الموصل(العراق) – شهدت الحملة العسكرية الجارية بشمال العراق لاستعادة مدينة الموصل مركز محافظة نينوى من تنظيم داعش، عثرة جديدة بمعاودة التنظيم الظهور في الأحياء الواقعة شرق نهر دجلة والمعلنة “محرّرة” بشكل كامل، وذلك في وقت تعلن فيه القوات المشتركة المدعومة من التحالف الدولي بشكل متكرّر عن قرب إطلاق معركة الجانب الغربي من المدينة، دون أن تشرع فعليا في تنفيذ تلك “الوعود” التي ينتظرها سكان ذلك القسم بتلهّف على أمل الخلاص من أوضاعهم المعيشية بالغة السوء وتجنّب المخاطر الكثيرة المتربّصة بهم.
وتروج بين الأوساط السياسية والشعبية العراقية أسباب متضاربة بشأن البطء والتلكّؤ في استكمال استعادة مدينة الموصل من داعش، بين من يرى أنّ أسبابا لوجستية تتعلّق بنقص التمويلات والذخائر والقوات اللازمة للمضي في المعركة، ومن يؤكّد وجود خلافات سياسية بين أجنحة متعدّدة داخل الحكومة العراقية، وبين الأخيرة وجهات محلية وعشائرية من محافظة الموصل وأخرى كردية بشأن من يشارك في المعركة ومن يمسك الأرض ويتولى الملف الأمني في المدينة بعد استعادتها.
وخرج الصراع على مسك الأرض وتولي الملف الأمني في الموصل مؤخرا إلى العلن حين تمّ سحب مهمة حفظ الأمن في المدينة من أيدي “حرس نينوى”، الميليشيا السنية التي يقودها محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي الذي تناصبه جهات نافذة في حكومة بغداد العداء وتتهمه بالتواطؤ مع داعش.
وتتحدّث مصادر عن وجود ميليشيات الحشد الشعبي في قلب تلك الخلافات، حيث تدافع شخصيات وأحزاب شيعية عن مشاركة الحشد في معركة الجانب الغربي، فيما ترفض جهات سنية مدعومة إقليميا تلك المشاركة.
وذهب البعض حدّ التشكيك في تعمّد قيادات عسكرية ذات ولاء حزبي وطائفي شيعي إبطاء وتيرة الحملة، ودفعها إلى التعثّر بهدف جعل الاستنجاد بالميليشيات الناشطة حاليا بغرب المدينة أمرا حتميا.
وفوجئ سكان شرق الموصل ليل الخميس-الجمعة بمقاتلي تنظيم داعش الذين طُردوا من ذلك القسم قبل حوالي أسبوعين، يعاودون الظهور في خمسة أحياء ويسيطرون عليها إلى غاية ظهر الجمعة.
ونُقل عن العميد محمد سامر العزاوي، في الوحدة القتالية الرابعة بالجيش العراقي، قوله إن “مجاميع مسلحة للتنظيم تسللت في ساعة متأخرة من ليل الخميس من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي عبر نهر دجلة مستخدمة الزوارق”.
ضابط عراقي: الأحياء المحررة بالموصل تغص بالخلايا النائمة لتنظيم داعش المستعدة لاستئناف القتال
وأضاف لوكالة الأناضول، أن “المجاميع المسلحة تمكنت وبمساندة خلايا نائمة من السيطرة على أجزاء واسعة من أحياء الضباط، والمالية، والثقافة، والزاعي، والشرطة شرقي ضفة نهر دجلة، لأكثر من تسع ساعات وسط مواجهات عنيفة بينها وبين القوات الأمنية بمساندة طيران التحالف الدولي، انتهت باستعادة القوات العراقية السيطرة من جديد على تلك الأحياء”.
وأسفر الهجوم بحسب نفس الضابط عن مقتل 4 جنود عراقيين وإصابة 19 آخرين وتدمير مدرعتين من نوع همر، في مقابل مقتل 32 من مسلحي داعش وأسر 12 آخرين.
وعن أسباب حدوث هذا الخرق الكبير، أشار الضابط العراقي إلى “عدم وجود قوات لمسك الأرض وسد الفراغ الأمني الذي خلفته قوات جهاز مكافحة الإرهاب بعد انتهاء مهامها القتالية، وانسحاب قوات حرس نينوى من الأحياء المحررة إلى خارج المدينة بعد صدور أوامر من القائد العام للقوات المسلحة العراقية حيدر العبادي”.
وأفاد العزاوي بأن “الأحياء المحررة تغص بالخلايا النائمة التابعة للتنظيم، وهي على أهبة الاستعداد لتنفيذ عمليات ضد القوات، وزعزعة الوضع الأمني في أي لحظة، ما لم يتم التحرك العاجل من قبل الجهات المعنية لمعالجة الوضع”.
وأوكلت القيادة العسكرية إلى قوات حرس نينوى بزعامة محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، ودرّبها الجيش التركي، مهمة حفظ الأمن في 30 حيا شرقي الموصل، قبل أن تعود وتأمرها بالانسحاب لخارج المدينة في خطوة وصفها النجيفي بأنها تمّت بناء على ضغوط سياسية.
وتشكل الخلايا النائمة لتنظيم داعش الخطر الأكبر على القوات العراقية التي ما تزال تعمل على تنظيم انتشار قواتها في الأحياء المستعادة لحفظ الأمن.
ولتدارك المزيد من الهجمات، وصلت قوة أمنية خاصة من بغداد إلى شرقي الموصل، لتبدأ حملة البحث عن خلايا داعش النائمة. وقال العقيد فلاح الداودي من قوات الرد السريع بالجيش إن “خمسة أفواج من جهاز مكافحة الإرهاب، والأمن الوطني، والاستخبارات العسكرية قادمة من العاصمة بغداد وصلت إلى شرقي الموصل”.
وبيّن الداودي، أن “مهمة الأفواج سوف تكون القيام بحملات دهم وتفتيش للمنازل السكنية بحثا عن مطلوبين وفق بيانات ووثائق مثبتة لديها تضم أسماء عناصر التنظيم، والخلايا النائمة، والمناصرين له”.
وأضاف، أن “القوة باشرت على الفور مهام عملها من خلال تطويق أحياء القدس، وشقق الخضراء، والزهراء، والمثنى، والقادسية الأولى، والقاهرة، شرقي الموصل، استعدادا للمباشرة بتطهيرها من أي تواجد يخدم التنظيم”.
وقبل نحو أسبوعين، أكملت القوات العراقية استعادة كامل الأحياء في النصف الشرقي من المدينة إثر معارك استمرت على مدى نحو 100 يوم. ومنذ ذلك الوقت تكرّر القيادات السياسية والعسكرية العراقية وعودها باستكمال استعادة باقي أحياء المدينة دون أن تلوح خطوات عملية باتجاه ذلك.
ويعني طول المعركة طول معاناة الأهالي وتعرّضهم للمخاطر في ظلّ تواتر التقارير عن مواجهتهم أوضاعا مزرية تقترب من المجاعة مع نفاد مخزوناتهم من الطعام، فضلا عن الأدوية والوقود ما اضطر الكثيرين منهم لأكل الأعشاب وأوراق الأشجار واستخدام الأثاث المنزلي وحتى الأبواب الخشبية وقودا للطهي والتدفئة.
العرب اللندنية