تتعهد ما تدعى “الدولة الإسلامية” بأنها ستبقى وتتوسع. لكنها تنكمش في حقيقة الأمر. كيف يعتقد أنصارها أنهم سيتمكنون من الاستدامة؟ هذا ما يقوله واحد منهم.
* * *
مع استثناءات نادرة، عادة ما يحجم أعضاء “داعش” النشطون عن التحدث إلى الصحفيين الغربيين. وكان سبب استثمار التنظيم بكل هذه الكثافة في أسلحة الإعلام والدعاية هو أن عقيدتها –”اسمعوا منا، وليس عنا”- مصممة لكي تظهر للمنافسين والمجندين المحتملين أن ما تقوله الصحافة الصليبية-الصهيونية كله أكاذيب في أكاذيب. ويمكن فهم الحقيقة الميتافيزيقية الأعلى لتنظيم “داعش” فقط بالانضمام إليه أو الاستماع إلى ما يقوله مجاهدوه.
على مدى بضعة أسابيع، كنت على اتصال بواسطة وسيط مع رجل سوف أسميه أبو جهاد، والتي حاولت خلالها إقناعه بالتحدث إلى صحفي أميركي. وقد وافق على مضض، لكن أبو جهاد طلب -كجزء من الاتفاق- أن لا أكشف عن هويته الحقيقية أو عن دوره الحالي في المنظمة، بعيداً عن ملاحظة أنه لا يحتل بأي حال مركزاً رفيعاً -ولا حتى متوسطاً. إنه مواطن ومستخدم لدى الخلافة معاً، والأهم أنه يعيش في عاصمتها بحكم الأمر الواقع، مدينة الرقة السورية.
كنت مهتماً بشكل أساسي باستنطاق العقل الأسير الذي ينطوي عليه مؤمن حقيقي بفكر التنظيم. بماذا يفكر إزاء خسارة جماعته الآن مدينة بعد مدينة، وبلدة بعد بلدة في كل من سورية والعراق؟ وكنت قد قابلت في السابق منشقين عدة من “داعش”، والذين قدموا وجهة نظر صريحة غير مصقولة -وربما انتقائية- عن رفاقهم السابقين بعد فترة طويلة من قولهم وداعاً لكل ذلك. ولكن، ما الذي يحفز أحداً على المكوث هناك، والبقاء تابعاً مخلصاً لأبو بكر البغدادي، حتى في هذه الأوقات العصيبة؟
وعدت أبو جهاد أن أسجل إجاباته كاملة. وحيث يتعارض ما يقوله بوضوح مع الحقائق الواضحة المثبتة، أضفت تعليقاتي الخاصة بين أقواس. وكان الحوار كما يلي:
الديلي بيست: ما هي طبيعة عملك مع الدولة الإسلامية؟
أبو جهاد: شغلت وظائف مختلفة، وليس مهماً في الحقيقة ماذا يكون مركزك خلال زمن الحرب. سوف ترى القضاة والعلماء والأطباء والممرضين، كلهم في الخندق نفسه يحاربون عدو الله.
الديلي بيست: حسناً، ماذا كنت تعمل قبل الثورة السورية، ومتى وصلت إلى البلد؟
أبو مجاهد: أنا أصلاً من غزة، لكنني ولدت وترعرعت في الكويت. ثم أُجبرنا (عائلتي) على المغادرة خلال حرب الخليج الأولى، ولذلك ذهبنا إلى مصر. وذهبت إلى المدرسة هناك وتخرجت من كلية في مصر. ذهبت إلى سورية في أوائل العام 2012.
الديلي بيست: ما مدى التزامك بفكر الدولة الإسلامية ونظرتها العالمية؟ هل انضممت إلى المنظمة مباشرة أم أنك انشققت عن جماعة ثورية أو جهادية أخرى؟
أبو مجاهد: انضممت في البداية إلى جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة الرسمي في سورية، والذي غير اسمه الآن إلى “جبهة فتح الشام”)، وخلال القتال بين النصرة و”داعش” (في أوائل العام 2014)، انضممت إلى تنظيم الدولة الإسلامية لأنني عرفت أنه على وشك إعلان ولادة الدولة الإسلامية. لم تكن لدى جبهة النصرة أي رؤية واضحة.
الديلي بيست: كيف يبدو العيش في الرقة الآن؟ ما هي تأثيرات الحرب التي يشنها التحالف على المعنويات والانضباط؟
أبو مجاهد: الحمد لله الذي أعطانا الفرصة في حياتنا لنرى تشكيل الدولة الإسلامية. الرقة هي عاصمة الدولة الإسلامية وسوف تكون كذلك على الدوام. لدينا حياة إسلامية جيدة هنا. صحيح أننا نتعرض لبعض الضربات الجوية بين الحين والآخر، لكننا مسلمون، وكنا نعرف أنه لن يكون من السهل علينا تأسيس دولتنا. كنا نعرف أننا سنعاني وسوف نواجه المصاعب على طول الطريق.
