أسابيع قليلة تفصلنا عن موعد الانتخابات الأمريكية، والتي باتت جل المؤشرات تشي بأنها ستكون مرة أخرى، من حصة الحزب الديمقراطي، خاصة بعد إعلان أكثر من مئة وخمسين عضواً من قيادات الحزب الجمهوري نأيهم عن السياسات التي يتبناها المرشح الجمهوري دونالد ترامب، بل واقتراح بعضهم خلعه وترشيح بديل عنه.
صحيح أن هناك رؤساء أمريكيين أجبروا على التنحي عن الموقع الرئاسي بسب فضائح تم كشفها أثناء تربعهم في البيت الأبيض، لكن من النادر، أن يطالب بخلع مرشح رئاسي، من قبل عدد كبير من قيادات حزبه، في الأيام الأخيرة للانتخابات الأمريكية. إن ذلك يعكس قلقاً مفرطاً من السياسات التي تبناها، وبشكل خاص فيما يتعلق بنظرته للمرأة، وسياساته تجاه المهاجرين، وإفصاحه عن الخروج على السياسات التقليدية، لنظرائه من المرشحين الجمهوريين.
إن ذلك بالتأكيد، قد سهل على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون مشروع الوصول إلى البيت البيضاوي، من غير عناء. علاوة على أن كل المؤشرات الاقتصادية، التي تناولناها في تحليلات سابقة، كانت تؤكد عدم قدرة الاقتصاد الأمريكي، على تحمل هزة أخرى، وأن برنامج الإنعاش الذي بدأه الرئيس باراك أوباما لم يكتمل بعد، بحاجة إلى دورة رئاسية أخرى على الأقل، لكي تبلغ حالة التضخم مستوى لا يحتمل، من قبل الأمريكيين من ذوي الدخل المحدود.
الثابت في السياسة الأمريكية، هو دورة الاقتصاد، بين تضخم وكساد، يتسبب برنامج الإنعاش، الذي يتبناه تقليدياً الرؤساء الديمقراطيون، في نهاية المطالب ببلوغ حالة التضخم مستوى غير محتمل ولا مقبول، ما يخلق بيئة مناسبة لوصول مرشح جمهوري.
والعكس صحيح أيضا، فوصول مرشح للرئاسة من قبل الجمهوريين، يعني تخفيضاً للضرائب، وتقليصاً للأجهزة
البيروقراطية، في الحكومة الفيدرالية، وترشيداً للخدمات الصحية والتعليمية، والسكنية التي تقدمها الدولة، على حساب ذوي الدخل المحدود. والذريعة دائماً هي تنشيط رأس المال، وإعادة الاعتبار لمبدأ الحرية الاقتصادية، وتأكيد مبدأ سميث في دعه يعمل. وتتسبب هذه السياسات في نهاية المطاف، في سيادة حالة ركود اقتصادي وكساد، تعبد الطريق، لوصول مرشح عن الحزب الديمقراطي.
إذاً فإن ما له ثبات نسبي في السياسية الأمريكية، هو ما له علاقة بالوضع الاقتصادي، وهو ثبات، مستمر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على أقل تقدير. وقد جعل من السياسات الاقتصادية تراوح باستمرار بين التضخم والكساد.
أما المتحول، فله علاقة بالسياسة الخارجية، وذلك لسبب جوهري، هو أن الولايات المتحدة ليست الفاعل الوحيد في صناعة تلك السياسات. إن هذه التحولات هي رهن لتغيرات في موازين القوى الدولية، وفي طبيعة النظام العالمي السائد. فهي في الفترة السابقة للحرب الباردة اتخذت طابع التحالف بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، في موجهة دول المحور. لكنها في الحقبة التي أعقبت ذلك تحولت إلى صراع عقائدي محموم بين الشرق والغرب، بقيادة الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. وقد اتخذ ذلك شكل حرب باردة استمرت لأكثر من أربعة عقود.
بعد نهاية الحرب الباردة، كان هناك متحول آخر، تمثل في انتهاء مرحلة الثنائية القطبية، وهيمنة الإدارة الأمريكية بقيادة جورج بوش الأب على صناعة القرار الدولي. ومع احتلال أفغانستان والعراق، في مطلع هذا القرن، بدأ العد التنازلي، لمرحلة التفرد الأمريكي، على صناعة القرار الأممي. واتضح ذلك بشكل جلي، بعد تسلم الرئيس باراك أوباما سدة الرئاسة.
وكانت محطة الإفصاح الصريح، عن عودة التعددية القطبية، قد ارتبطت بما عرف بالربيع العربي، وبروز روسيا بوتين، كعنصر رئيسي وفاعل بالأزمة السورية. وتراجع الإدارة الأمريكية، عن سياسة التدخل العسكري المباشر، في الأزمات الدولية المستعصية، بسبب الأوضاع الاقتصادية، المتردية في الداخل الأمريكي.
