شكّل يوم تعيين هيلاري كلينتون في شكل حاسم لتمثّل الحزب الديموقراطي في الانتخابات الرئاسيّة الأميركية لحظة تاريخيّة بلا شك، كونها أوّل امرأة مرشّحة عن حزب أميركي رئيسي، ويُحتفى بها بحق بين النساء المؤيّدات لها. لكنّ يوم النصر سرعان ما انتهى، ومرّ الوقت، جالباً معه مجموعة جديدة من المشكلات، بما يشمل وابلاً من الهجوم الكلاميّ العنيف الذي شنّه خصمها الجمهوري دونالد ترامب، وسلسلة من الأسئلة الصعبة حول استعمالها عنوان بريد إلكتروني خاصّ أثناء أدائها مهمات وزيرة الخارجيّة، ناهيك عن أنشطة زوجها، الرئيس السابق بيل كلينتون، بدءاً بإقامته علاقات شخصيّة عابرة، ومروراً بإدارته «مؤسسة كلينتون» التي تحقق أرباحاً استثنائيّة، بمساعدة هبات عملاقة حصل عليها من أشخاص يمثّلون مصالح عدد من أثرياء العالم، ممّن يسعون للتقرّب من أصحاب النفوذ في واشنطن العاصمة.
هذه الأجواء السياسيّة جديدة كلّياً على هيلاري كلينتون ومؤيّديها، المفتقرين إلى الخبرة في إدارة ما سارع دونالد ترامب في اعتباره «سؤال المرأة»، حول ما تفعله كلينتون للظهور كامرأة قاسية ومفعمة بالأنوثة في آن، وهي مشكلة تتجلّى منذ الآن، مع ارتفاع مستويات رفضها، لا سيّما بين الرجال.
لكنّ كلينتون تملك صفات تلعب دوراً لمصلحتها، كطاقتها وقدرتها الخارقة على الاستمرار، وخير دليل على ذلك الأسابيع التي أمضتها في الإدلاء بشهادتها أمام مجلس الشيوخ خلال «جلسات استماع بنغازي»، التي تناولت مقتل السفير الأميركي الجديد في ليبيا في العام 2012، من دون أن ننسى طبعاً أنّ هيلاري كلينتون خاضت منافسة ضارية ضدّ باراك أوباما في العام 2008، وبنظر الكثيرين، بما يشمل الرئيس نفسه، تشكّل خلفاً طبيعيّاً لهذا الأخير.
لا مانع طبعاً من اتّخاذ هيلاري بعض الخطوات الواضحة لتبدو أكثر جاذبيّةً، فتحدّ مثلاً من عدد الخطابات الرنّانة أمام الجماهير الحاشدة، وتتفرّغ أكثر للعموم، عبر تكثيفها المؤتمرات الصحافيّة – لا سيّما أنّها لم تنظّم أيّ مؤتمر صحافي منذ ستّة أشهر. إلى ذلك، قد تشرع في إقناع زوجها بإقفال «مؤسسة كلينتون»، بغضّ النظر عن مدى احتجاجه الشخصي على الموضوع.
تكثر الدروس التي يمكن تعلّمها من أداء نساء كثيرات سبق أن ترأسن دولاً أخرى، بما يشمل نساء يحظين بقدر كبير من الاحترام، على غرار أنغيلا مركل في ألمانيا، ناهيك عن الدروس الإضافيّة التي يمكن تعلّمها من العلاقات الجديدة التي تنشئها كلّ منهنّ مع زوجها، ويكون قد تحوّل إلى مرافقها، ويرغَم على الظهور علناً، لكن من دون أن يختطف كلّ الأضواء، وهي مسألة أساسيّة متى اتّصل الأمر ببيل كلينتون المعروف بسلوكه الفاضح.
