يشير الهجوم المأساوي على ملهى ليلي في أورلاندو الذي استهدف المثليين جنسياً، إلى أن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») وذئابه المنفردة يسيرون على وتيرة متوافقة ويسبقون منافسيهم الجهاديين. فالتنظيم يتبنى العقاب كأداة سياسية لبث رسالته السياسية وترسيخها والتفوق على زملائه الجهاديين.
ويختلف تنظيم «الدولة الإسلامية» عن غيره من الجماعات المتطرفة، ليس فقط لأنه يشجع على الجهاد، بل لأنه يطبق قانون العقوبات الإسلامي، في الجَلْد وعقوبة الإعدام على وجه التحديد.
ويمكن القول إن الترويج للعنف الذي يتبعه تنظيم «داعش» في دعايته – رمي مثليي الجنس من أسطح المنازل بسبب “مذهب المتعة” [الذي يعيشونه]، وحرق طيار أردني بتهمة “الردة”، وذبح الأقباط بسبب “الشرك” [الذي أدانه الرب] – هو من أسلوب مختلف عما شهدناه سابقاً ويمكن تشبيهه بنوع من الإرهاب “العقابي”. وهذا النوع من العنف هو الذي يمنح تنظيم «الدولة الإسلامية» علامته التجارية الفريدة ويستحث الصرخات من رؤساء الدول العربية وليس فقط من نظرائهم في الدول الغربية.
لقد كان الكثير مما فتئ الغرب يتوقعه من الجهاديين هو وقوع هجمات إرهابية واسعة النطاق على رموز القوى المالية والسياسية والعسكرية الغربية (الهجمات التي وقعت عام 1993 على “مركز التجارة العالمي”، هجمات الحادي عشر من أيلول، إطلاق النار في فورت هود) أو على “أهداف سهلة” في المراكز المدنية الكبرى (تفجيرات قطار مدريد من قبل تنظيم «القاعدة» في عام 2004، وتفجيراته في “قطار الأنفاق” في لندن عام 2005، وهجمات «بوكو حرام» في مراكز التسوّق عام 2014). ويقيناً أن تنظيم «داعش» قد وجّه وألهم قيام هجمات مماثلة على الأهداف السهلة في باريس وبروكسل وسان برناردينو.
ومع ذلك، يشير الهجوم الذي وقع في أورلاندو، إلى تخلّي تكتيكات تنظيم «الدولة الإسلامية» في الغرب عن الأشكال “التقليدية” للنشاط الإرهابي. فتنظيم «داعش» يسعى الآن وراء إنزال العقاب، وللأسف قد يتبع ذلك قيام التنظيم بالمزيد من الهجمات على غرار حادث أورلاندو. ومهما كانت الخلفية الشخصية لعمر متين، فقد استهدفت جريمته التي أُلهِمت من عمليات تنظيم «داعش» الى معاقبة مثليي الجنس من الرجال. وبقدر ما يعاقِب هذا الهجوم بعض الأفعال الجنسية المثلية بالإعدام وفقاً للشريعة الإسلامية، فإنه يشبه نسخة لإرهابي مجرم وخطير يفرض عقوبات الجَلْد والإعدام المستمدة من الشريعة الإسلامية.
وفي الواقع، فإن حملة إطلاق النار الطائشة التي قام بها متين تتوافق مع أنشطة تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا وهدف التنظيم في إجبار المجتمع [على السير] وفقاً لفهمه للإسلام. ويتم التعبير عن ذلك من خلال تطبيق عقوبات الجَلْد والإعدام – وحتى الآن أعدم تنظيم «داعش» ما يقرب من اثني عشر رجلاً يُشتبه بارتكابهم أنشطة الجنس المثلي.
إن اهتمام تنظيم «الدولة الإسلامية» في عقاب الجَلْد له جذور في السرد الأصولي السني. فالجهاديون يدعون أن المجتمعات الإسلامية (وخاصة الدول ذات الغالبية المسلمة) قد ضلت طريقها باعتمادها “القوانين البشرية”، وبالتالي أصبحت تشارك الرب (الذي له وحده الحق في التشريع). وعبر قيامها بذلك، فإن هذه المجتمعات الإسلامية وحكوماتها قد ارتكبت الردة من خلال نسب [أعمالها] كمشاركة لله، وبالتالي تبنت الإشراك بالله.
وهنا يأتي دور تنظيم «الدولة الإسلامية». فعلى عكس الجماعات الجهادية الأخرى، يسعى تنظيم «داعش» إلى إقامة “دولة إسلامية” وتوسيعها. إن الفرض المنهجي لما يؤمن قادة التنظيم بأنه كان الإسلام الذي مارسه النبي محمد وأوائل أتباعه السنة هو الذي يشكل أولوية قصوى للتنظيم.
وقد كان هذا الاختلاف في الأولويات، في صلب الخلاف بين تنظيم «القاعدة» برئاسة أسامة بن لادن، الذي دافع عن وحدة الصف بين المسلمين لمحاربة الغرب، وبين تنظيم «القاعدة في العراق» (وفي وقت لاحق تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق») برئاسة أبو مصعب الزرقاوي، الذي دعا إلى تطهير المجتمع المحلي من الشيعة و”المنحرفين” السنة (أي الصوفيين والسنة التقليديين وغيرهم). وقد تحوّل مقاتلو الزرقاوي في وقت لاحق إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»، وأقاموا الخلافة المعلنة ذاتياً في العراق وسوريا في حزيران/يونيو 2014.
وبعد مرور عامين على خلافته، ومرور عدة أشهر على اتّباع اسلوب التوجيه أو إعطاء الإلهام لشن هجمات مروّعة على “أهداف سهلة” في أوروبا والولايات المتحدة، يشير الآن تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى نيته بدء موجة جديدة من أعمال العنف في الغرب لتطبيق “العقاب” على تعبيرات “الانحراف القانوني عن الإسلام”. ووفقاً للوثائق المتسربة الخاصة به حول هذا الموضوع، تشمل هذه الأعمال التي “تعاقَب” من قبل تنظيم «داعش»، شرب [الخمر] والمثلية الجنسية والسرقة والزنا والكفر والردة.
وبطبيعة الحال، سوف تعتمد كيفية تعريف التنظيم لهذه “التجاوزات” والأساليب التي يختارها لـ “معاقبتهم”، على استراتيجية الجماعة كمنظمة إرهابية – فوحشية تنظيم «الدولة الإسلامية» تهدف إلى معاقبة “السلوك المنحرف” بقدر ما تهدف إلى إجبار السكان على الرضوخ والإذعان في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم، وتجنيد آخرين من الخارج للانضمام إلى قضيته.
سوف يدعم تنظيم «الدولة الإسلامية» شن المزيد من “الهجمات العقابية” على غرار حادث أورلاندو، بل سيقوم بتوجيهها عندما يكون الأمر ممكناً، في الوقت الذي يسعى إلى فرض نفسه على أنه السلطة الوحيدة التي تتمتع بالصلاحية لتطبيق “الشريعة الإسلامية” في أراضي المسلمين، وفي الغرب أيضاً.
يعقوب أوليدروت
معهد واشنطن