إذا نظرتم إلى إنشاء أي دولة في الماضي، ستجدون أنه كان عليها أن تمر بما نمر نحن به الآن. الولايات المتحدة، على سبيل المثال، خاضت حرباً أهلية للعديد من السنوات قبل أن تأخذ الشكل الذي هي عليه اليوم. وفرنسا أيضاً، مرت بثورة لمدة 30 عاماً. وقد أعلنا نحن تواً دولتنا الإسلامية قبل سنتين، والآن -كما ترى- يقف العالم كله ضدنا، ومع ذلك نقوم بتوسيع منطقتنا ونحن موجودون في كل أنحاء الكوكب.
(ملاحظاتي: في الواقع، فقد “داعش” نحو نصف مناطقه التي كان يسيطر عليها في تموز (يوليو) من العام 2014 في العراق، ونحو خُمس ما كان يسيطر عليه في سورية في ذلك الوقت. وبذلك، أسس التنظيم “ولايات” في شبه جزيرة سيناء، وليبيا (حيث أصبح الآن في موقف حرج أيضاً)، وفي أفغانستان، وروسيا وغيرها. وكانت موجة هجماته الإرهابية في الغرب وآسيا وبلدان أخرى في الشرق الأوسط موضوعاً لعناوين الأخبار العالمية طوال العامين 2015 و2016).
الديلي بيست: كيف ترى الدعم الداخلي للدولة الإسلامية بين أهل الرقة؟
أبو مجاهد: أهل الرقة هم سكان عاصمة الدولة الإسلامية، وهم يحبون الطريقة التي يعيشون بها، بأمن وسلام. بعضهم غادروا، لكن معظمهم لن يبدلوا مدينتهم بالعالم كله.
(ملاحظاتي: لم تكن هناك “صحوة” شعبية على مستوى الجذور لمعارضة “داعش” في الرقة، مع أن هناك جيوباً ملحوظة للمقاومة المناهضة للتنظيم، خاصة من نشطاء منظمتي “الرقة تُذبح بصمت” و”عين على الرقة”، اللتين يجري القبض على أعضائهما وقتلهم، إما في سورية أو في جنوب تركيا. ويبقى مدى دعم أهل الرقة لـ”داعش” غير معروف في الحقيقة، ولن يصبح كذلك حتى يتم طرد الجيش الإرهابي من المدينة).
الديلي بيست: فقدت الدولة الإسلامية العديد من قادتها في السنتين الأخيرتين، بمن فيهم أبو علي الأنباري، وأبو مسلم التركماني، والآن أبو عمر الشيشاني. من هم الذين حلوا محلهم، وهل تعتقد أن قتلهم سوف يؤثر على مستقبل الدولة الإسلامية؟
أبو مجاهد: قتل كبار قادة الدولة الإسلامية وأمرائها ليس له تأثير علينا. الناس والأسماء ليسوا مهمين كثيراً؛ الشيء الأكثر أهمية هو الفكر. في العام 2006 قتلوا (الأميركيون) أبو مصعب الزرقاوي (مؤسس سلف “داعش”، تنظيم القاعدة في العراق)، والكثير من الآخرين، لكن ذلك لو يوقف تقدم تأسيس الدولة الإسلامية. أبو بكر البغدادي هو مجرد رجل فقط. إنه الشخص الذي أعلن ولادة الدولة الإسلامية، لكنه استمر بالعمل فقط فيما يعمل أبو مصعب السوري (جهادي القاعدة ومنظرها المولود في حلب)، والكثير من الآخرين من أجل إنجازه. مات النبي محمد قبل 1.400 سنة. هل نستطيع أن نقول الآن إن الإسلام انتهى؟ سوف يكون هناك دائماً رجال يكرسون حياتهم في سبيل الله. يمكنهم أن يقتلوا الناس، لكن الفكر لن يموت.