وأخيراً، يمكن توقّع حصول كلينتون على مزيد من المساعدة، كلّما لزم الأمر، من عدد كبير من النساء المنتخَبات من الشعب، ممّن سبق ووصلن إلى مناصب عالية، بما يشمل مثلاً سيناتور ولاية ماساتشوستس إليزابيث وارن. بيد أنّ سؤالاً محيّراً يبقى قائماً، حول ما إذا كانت كلينتون ستعمد في النهاية إلى تعيين وارن كنائب لها. فمن جهة، سيشكّل وصول امرأتين إلى أعلى المناصب إعلاناً مهماً حول حق المرأة في المشاركة على رأس الحكومة الأميركية. ومن جهة أخرى، ثمّة مشكلة، وهي أنّ وارن أقرب بكثير، إيديولوجيّاً، من المنافس الديموقراطي الرئيسي لكلينتون، بيرني ساندرز، ولديه مؤيّدون بالغو الحماسة، يؤمنون حتّى الآن، ومهما عاكستهم الظروف، بأنّه لا يزال يملك فرصة في التغلّب على كلينتون والفوز بترشيح الحزب خلال تجمّع فيلاديلفيا في تمّوز (يوليو) المقبل.
يجعل هذا كلّه مصادقة باراك أوباما على ترشّح هيلاري كلينتون أكثر أهمّيةً من ذي قبل. ومع أنّ أوباما يعتبر هيلاري كلينتون أفضل شخص يصادق على أهمّية السياسات التي أطلقها، بما يشمل إخراج الاقتصاد من ركود العام 2008، وضمان استمرار هذه السياسات، يدرك أيضاً أخطار استبعاد مؤيدي ساندرز، الذين سيكون وجودهم ضروريّاً عند الاقتراع في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر). ويعني ذلك أنّه لا بدّ من إيجاد مكان لساندرز شخصيّاً في حملة هيلاري كلينتون، ليكون ممتنّاً لمشاركته الأساسيّة في تسليط الضوء على بعض المسائل، كعدم مساواة الدخل والبطالة، والارتقاء بمكانتها على جدول أولويّات الأجندة السياسيّة للحزب الديموقراطي.
ويبقى سؤال نهائي بالغ الأهمية، حول ما إذا كانت بدعة وصول امرأة إلى سدّة الرئاسة ستؤدي أيضاً إلى تبوؤ عدد أكبر من النساء مناصب على رأس مؤسسات معروفة بسيطرة الرجال عليها، بما يشمل «وكالة الاستخبارات المركزية»، ووزارة الدفاع، ووكالة الفضاء «ناسا»، ناهيك عن أهمّ المعاقل التجاريّة، كمصارف «وول ستريت» أمثال «جاي بي مورغان» و «سيتي غروب»، حيث قلّة قليلة فقط من النساء وصلت إلى المجالس الحاكمة. لكنّ ثمّة استنتاجاً سهلاً توصّلنا إليه، وهو أنّ ملايين النساء الشابّات سيتحلّين بجرأة أكبر مع فوز هيلاري كلينتون، بغضّ النظر عن آرائهنّ السياسيّة، وسيحظين أخيراً بفرصة لتخطّي ما تسمّيه كلينتون نفسها «السقف الزجاجي»، الذي يمنع المرأة من السعي لتحقيق كامل قدراتها في القطاع العام الأوسع نطاقاً.
سأختتم المقال برأي شخصيّ محض، وأقول إنّه بصفتي والداً لابنتين، أرى فوز هيلاري كلينتون بعين ملؤها الإيجابيّة، وستتأتى عن العمليّة، وعن صراعها مع ترامب ومواقفه السياسيّة المنحازة صراحةً ضدّ المرأة، أجواء حافلة بالدراما يوميّاً، بالقَدر الذي يتمنّاه أيّ قارئ صحف أو مُشاهد برامج حواريّة مسائيّة على شاشة التلفزيون. وأكثر من ذلك، ونظراً إلى انجذاب هذا العدد الكبير من الناخبين إلى كلينتون، وبغض النظر عن رأي الناس فيها، يُعتبر فوزها مضموناً إلى حدّ ما في نهاية المطاف.
روجر أوين
صحيفة الحياة اللندنية