عكفت على دراسة الاستراتيجيات المختلفة للدول الكبرى ودول الجوار نحو الوطن العربي، وخلصت إلى أن هذه الدول الكبرى تتنافس بل وتتصارع على الوطن العربي، وتدور تلك الاستراتيجيات؛ الأمريكية والروسية والصينية والإيرانية والإسرائيلية حول محورين رئيسيين؛ هل يمكن حل الصراعات وإقامة سلام إقليمي يمهد للتنمية الاقتصادية؟ وكيف يمكن إقامة تجمع إقليمي يضم دول الجوار غير العربية إلى جانب العرب؟
وتضم ثلاث وثائق أمريكية مهمة صادرة عن مراكز تفكير كبرى وقام بإعدادها خبراء ومستشارون سابقون للأمن القومي وتم تقديمها لإدارة ترامب الجديدة، أبعاد الاستراتيچية الأمريكية، صدرت الأولى عن مجلس الأطلنطي والثانية عن مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط والثالثة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وتقوم الاستراتيجية الأمريكية على مفهوم تحويل المخاطر والتهديدات إلى فرص، وحتمية الانخراط الأمريكي في المنطقة على أن تستند إلى الشراكة دون الوصاية التي ترفضها الشعوب العربية، وإلى عناصر غير حكومية مثل الشباب والمرأة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات المحلية، وترتكز على ضرورة الحفاظ على الدولة القومية، ومن ثم؛ حصار الإرهاب خصوصًا داعش وعدم ترك القضاء عليها للميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران، وإنما الاعتماد على الضربات الجوية الأمريكية المدعمة بالجيوش العربية، وفي هذا الإطار، لابد من تقوية العلاقات الاستراتيجية مع مصر، ركيزة الاستقرار في المنطقة، والتنسيق الكامل مع إسرائيل، الحليف الدائم في المنطقة، سواء فيما يتعلق بإيران أو سوريا أو الفلسطينيين، وفي هذا الصدد؛ فإن حل الدولتين لا يزال يمثل مخرجًا من الصراع إلى السلام، على الرغم من وجود قوى داخل الحزب الجمهوري تقاوم هذا الحل وتدعو إلى التخلي عنه؛ ففي أحدث استبيانات الرأي، هناك نحو 75% من الجمهوريين يتعاطفون مع إسرائيل، والذين يؤيدون حل الدولتين لا يتجاوز 38%، كما أن هناك جماعات أخرى متطرفة تدعو إلى تجاهل الفلسطينيين مثل المنظمة الصهيونية الأمريكية والائتلاف اليهودي الجمهوري، وتدعو الاستراتيجية الأمريكية أيضًا السعودية إلى وقف القتال في اليمن والتحول إلى الحل السلمي مع دعم جهود القضاء على القاعدة في اليمن، وفي الوقت الذي تدعو فيه إلى حوار بناء مع تركيا تؤكد ضرورة تطويق إيران واحتوائها وتشير إلى أهمية الضغط من أجل وجود سماوات آمنة بسوريا لتقديم المساعدات الإنسانية ومساعدة ودعم المعارضة، وترى كذلك ضرورة دمج اللاجئين في دول المنطقة نظرًا لصعوبة عودتهم لأوطانهم.
وحال الانتهاء من ذلك؛ فإنه ينبغي التحول إلى دعم التنمية الاقتصادية والبشرية المبنية على المشاركة الفعالة والحوكمة، ومن ثم؛ إنشاء الصندوق الإقليمي للتغيير والإصلاح، وهو أقرب إلى البنك الدولي في واشنطن أو بنك التنمية الجديد الذي أنشأته دول البريكس، ويمكن أن تسهم فيه الدول الكبرى صاحبة المصالح في المنطقة، كما ينبغي البحث عن إطار إقليمي أوسع يضم الدول غير العربية في المنطقة كإسرائيل وتركيا، وينسجم هذا الاقتراح مع الوثيقة الصادرة عن معهد لندن لدراسة السياسات، والتي تدعو إلى إنشاء منظمة الخليج والبحر الأحمر، والتي شارك في وضعها الفريق فلين مستشار ترامب القادم للأمن القومي.
