أضحت خارطة الميليشيات المسلحة في سوريا بالغة التعقيد، في خلفياتها السياسية وادعاءاتها الفكرية، وفي مرجعياتها وبالأحرى تبعيتها، كما بالنسبة إلى مناطق انتشارها، ومدى نفوذها، أو دورها في رسم خارطة الصراع على الأرض. القصد أن الصراع في سوريا لم يعد يقتصر على النظام والمعارضة، فهذه تقسيمة باتت وراءنا بعد كل ما جرى في السنوات الماضية، فنحن اليوم، مع معادلة الصراع على سوريا، إزاء طبقات عديدة من الصراع، وتاليا إزاء أطراف عديدة، لم تعد فيها ثنائية نظام ـ معارضة تكفي للتوصيف. في عرض لخارطة الميليشيات المتصارعة يمكن ملاحظة الفصائل الآتية:
1 – قوات النظام، وهذه باتت بدورها بمثابة ميليشيا، لأنها تشتغل وفقا لطريقة الميليشيات، مع امتلاكها لأسلحة صاروخية ودبابات وطائرات، وأيضا لأن ثمة وحدات غير نظامية تشتغل كرديف لها، تنحدر من البيئات الموالية للنظام.
2 – الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وألوية النجباء وفاطميون وأبوالفضل العباس وغيرها من الميليشيات التي تشتغل كذراع لإيران، من لبنان والعراق وأفغانستان بالاعتماد على عصبة طائفية شيعية.
3 – القوات الجوية الروسية التي تشتغل بطريقة القصف، مع وحدات عسكرية مساندة لقوى النظام على الأرض في بعض المناطق.
صحيح أن هذه القوى متآلفة مع بعضها، في مناوءتها ثورة السوريين، وإمعانها القتل فيهم، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت نوعا من خلافات في ما بينها، تجلى في تخفيف الغطاء الجوي الروسي لتلك الميليشيات، الأمر الذي أدى إلى تراجعها وتعرضها إلى خسائر كبيرة في الرقة وحول حلب، وكأنت روسيا تريد أن تقول لإيران، في هذه الحركة، إنها هي التي تمتلك الورقة السورية، وأن إيران أصغر من أن تنازع روسيا هذه الورقة، فيما إيران تصور بأنها هي صاحبة القرار في سوريا وأن الفضل يعود لها ولميليشياتها اللبنانية والعراقية في صمود النظام حتى الآن.
مقابل هذه الجبهة ثمة فصائل المعارضة العسكرية، وهي تتألف من:
1 ـ فصائل الجيش الحر.
2- فصائل إسلامية معارضة. ويجدر التذكير بأن هذه جبهة تغلب فيها كفة الفصائل الإسلامية على كفة الجيش الحر بسبب القيود الموضوعة على دعمه وتسليحه، وبسبب تدفق الدعم على الجماعات الإسلامية.
في مقابل هاتين الجبهتين المتعارضتين ثمة جبهة النصرة، التي تعود مرجعيتها إلى تنظيم القاعدة، وثمة تنظيم داعش، وهما جبهتان تتمتعان بقدرات كبيرة، علما أن النواة القيادية في كل منهما يغلب عليها العنصر الخارجي (الأردن وتونس والخليج بالنسبة إلى الأولى والعراق بالنسبة إلى الثانية)، ناهيك أن هذين التنظيمين يتصارعان في ما بينهما، كما أنهما يشكلان أضرارا بثورة السوريين، بخطاباتهما وشكل عملهما، فضلا أنهما لا يعتبران نفسيهما جزءا من الثورة السورية، وكل منهما له أجندته الخاصة، وفي الأخير فهما يشكلان نوعا من ثورة مضادة، وقد شهدنا أن النظام يدرك ذلك، ويحاول الترويج إلى أنه يحارب الإرهاب، لذا فهو لم يستهدف داعش إلا بقدر لا يمس به.
شهدنا مؤخّرا صعود “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تستند أساسا إلى وحدات حماية الشعب الكردية، وهذه القوة باتت تحرز نجاحا ملموسا بحكم الدعم الدولي المقدم لها، لكن هذه القوات مازالت لم تحتك بقوات النظام، ناهيك أن المعارضة السياسية مازالت تبدي بعض الشبهات بخصوص تشكيلها ودورها، الأمر الذي يفترض حث الجهود لإيجاد توافقات حول المسألة الكردية في سوريا، بما يحفظ خصوصيتها القومية، وبما يصون وحدة شعب وأرض سوريا.
أخيرا يأتي دور قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب، وهي تقوم بضربات جوية على مواقع داعش، فضلا عن تسرب بعض الأخبار التي تشير إلى تواجد عسكري بري لكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا في سوريا، بدعوى مواجهة الإرهاب، وعلى أي حال فإن دور هذه القوات لا يبدو حاسما أو جادا إلى الدرجة المناسبة.
كل واحدة من هذه القوات لها أجندتها السياسية المختلفة عن الأخرى حتى المتحالفة معها، وهذا يصح على القوى المساندة للنظام والمعادية للثورة، كما يصحّ على القوى “الصديقة” للثورة. فوق ذلك فقد شهدنا اشتباكات بين أطراف كل معسكر، واشتباكات بين أطراف هذا المعسكر والمعسكر الآخر.
ويبقى السؤال للمستقبل: كيف ستتقاطع قوى كل معسكر مع بعضها؟ وكيف ستتقاطع مع قوى معسكر الخصم؟ لأن ذلك هو الذي سيحدد مستقبل شعب سوريا والدولة السورية.
ماجد كيالي
صحيفة العرب اللندنية