لقد تمكن الرئيس أوباما من تكريس جهوده، لمعالجة الأزمة الاقتصادية، التي أخذت مكانها بحدة إثر ما بات معروفا بأزمة الرهن العقاري. وتمكن من تنفيذ معظم البنود التي وردت في برنامجه الاقتصادي. ذلك لا يعني أن الإدارة الأمريكية، نأت بنفسها بالمطلق، عن التدخلات العسكرية، فقواتها متواجدة في العراق وفي سوريا، ولكن ذلك لم يتم بصيغة الصدمة، وإغراق القوات الأمريكية، بقوة في تلك الأزمات.
هل ستستمر الأوضاع على ما هي عليه، أثناء رئاسة هيلاري كلينتون، التي ينتظر أن تأخذ مكانها مع بدايات شهر فبراير المقبل؟ أم أن هناك تحولات سوف تأخذ مكانها؟.
من الصعب قياس ردود أفعال كلينتون الآن، لكن الواضح أن روسيا الاتحادية، ومعها الصين الشعبية، سوف تنشط أكثر في مجال السياسة الدولية، وستعمل على أن يكون نفوذها متواجداً في مناطق كانت حتى وقت قريب، أو لا تزال، تحسب كعمق استراتيجي للمصالح الأمريكية.
هيلاري بالتأكيد، ليست مثل أوباما، إن من حيث الظرف الزمني والتحولات السياسية التي ستأخذ مكانها أثناء دورتها الرئاسية الأولى، وردود أفعالها قد لا تتشابه مع ردود أوباما. فكلينتون، رغم أنها مرشح ديمقراطي، لكنها في السياسة الخارجية، أقرب لسياسة زوجها بل كلينتون، المتسمة بالاقتراب من اليمين الأمريكي، في حين كان أوباما أقرب إلى يسار الحزب الديمقراطي. وربما يفسر ذلك إعلان عدد كبير من الجمهوريين، عن نيتهم منح أصواتهم لكلينتون، من بينهم الرئيس السابق جورج بوش الأب.
والذاكرة لا تزال تحتفظ بعملية ثعلب الصحراء، التي شنها زوجها كلينتون، على العراق، من غير أسباب تستحق الذكر، وفرضه منطقة حظر جوي في شمال العراق وجنوبه، وهو الحظر الذي هيأ لتفتيت العراق، وتقسيمه إلى حصص بين الأقليات الإثنية والطوائف.
ويبدو أننا لن ننتظر طويلاً حتى نرى المتحول الجديد في السياسة الأمريكية.
صحيح أن هناك رؤساء أمريكيين أجبروا على التنحي عن الموقع الرئاسي بسب فضائح تم كشفها أثناء تربعهم في البيت الأبيض، لكن من النادر، أن يطالب بخلع مرشح رئاسي، من قبل عدد كبير من قيادات حزبه، في الأيام الأخيرة للانتخابات الأمريكية. إن ذلك يعكس قلقاً مفرطاً من السياسات التي تبناها، وبشكل خاص فيما يتعلق بنظرته للمرأة، وسياساته تجاه المهاجرين، وإفصاحه عن الخروج على السياسات التقليدية، لنظرائه من المرشحين الجمهوريين.
إن ذلك بالتأكيد، قد سهل على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون مشروع الوصول إلى البيت البيضاوي، من غير عناء. علاوة على أن كل المؤشرات الاقتصادية، التي تناولناها في تحليلات سابقة، كانت تؤكد عدم قدرة الاقتصاد الأمريكي، على تحمل هزة أخرى، وأن برنامج الإنعاش الذي بدأه الرئيس باراك أوباما لم يكتمل بعد، بحاجة إلى دورة رئاسية أخرى على الأقل، لكي تبلغ حالة التضخم مستوى لا يحتمل، من قبل الأمريكيين من ذوي الدخل المحدود.
الثابت في السياسة الأمريكية، هو دورة الاقتصاد، بين تضخم وكساد، يتسبب برنامج الإنعاش، الذي يتبناه تقليدياً الرؤساء الديمقراطيون، في نهاية المطالب ببلوغ حالة التضخم مستوى غير محتمل ولا مقبول، ما يخلق بيئة مناسبة لوصول مرشح جمهوري.
والعكس صحيح أيضا، فوصول مرشح للرئاسة من قبل الجمهوريين، يعني تخفيضاً للضرائب، وتقليصاً للأجهزة
البيروقراطية، في الحكومة الفيدرالية، وترشيداً للخدمات الصحية والتعليمية، والسكنية التي تقدمها الدولة، على حساب ذوي الدخل المحدود. والذريعة دائماً هي تنشيط رأس المال، وإعادة الاعتبار لمبدأ الحرية الاقتصادية، وتأكيد مبدأ سميث في دعه يعمل. وتتسبب هذه السياسات في نهاية المطاف، في سيادة حالة ركود اقتصادي وكساد، تعبد الطريق، لوصول مرشح عن الحزب الديمقراطي.