وتقدم روسيا نفسها كصديق براجماتي غير أيديولوچي لدول المنطقة حريص على استقرار الوطن العربي، وإن كانت تسعى إلى استعادة الدور المحوري الذي لعبه الاتحاد السوفيتي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي حين تحالف مع مصر والجزائر وسوريا والعراق، وتصل تجارة السلاح الروسي لدول المنطقة إلى ما يناهز 36% من إجمالي تجارته في العالم، وتستهدف روسيا من ناحية الاستفادة من الموقع الجيوستراتيجي للوطن العربي المجاور للجمهوريات الإسلامية في وسط آسيا، وتأمل في مد نفوذها من بحر قزوين إلى الخليج والبحرين الأحمر والمتوسط، وتأمل في تطويق التطرف والإرهاب الإسلامي في سوريا والعراق وليبيا خوفًا من امتداده إلى أراضيها التي يشكل المسلمون فيها 12% من السكان، ومن المعضلات التي تواجه روسيا محاولة التوازن بين العرب من ناحية، وإسرائيل التي يتحدث 20% اللغة الروسية من ناحية أخرى، وتحاول كذلك التوازن بين علاقاتها الوثيقة بإيران وتطلعها لإقامة علاقات قوية بدول الخليج وخاصةً السعودية، كما تصر على الانتصار في سوريا بغية تسويق فاعلية سلاحها في القضاء على الإرهابيين.
وتسعى الصين من علاقاتها بالوطن العربي إلى الاتجاه غربًا؛ حيث مصادر الطاقة خصوصًا النفط، وكذلك الأسواق الغنية الواسعة، كما تسعى إلى موازنة النفوذ الأمريكي وعينها على المسلمين في الداخل، وتستهدف بالقطع إلى زيادة مكانتها الدولية، وهكذا، استخدمت حق الفيتو في كل القرارات المتعلقة بسوريا إلى جانب روسيا، وهي تواجه كذلك تحديات منها؛ كيفية خلق توازن حساس في علاقاتها بكل من إيران والسعودية، ولذلك قامت بعدة مشروعات تربط إيران بدول سنية مثل خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان وخطتها لإنشاء خط سكة حديد سريع على طريق الحرير يربط بين الصين وإيران عبر دول وسط آسيا السنية وتحاول ضم إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تضم دولاً سنية.
وتقوم استراتيچية إيران على عمودين؛ الأول الحلفاء والوكلاء مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان، والثاني العناصر الشيعية في البحرين والسعودية والكويت، ويرى الإيرانيون أهمية العودة إلى السيطرة الإقليمية تحت شعار الوحدة الإيرانية الإسلامية والسلام في المنطقة بغرض تحقيق إيران الكبرى الممتدة من الصين إلى الخليج وما وراءه، وفي سبيل ذلك تسعى إلى توسيع دائرة الحلفاء العرب ومحاولة حصار السعودية والوصول إلى البحر المتوسط والتمسك بالنفوذ في لبنان عبر حزب الله وبناء قدرة نووية تردع بها إسرائيل.
وحددت إسرائيل استراتيچية البناء والتوسع من خلال إصدار «استراتيجية 2028»، والتي ترصد حرصها على تحقيق تفوق نوعي في عالم تنافسي في التكنولوچيا الدولية، ونظرًا لتغير مراكز القوى في الوطن العربي وظهور داعش وغيرها من منظمات غير الدول، والتي تملك قدرات عسكرية عصرية وفعالة، ونظرًا لأن التفوق المطلق لم يعد ممكنًا، كما أن الردع العسكري التقليدي لم يعد كافيًا طورت استراتيچيتها إلى الصراع المحدود والاعتماد على الجهود غير العسكرية ثم بناء استراتيچية تنافسية على المستوى الثنائي، وفي الوقت ذاته إقامة علاقات وثيقة بمصر مع محاولة تحييد الدول العربية الأخرى، وتركز على التفوق الدبلوماسي والمعلوماتي والاقتصادي مع تقوية الجبهة الداخلية، وتدفع بالجهود الدولية إلى إنشاء منظمة إقليمية استراتيجية جديدة تتجاوز الجامعة العربية.
د.عبدالمنعم المشاط
صحيفة الأهرام