بدا لكثير من السياسيين أن الإدارة الأمريكية قد أوكلت لروسيا مهمة الحل في سوريا، ولم يأتِ بالطبع هذا التخمين السياسي من فراغ، فلم تُظهر الإدارة الأمريكية إرادة واضحة تجاه الحدث السوري، وبدا أن همها الرئيسي يكمن في إغلاق دائرة النار السورية، وعدم جعلها تتمدد إلى الخارج، من دون أن تكون معنية بشكل حقيقي لما يمكن أن تحرزه روسيا من موقع استراتيجي في الشرق الأوسط، عبر البوابة السورية، والتي باتت مفتوحة أمام جميع اللاعبين الإقليميين.
وقبل، انخراطها الواسع في سوريا عسكرياً، مضت روسيا نحو أوكرانيا، لتأكيد وجودها في جزيرة القرم، ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ووقف زحف الغرب نحو المحيط الجغرافي لروسيا، أو حزام الدول الاشتراكية السابقة التي كانت تدور في فلك التبعية للنظام الشيوعي السوفييتي، وعبر وضع قدم في القرم وأخرى في سوريا، أرادت موسكو التأكيد على دورها من جديد، وأهميتها في الحسابات الدولية، في ظل تراجع أمريكي معلن عن ساحة الشرق الأوسط.
تلقت موسكو ضربة موجعة في أسعار النفط، في خضم صراع سياسي شرق أوسطي، وفي خضم تحوّل النفط في العالم من سلعة ذات ريعية عالية إلى سلعة شبه طبيعية، خصوصاً مع تقدم تكنولوجيا النفط الصخري، ووجود فائض عالمي من النفط، وكانت الضربة التي تلقتها موسكو أكبر من أن تهضم بسهولة، خصوصاً أنها تنتج أكثر من 13% من النفط العالمي، كما يشكل النفط والغاز حوالي 50% من عوائد الموازنة الروسية.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، حاولت روسيا الاتحادية، وريثة النظام السابق، أن تتكيّف مع متطلبات العولمة، لكنها كانت منهكة تماماً خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، وحاولت عبر الاستفادة من عوائد النفط أن تعيد هيكلة اقتصادها، وإصلاح مؤسساتها، وبدت خلال العقد الأول من الألفية الجديدة أنها تتعافى إلى حد ما، لكن ذلك التعافي كان، في حقيقة الأمر، نتيجة الوفر الذي توفره عوائد النفط والغاز، وليس كنتيجة لتكيّف القطاع الصناعي الروسي مع السوق الرأسمالية، فلم يتمكن الروس من إنجاز أي تقدم مهم في مجال صناعات المعرفة، والتي تحتاج إلى دورة علمية وصناعية خاصة، تقوم على بنية تحتية هائلة، وهو ما لا تمتلكه روسيا.
ما تفتقده روسيا اليوم بالنسبة للاتحاد السوفييتي السابق هو غياب الأيديولوجيا، والتي كانت عنصراً رئيسياً في مواجهة الغرب، وبناء التحالفات، وإغراء الشعوب بالشعارات، على غرار «إسقاط الرأسمالية»، فروسيا لا تمتلك مشروعاً عالمياً تقدمه للشعوب، وليس ثمة أنظمة اليوم تفكر جدياً في محاربة أمريكا، فإيران نفسها تنكّرت لشعار «الشيطان الأكبر»، واستماتت من أجل توقيع «الاتفاق النووي»، وكوبا أعادت علاقاتها مع الولايات المتحدة.
وبناءً عليه، فإن روسيا بسعيها إلى استعادة دورها، تستخدم أداة منقوصة، هي الأداة العسكرية، وقد تمكنت عبر الوضع المعقد في الشرق الأوسط، واختلال منظومة الأمن والاستقرار، من الدخول كلاعب أساسي في مشكلات المنطقة، مستفيدة من التناقضات الموجودة في مصالح اللاعبين، وتوطيد وجودها العسكري، عبر المتوسط، على أمل أن تملأ الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة الأمريكية.
نحن نرى، على سبيل المثال لا الحصر، كيف تتجه الولايات المتحدة إلى شرق آسيا من أجل احتواء صعود الصين، والتي باتت اليوم تحتل المرتبة الثانية في الاقتصاد العالمي، وتتجه نحو تطوير قطاعاتها العسكرية، وهذا التوجه الأمريكي هو توجه استراتيجي لكبح جماح أي سعي صيني في مد نفوذه على الجيران الآسيويين، أو الوصول إلى صدام معهم، بما يربك النظام العالمي، واقتصاداته الضخمة.
إذاً، على ماذا تعوّل روسيا؟
بالطبع، إن الدور الروسي اليوم دور معقد، يحاول استيعاب الأزمات الداخلية من جهة، والضغط من أجل حماية مصالحه في النفط والغاز، لكن اللجوء إلى الأدوات العسكرية يظهر كمؤشر ضعف لا كمؤشر قوة، ونتيجة إخفاق تطوير بنية الصناعات الروسية، ونقص في الشراكات مع أمريكا وأوروبا، ومناطق أخرى في العالم، والعودة إلى تبني سياسات قديمة في الفضاء الروسي الداخلي، ومن هذا المنطلق فإن الدور الروسي قادر ربما على خلط الأوراق، وإطالة عمر بعض الأزمات، لكن قدرته على تحويل هذا النفوذ إلى عوائد اقتصادية ومالية هي محل شك، وكما حالات كثيرة تتحوّل فيها الفرص إلى مخاطر، يمكن لهذا الدور أن يلعب ضد مصلحة روسيا نفسها.
