لقد ضيعنا سنوات طويلة لا نفرق بين مصالح إيران ومصالحنا، ولا نفرق بين صدق القضايا والمزور منها. ونجح نظام إيران في أن يتاجر في قضايانا، القضية الفلسطينية وقضايا العرب والمسلمين، التي باع فيها واشترى من أجل غاياته، ولم يستوعب كثيرون هذه الحقيقة إلا متأخرين، وبخاصة بعد أن رأوا ما فعلته إيران من جرائم في العراق وسوريا واليمن والبحرين. وسنرى إيران، ومن في معسكرها، يعيدون الكرة بشن الحملات في مواجهة الإدارة الأميركية الجديدة، وغيرها من الحكومات التي تقف ضدهم؛ لهذا علينا ألا نخلط الحقائق، ولا في المصالح، ودعوا إيران ورفاقها يحاربون بأنفسهم.
أما لماذا كل هذه المواجهات الصاخبة التي يخوضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب؟ في رأيي هدفه بناء شعبيته الرئاسية في مواجهة خصومه، وهم كثر، في الإعلام والحزب الديمقراطي، والكونغرس وغيرهم.
مثلا، لأن هناك شكوى من مزاحمة الأجانب للمواطنين الأميركيين، قرر بناء جدار مع جارته دولة المكسيك لوقف تسلل أكثر من سبعمائة ألف شخص سنويا. ولأن هناك قلقًا من الإرهاب خَص سبع دول إسلامية، فيها فوضى وإرهاب، بمنع مواطنيها من الدخول لثلاثة أشهر. ولأن النقابات العمالية ضد الشركات الأميركية التي تفتح مصانعها خارج الولايات المتحدة تعهد بأنه سيفرض غرامات على بضائعها المستوردة. ولأنه يريد إقناع منتقدي العقود الحكومية بأنه ضد الفساد أعاد عقدين ضخمين للمراجعة، أحدهما لبناء طائرته الرئاسية. ولأن هناك محافظين ضد الإجهاض أمر بمنع إنفاق الدعم الحكومي لعمليات الإجهاض، وهكذا.
لا يمكن أن نقول ترمب ضد المسلمين، بدليل أنه يبني جدارا لمنع تسلل جيرانه المكسيكيين ومعظمهم مسيحيون، ووعد بأنه سيرحل المقيمين غير الشرعيين في الولايات ويربو عددهم على أحد عشر مليونا، ومعظمهم غير مسلمين.
ومن بين 57 دولة إسلامية في أنحاء العالم، لم يفرض ترمب حظر الدخول إلا على سبع دول إسلامية منها، لأن فيها حروبا أو قلاقل، وسلطة مركزية ضعيفة. ومعظم دول العالم تتلكأ في منح تأشيرات دخول لمواطني هذه الدول لعدم وجود سلطات مركزية تستطيع التنسيق الأمني معها. إنما الإرهاب ليس خاصا بهذه الدول، فهو في دول وسط آسيا، وفِي باكستان، وبنغلاديش، والسعودية، وتركيا، وغيرها من الدول الإسلامية، وموجود حتى في دول غربية مثل بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وغيرها. السبب في عدم ضم مسلميها إلى قائمة حظر التأشيرات على مواطنيها، لأن فيها حكومات مركزية، وأنظمة أمنية، يمكن التنسيق المعلوماتي معها وتقليل المخاطر.
معركة ترمب ليست مع المسلمين، ولا المكسيكيين، بل في الشارع الأميركي. يشعر أنه وعد ناخبيه وسيحاول أن ينفذ معظم وعوده التي انتخب بسببها، ورغم إصراره فقد لا يستطيع أن يكسب معاركه، وذلك نتيجة الاحتجاجات الشعبية المعارضة والعراقيل القانونية، وهذه على أي حال مسألة أميركية داخلية.
الولايات المتحدة أكثر بلد في العالم استفاد من المهاجرين واللاجئين والمجنسين، وحتى من غير الشرعيين، في إدارة عجلته الاقتصادية الكبرى في العالم. وقد أصبحت التجربة الأميركية في استيعاب الآخرين ملهمة لكثير من الدول التي تسعى للمنافسة اقتصاديا، حيث جعلت المعايير هي المكاسب والفوائد التي يعود بها الوافد إلى الدولة والسوق، ومن الطبيعي أن يقابله شعور بالرفض عند العاطلين والأقل حظًا في المجتمع. والشعور المحلي الرافض للأجانب حالة مكررة في كل المجتمعات مع تزايد التنافس على الوظائف، والتنافس بين الأحزاب التي تستخدمه في حملاتها الانتخابية، كما فعل ترمب.
والرئيس الجديد المتحمس، بكل ما أوتي من سلطة، لن يتمكن من منع الإرهاب، ولا إبعاد كل المقيمين غير الشرعيين ولا منع التسلل من المكسيك، لكنه سيجرب أن يكسب ما يستطيع داخليًا، وخارجيا أيضا لن تكون كل معاركه رابحة. ولعل أهم قراراته عدم التعاون مع إيران، الأمر الذي سيغضب طهران، وستسلط عليه دُمَاها، في غزة، والعراق، وسوريا، واليمن، والتنظيمات المتطرفة التي ترفع الإسلام بهتانا.
عبدالرحمن الراشد
صحيفة الشرق الأوسط