إذاً فإن ما له ثبات نسبي في السياسية الأمريكية، هو ما له علاقة بالوضع الاقتصادي، وهو ثبات، مستمر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على أقل تقدير. وقد جعل من السياسات الاقتصادية تراوح باستمرار بين التضخم والكساد.
أما المتحول، فله علاقة بالسياسة الخارجية، وذلك لسبب جوهري، هو أن الولايات المتحدة ليست الفاعل الوحيد في صناعة تلك السياسات. إن هذه التحولات هي رهن لتغيرات في موازين القوى الدولية، وفي طبيعة النظام العالمي السائد. فهي في الفترة السابقة للحرب الباردة اتخذت طابع التحالف بين المعسكرين الشيوعي والرأسمالي، في موجهة دول المحور. لكنها في الحقبة التي أعقبت ذلك تحولت إلى صراع عقائدي محموم بين الشرق والغرب، بقيادة الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. وقد اتخذ ذلك شكل حرب باردة استمرت لأكثر من أربعة عقود.
بعد نهاية الحرب الباردة، كان هناك متحول آخر، تمثل في انتهاء مرحلة الثنائية القطبية، وهيمنة الإدارة الأمريكية بقيادة جورج بوش الأب على صناعة القرار الدولي. ومع احتلال أفغانستان والعراق، في مطلع هذا القرن، بدأ العد التنازلي، لمرحلة التفرد الأمريكي، على صناعة القرار الأممي. واتضح ذلك بشكل جلي، بعد تسلم الرئيس باراك أوباما سدة الرئاسة.
وكانت محطة الإفصاح الصريح، عن عودة التعددية القطبية، قد ارتبطت بما عرف بالربيع العربي، وبروز روسيا بوتين، كعنصر رئيسي وفاعل بالأزمة السورية. وتراجع الإدارة الأمريكية، عن سياسة التدخل العسكري المباشر، في الأزمات الدولية المستعصية، بسبب الأوضاع الاقتصادية، المتردية في الداخل الأمريكي.
لقد تمكن الرئيس أوباما من تكريس جهوده، لمعالجة الأزمة الاقتصادية، التي أخذت مكانها بحدة إثر ما بات معروفا بأزمة الرهن العقاري. وتمكن من تنفيذ معظم البنود التي وردت في برنامجه الاقتصادي. ذلك لا يعني أن الإدارة الأمريكية، نأت بنفسها بالمطلق، عن التدخلات العسكرية، فقواتها متواجدة في العراق وفي سوريا، ولكن ذلك لم يتم بصيغة الصدمة، وإغراق القوات الأمريكية، بقوة في تلك الأزمات.
هل ستستمر الأوضاع على ما هي عليه، أثناء رئاسة هيلاري كلينتون، التي ينتظر أن تأخذ مكانها مع بدايات شهر فبراير المقبل؟ أم أن هناك تحولات سوف تأخذ مكانها؟.
من الصعب قياس ردود أفعال كلينتون الآن، لكن الواضح أن روسيا الاتحادية، ومعها الصين الشعبية، سوف تنشط أكثر في مجال السياسة الدولية، وستعمل على أن يكون نفوذها متواجداً في مناطق كانت حتى وقت قريب، أو لا تزال، تحسب كعمق استراتيجي للمصالح الأمريكية.
هيلاري بالتأكيد، ليست مثل أوباما، إن من حيث الظرف الزمني والتحولات السياسية التي ستأخذ مكانها أثناء دورتها الرئاسية الأولى، وردود أفعالها قد لا تتشابه مع ردود أوباما. فكلينتون، رغم أنها مرشح ديمقراطي، لكنها في السياسة الخارجية، أقرب لسياسة زوجها بل كلينتون، المتسمة بالاقتراب من اليمين الأمريكي، في حين كان أوباما أقرب إلى يسار الحزب الديمقراطي. وربما يفسر ذلك إعلان عدد كبير من الجمهوريين، عن نيتهم منح أصواتهم لكلينتون، من بينهم الرئيس السابق جورج بوش الأب.
والذاكرة لا تزال تحتفظ بعملية ثعلب الصحراء، التي شنها زوجها كلينتون، على العراق، من غير أسباب تستحق الذكر، وفرضه منطقة حظر جوي في شمال العراق وجنوبه، وهو الحظر الذي هيأ لتفتيت العراق، وتقسيمه إلى حصص بين الأقليات الإثنية والطوائف.
ويبدو أننا لن ننتظر طويلاً حتى نرى المتحول الجديد في السياسة الأمريكية.
د.يوسف مكي
صحيفة الخليج