وقبل، انخراطها الواسع في سوريا عسكرياً، مضت روسيا نحو أوكرانيا، لتأكيد وجودها في جزيرة القرم، ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ووقف زحف الغرب نحو المحيط الجغرافي لروسيا، أو حزام الدول الاشتراكية السابقة التي كانت تدور في فلك التبعية للنظام الشيوعي السوفييتي، وعبر وضع قدم في القرم وأخرى في سوريا، أرادت موسكو التأكيد على دورها من جديد، وأهميتها في الحسابات الدولية، في ظل تراجع أمريكي معلن عن ساحة الشرق الأوسط.
تلقت موسكو ضربة موجعة في أسعار النفط، في خضم صراع سياسي شرق أوسطي، وفي خضم تحوّل النفط في العالم من سلعة ذات ريعية عالية إلى سلعة شبه طبيعية، خصوصاً مع تقدم تكنولوجيا النفط الصخري، ووجود فائض عالمي من النفط، وكانت الضربة التي تلقتها موسكو أكبر من أن تهضم بسهولة، خصوصاً أنها تنتج أكثر من 13% من النفط العالمي، كما يشكل النفط والغاز حوالي 50% من عوائد الموازنة الروسية.
ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، حاولت روسيا الاتحادية، وريثة النظام السابق، أن تتكيّف مع متطلبات العولمة، لكنها كانت منهكة تماماً خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، وحاولت عبر الاستفادة من عوائد النفط أن تعيد هيكلة اقتصادها، وإصلاح مؤسساتها، وبدت خلال العقد الأول من الألفية الجديدة أنها تتعافى إلى حد ما، لكن ذلك التعافي كان، في حقيقة الأمر، نتيجة الوفر الذي توفره عوائد النفط والغاز، وليس كنتيجة لتكيّف القطاع الصناعي الروسي مع السوق الرأسمالية، فلم يتمكن الروس من إنجاز أي تقدم مهم في مجال صناعات المعرفة، والتي تحتاج إلى دورة علمية وصناعية خاصة، تقوم على بنية تحتية هائلة، وهو ما لا تمتلكه روسيا.
ما تفتقده روسيا اليوم بالنسبة للاتحاد السوفييتي السابق هو غياب الأيديولوجيا، والتي كانت عنصراً رئيسياً في مواجهة الغرب، وبناء التحالفات، وإغراء الشعوب بالشعارات، على غرار «إسقاط الرأسمالية»، فروسيا لا تمتلك مشروعاً عالمياً تقدمه للشعوب، وليس ثمة أنظمة اليوم تفكر جدياً في محاربة أمريكا، فإيران نفسها تنكّرت لشعار «الشيطان الأكبر»، واستماتت من أجل توقيع «الاتفاق النووي»، وكوبا أعادت علاقاتها مع الولايات المتحدة.
وبناءً عليه، فإن روسيا بسعيها إلى استعادة دورها، تستخدم أداة منقوصة، هي الأداة العسكرية، وقد تمكنت عبر الوضع المعقد في الشرق الأوسط، واختلال منظومة الأمن والاستقرار، من الدخول كلاعب أساسي في مشكلات المنطقة، مستفيدة من التناقضات الموجودة في مصالح اللاعبين، وتوطيد وجودها العسكري، عبر المتوسط، على أمل أن تملأ الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة الأمريكية.
نحن نرى، على سبيل المثال لا الحصر، كيف تتجه الولايات المتحدة إلى شرق آسيا من أجل احتواء صعود الصين، والتي باتت اليوم تحتل المرتبة الثانية في الاقتصاد العالمي، وتتجه نحو تطوير قطاعاتها العسكرية، وهذا التوجه الأمريكي هو توجه استراتيجي لكبح جماح أي سعي صيني في مد نفوذه على الجيران الآسيويين، أو الوصول إلى صدام معهم، بما يربك النظام العالمي، واقتصاداته الضخمة.
إذاً، على ماذا تعوّل روسيا؟
بالطبع، إن الدور الروسي اليوم دور معقد، يحاول استيعاب الأزمات الداخلية من جهة، والضغط من أجل حماية مصالحه في النفط والغاز، لكن اللجوء إلى الأدوات العسكرية يظهر كمؤشر ضعف لا كمؤشر قوة، ونتيجة إخفاق تطوير بنية الصناعات الروسية، ونقص في الشراكات مع أمريكا وأوروبا، ومناطق أخرى في العالم، والعودة إلى تبني سياسات قديمة في الفضاء الروسي الداخلي، ومن هذا المنطلق فإن الدور الروسي قادر ربما على خلط الأوراق، وإطالة عمر بعض الأزمات، لكن قدرته على تحويل هذا النفوذ إلى عوائد اقتصادية ومالية هي محل شك، وكما حالات كثيرة تتحوّل فيها الفرص إلى مخاطر، يمكن لهذا الدور أن يلعب ضد مصلحة روسيا نفسها.
حسام ميرو
صحيفة الخليج