة وجدنا الموقف الرسمي لروسيا يدعو إلى مشاورات واستعداد للدخول ضمن اتفاق دولي لضبط المعروض في السوق النفطية لصالح أسعار النفط ، وضمان استقرار الإنتاج الروسي عند مستويات 10.8 مليون برميل يومياً وسط أجواء ضعف الأسعار و استمرار الحظر الأمريكي الأوروبي على روسيا.
وتقوم روسيا بتركيز الاستثمار في حقلي “فولغا”، و”غرب سيبيريا” وهما مسؤولان عن 80% من الإنتاج وذلك لضمان استمرار الإنتاج عند المستويات الحالية، علماً بان هناك توقعات للصناعة ومنها بنك غولدمان ساكس ان انتاج روسيا يشهد ارتفاعاً واضحاً في عام 2017 بمقدار 300 ألف برميل يوميا مع توقعات تعافي أسعار النفط.
وهو ما يعني أن روسيا لا تريد أن ترى أسعار النفط تهبط إلى ما دون 25 دولار للبرميل، وهذا الراي في ان مستويات متدنية للأسعار ليس في مصلحة أحد وتؤثر جدياً في المعروض سواء النفط التقليدي او النفط الغير تقليدية هو ما ذهبنا اليه سابقاً، وهو ما جعل عدد من المراقبين الاعتقاد بان مستويات أسعار النفط الخام التي برزت خلال شهر يناير 2016، قد لا تعود مرة أخرى حيث ان تمثل تحديا امام انتاج النفط في العالم.
ولا بد من التأكيد أن من الأمور التي ساعدت على تأخر تأثر صناعة النفط والغاز هو استفادتها من خفض قيمة الروبل امام الدولار خصوصاً ان الشركات الخدماتية هي محلية وليست عالمية، وقد جاء ضعف الروبل لصالح التوسع في نشاطها لتطوير النفط الروسي.
من المؤشرات التي تشير بشكل واضح على مرحلة التعافي هو تحول هيكلة أسعار النفط باتجاه “الباكورديشين”، وهو ارتفاع أسعار النفط حالياً مقابل الأسعار في المستقبل، والذي يأتي في وقت تأثر الإنتاج في عدد من المناطق وتأثر عدد من المصافي، ولكن هذا التحول كما يتوقعه الكثير انه أقرب ان يحدث بشكل متواصل واضح خلال الربع الأخير من العام ليشجع سحوبات من المخزون ويدعم تعافي للأسعار.
والسؤال لماذا لا يتحول السوق الي الباكورديشين بشكل متواصل؟ وتأتي الإجابة بان توقعات تواصل ارتفاع الإنتاج من المنتجين خصوصا من الأوبك بشكل يفوق الانخفاض من خارج الأوبك خصوصا من النفط الصخري.
طبعاً تطورات السوق تدفع بالمنحنى السعري للاستقامة مع تقلص حالة الكونتانغو، والاتجاه لتحقق الباكورديشين وبالتالي يبقى السوق في حالة من التذبذب الي حين تأكيد التغير في اساسيات السوق بوتيرة أكثر وضوح لدعم مسيرة تعافي أسعار النفط.
وتبقى الورقة التي يراقبها السوق بشغف هي انتاج ايران من النفط الخام ، وقد حقق ارتفع من 2.9 مليون برميل يوميا في شهر يناير 2016 ليصل الي 3.3 مليون برميل يومياً في شهر مارس 2016 (أي زيادة مقدارها 400 الف برميل يومياً) ، وقد بلغت مبيعات ايران من النفط الخام 1.1 مليون برميل يوميا في عام 2014 ، ووصلت الي 1.2 مليون برميل يومياً في عام 2015 ، ومن المتوقع ان يرتفع ليصل الي 1.7 مليون برميل يومياً في عام 2016 ، علما بان غالب مبيعات ايران من النفط ينتهي بها في الأسواق الأسيوية (الصين ، الهند ، كوريا ، واليابان) ، وأوروبا وتعتبر السوق الأوروبية هي المنفذ النهائي لغالب الفائض من إيران، و يرى العديد من المراقبين ان الإعلان ان انتاج ايران ممكن ان يصل الي 4 ملايين برميل يوميا قبل المؤتمر الوزاري للأوبك بأنه امر إيجابي على أسواق النفط وأسعار النفط لان قد يفضي الي توافق جديد على هامش فعاليات المؤتمر الوزاري للأوبك في 2 يونيو 2016 تدخل فيه ايران خصوصا مع استمرار تحرك روسيا في هذا الاتجاه ، ورغم انه لا يمثل تناقص في المعروض في السوق ولكنه للسوق يمثل اشارة الي تعاون ما بين مختلف المنتجين يخفف من حدة التنافس ما بين المنتجين والذي تغذي قلق الأسواق وتذبذب الأسعار، وهذا ما تنتظره الأسواق لأنه يدعم تعافي أسعار النفوط خصوصا مع توقعات وضوح تحسن أساسيات السوق النفطية خلال النصف الثاني من عام 2016 مع خفض في الإنتاج من خارج الأوبك ، وتأثر الإنتاج في بعض بلدان الأوبك واستمرار تأثر الإنتاج من بحر الشمال ، واجراء سحوبات من المخزون النفطي باتجاه التوازن.
وختاماً فإن تعافي أسعار نفط خام الإشارة برنت الي مستويات قياسية ومرشحة وفق للعوامل الفنية بانها قد ترتفع الي مستوى 53 دولار للبرميل خلال الأسبوع الحالي وهو مرهون باستمرار ضعف الدولار الأمريكي والذي كان الدافع الرئيسي وراء تحقق هذا الارتفاع ويساعد في ذلك تأثر الإنتاج في عدد من مناطق الإنتاج، ولكن السوق سيكون في انتظار الإعلان عن تقديرات انتاج الأوبك والتي ستساهم عموما في مسار الأسعار.
وعلى العموم فإن اساسيات السوق قوية نسبياً ولذلك فإن الأسعار قوية، واعتقد كما يرى المراقبون بانها مرشحة للهبوط والتذبذب عندما تنتهي العوامل الرئيسية التي تعزز الارتفاع، وان هذا يعزز من بقاء أسعار نفط خام برنت حول 40 دولار للبرميل خلال الأشهر القادمة ولكن تحسن برنت والمحافظة على مستويات أفضل عند 50 دولار له حظوظ أكبر خلال الأشهر أكتوبر – ديسمبر 2016 (تعادل 45 دولار للبرميل للكويتي)
* محمد الشطي
نقلا عن العربية نت