لم يجفَّ الحبر الذي كتبت به المنامة قرارَ سحب جنسيتها من رجل الدين الشيعي عيسى قاسم، حتى سارعت إيران لتقديم خدمة ذهبية فريدة لها تغنيها عن تبرير قرارها السيادي المحض، بدأتها وزارة الخارجية الإيرانية بالدفاع المستميت عن قاسم و«أدانت» القرار «التعسفي»، وتبعها علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى بأن «البحرين وضعت حدًّا لإنهاء نظامها بسحب جنسية قاسم»، واعتبرها «جريمة ضد الإنسانية». في حين كان الدعم الأكبر للحكومة البحرينية آتيًا من قاسم سليماني، نعم سليماني الذي يقود ميليشيات طائفية في العراق وسوريا، بعدما هدّد صراحة بأنه «ستظهر مقاومة مسلحة في البحرين، بعد تجريد عيسى قاسم من الجنسية»، وأنها ستكون «دامية»، مهددًا بثورة قادمة، وأنه «ستكون هناك أعمال عنف»، وبعيدًا عن كون هذه التصريحات والمواقف السياسية ليس لها تعريف قانوني أو دبلوماسي سوى أنها تعبر عن السياسة الإيرانية بحذافيرها، فإنها تقدم دليلاً دامغًا آخر على أن إيران تتدخل في شؤون جيرانها الداخلية بلا خجل، بل وتدعم ثورة مسلحة وعلى مرأى ومسمع العالم، وهو ما لا تفعله أي دولة أخرى.
فعلاً وجب على الحكومة البحرينية أن تشكر نظيرتها الإيرانية على خدمتها الجليلة هذه، وعلى قاعدة المثل العربي الشهير: «من فمك أدينك».
صحيح أن سحب الجنسية من أي مواطن لا أراه حلاً، ويجب عدم الإسراف في استخدامه، لكن هل من مبادئ الحقوق الإنسانية التغاضي عن شخص والى دولة تدعم «الفوضى» في ما يفترض أنها بلاده؟ هل ينبغي على البحرين أن تتفرج على قاسم وهو يفرّق بين مواطنيها بحسب مذاهبهم، ويخالف القانون، ويضر بالسلم الأهلي؟ هل تصرف المنامة النظر عن تطبيق قوانين مكافحة الإرهاب فقط حتى تثبت أنها تطبق إصلاحات سياسية؟ المواطنة حقوق وواجبات يجب على الجميع مراعاتها، ولا أحد فوق القانون أو خارج إطار المساءلة، وأمن أي دولة وسلامة شعبها أولى الأولويات، وعيسى قاسم قاد تنظيمًا يعمل في إطار مرجعية دينية خارجية تخالف أحكام الدستور والقانون، ويتعرض بالإساءة إلى طوائف البحرين، ويضرب النسيج الاجتماعي، ويستهدف الوحدة الوطنية، ما قامت به البحرين هو جزء من محاربة آفة الإرهاب، ومن الضروري قطع الطريق على محاولات تشويه صورتها، وتزييف الحقائق وإنكار جهودها في محاربة الإرهاب، ليس لحماية نفسها فحسب، بل لحماية المنطقة بأسرها التي تتجرع كل يوم من ويلات الإرهاب.
ولأن العالم أضحى أرضية خصبة للتناقضات الصارخة، جاءت ردود فعل من دول معيّنة على قرار سحب جنسية قاسم، الذي تتهمه البحرين بـ«التشجيع على الطائفية والعنف»، والتسبب «في الإضرار بالمصالح العليا للبلاد»، باعتباره «لم يراعِ واجب الولاء لها»، مثيرة للاستغراب، فهذه الدول الغربية التي تنتقد البحرين لسحبها الجنسية من شخص له قرائن تثبت دوره في التشجيع والتحريض على العنف والكراهية، هذه الدول نفسها لها سجل حافل في استخدام وسيلة إسقاط الجنسية لأسباب سياسية عن مواطنين اكتسبوا الجنسية، لكنها عندما رأت خطورتهم على أمنها لم تتردد في استخدام حقها السيادي، وكأنه كتب على دول الغرب أن تعطي المحاضرات في الحقوق والإنسانية والمبادئ، ولا تتفهم مبررات الآخرين، وعندما يأتي الدور عليها فإنَّ لها كل الحق في أن تكافح الإرهاب، وتحمي أمنها واستقرارها.
آن لحكومة المنامة أن تمدّ قدميها، فليس لها أن تشرح وتوضح وتبرر قرارها بسحب جنسية عيسى قاسم، يكفيها دعوة إيران الاستفزازية لثورة في المملكة البحرينية. المواقف الإيرانية كانت أفضل مرافعة للقرار البحريني.
سلمان الدوسري
صحيفة الشرق الأوسط