(ملاحظاتي: هنا، يوجد منطق في وجهة نظر أبو جهاد: لدى “داعش” أكثر من 13 عاماً من حرب العصابات لكي يكون قادراً على التكيف والمرونة، حتى أنه استطاع النجاة -بل وتحسن- بعد فقدان القادة المتعاقبين. ومع كل تعيين جديد لأمير -أو “خليفة”- الآن تقوم المنظمة بتحويل نفسها، في العادة وفقاً لتركيبتها في المستوات العليا (حيث المقاتلون الأجانب يفسحون الطريق للصدَّاميين السابقين، الذين أصبحوا يبدون الآن وأنهم هم الذين يفسحون الطريق، فيما يخص بعض القدرات، لأوروبيين). وتبدو إشارة أبو جهاد إلى الزعيم الحالي، أبو بكر البغدادي، على أنه “مجرد رجل” مثير للاهتمام بشكل خاص. فعلى الرغم من أنه خاضع لأحكام الشريعة نفسها التي يخضع لها أي ساكن آخر في أراضي الخلافة، فإن البغدادي هو الشخص الذي يجب على كل الآخرين أن يتعهدوا له بيمين الولاء بالدم من أجل الانضمام إلى المنظمة: إنه “الخليفة” في حقيقة الأمر. وربما تكشف هذه الملاحظة عن إدراك صامت من جانب أبو جهاد لحقيقة أن “داعش” يخطط الآن مسبقاً لفترة ما بعد البغدادي في حال قتل الخليفة أو وقع في الأسر).
الديلي بيست: هل تعتقد أن الدولة الإسلامية ستفقد الرقة والموصل هذا العام؟ ما الذي يقوله الجهاديون داخلياً عن خسارة منبج؟
أبو مجاهد: نحن لم نخسر منبج. كان علينا أن ننسحب من أجل سلامة المدنيين. كنا نتعرض لمئات الغارات الجوية كل يوم، وخسارة معركة لا تعني خسارة الحرب.
(ملاحظاتي: هذا هراء بكل وضوح. كان “داعش” يستخدم لاجئي منبج كدروع بشرية من أجل إخلاء مقاتليه ومعداته بينما يواجه الهزيمة على يد القوات البرية بقيادة الأكراد والقوات الجوية للتحالف بقيادة أميركية. وقد تم نشر صور تلك القوافل أثناء الانسحاب على نطاق واسع، والتي لم تستطع قوات التحالف قصفها، بالنظر إلى مكونها الكبير من غير المقاتلين. كما أنها ليست هناك قضية موثوقة يمكن إقامتها لإثبات أنها تمت التضحية بمنبج تكتيكياً من أجل تجميع الموارد؛ فقد كانت المدينة بوابة مهمة لتهريب المقاتلين الأجانب والأسلحة والأموال من وإلى تركيا، التي قادت لتوها عملية استولت فيها على جائزة أخرى من جوائز “داعش” في حلب، مدينة جرابلس. وقد استغرقت تلك الحملة أقل من تسع ساعات).
لا أستطيع أن أنكر في الحقيقة أننا خسرنا بعض أراضي الدولة الإسلامية. لكننا سوف نفاجئ العالم. كما فعلنا عندما غزونا العراق قبل سنتين.
كما أننا يجب أن نجعل العالم كله يفهم أن الدولة الإسلامية ليست لها حدود على الخريطة. سوف نتوسع حتى نحتل العالم. كما ترى مسبقاً، نحن في كل مكان وإخوتنا يعملون في كل أنحاء العالم. كما قلت، قد نخسر جولة أو جولتين، لكن الحرب لم تنته بعد. مهما يكن ما لديكم من الأسلحة ومهما يكن عدد الطائرات تقصفنا، سوف ننتصر في هذه الحرب. إننا نقاتل في سبيل الله. لكنكم ليست لديكم قضية تقاتلون في سبيلها.
الديلي بيست: ما هي خطط الدولة الإسلامية لمهاجمة الغرب خارج سورية والعراق؟ لقد رأينا ما فعلته في فرنسا وبلجيكا وتركيا ولبنان والأماكن الأخرى.
أبو مجاهد: إخوتنا في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وكل أنحاء العالم يحضِّرون المفاجآت. سوف يبدو ما فعلناه سابقاً مثل مزحة مقارنة بما سيأتي.
(ملاحظاتي: شبكة “داعش” الأوروبية، المكونة في معظمها من ناشطين مدربين في سورية أو العراق أو ممن تمت إعادة إرسالهم إلى القارة حتى قبل أن يعاني التنظيم من خسائر كبيرة في الأرض، أصبحت المعلومات عنها جيدة الآن. في الولايات المتحدة، ما يزال عدد الناشطين الذين يسيطر عليهم “داعش” فعلياً غير معروف، ولو أنه أصغر بكثير من دون شك).
مايكل فايس – (الديلي بيست) 29/8/2016
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
*نشر هذا الحوار تحت عنوان:
Inside the Head of an ISIS True Believer
نقلا عن الغد الاردنية