تستمر المواجهات العسكرية بين القوات الأمنية والعسكرية العراقية وعناصر داعش وفق الخطة المرسومة من قبل قيادة التحالف الدولي بإشراف وتوجيه مباشر من وزارة الدفاع الأمريكية وأجهزتها الأستخبارية والعسكرية، فبعد الإعلان عن انطلاق المرحلة الثالثة من معركة الموصل بتاريخ 19 شباط/فبراير الماضي، بدأت ملامح ومعطيات هذه المواجهة تأخذ أبعادا أكثر وضوحا ودقة في كيفية التعامل الميداني مع المعارك التي تجري في مناطق الساحل الأيمن المعروفة بأزقته الضيقة وأسواقه الشعبية الكبيرة وبنيانه ودوره المتلاصقة وصعوبة تحرك أي قوة عسكرية داخله، ورغم كل هذه الملاحظات والمشاهدات الميدانية الا أن الولايات المتحدة الامريكية أصرت على التعامل مع انهاء هذه المرحلة بكل قوتها وما تمتلكه من أسلحة فتاكة وصواريخ موجهة وطائرات قاصفة ومقاتلة، وأجبرت الجانب العراقي والعسكري عن الإبتعاد عن المواجهة الفعلية مع عناصر داعش ضمن خطة واضحة المعالم والدلائل وهي السعي لإنهاء المعركة بوقت محدد دون النظر الى الخسائر والتضحيات التي يقدمها السكان المحليين والمدنيين ودون إعتبار لإزدياد عدد النازحين وعدم الاكتراث لمعاناتهم ومكابداتهم ولهذا فقد شرعت جميع صنوف القيادات العسكرية العراقية لتنفيذ هذه الخطة واعتماد المشورة الأمريكية التي أسس لها وزير الدفاع الامريكي (جون ماتيس) الذي سبق وان قاد معركة الفلوجة الثانية عام 2004 بعد الغزو الامريكي للعراق واعتماده سياسة الارض المحروقة .
ان جميع الآهداف والنتائج التي تحققت في الأسابيع الأولى لإنطلاق المرحلة الثالثة من عمليات قادمون يا نينوى تؤكد حقيقة ما ذهبنا اليه وما شاهدناه ولاحظناه في متابعتنا للأحداث في مدينة الموصل وخاصة عمليات التهديم والتحطيم التي طالت المدينة في تاريخها وتراثها وأسواقها ودور مواطنيها وممتلكاتهم الخاصة. نحن نتسأل ونقول ما قيمة أي انجاز عسكري يتحقق على أشلاء وضحايا المدنيين الذين لا زالوا تحت الانقاض وما جوهر الغاية الامنية التي تصبو اليها الجهات التنفيذية الميدانية في تحقيقها أمام هول عمليات النزوح وأعداد المواطنين التاركين لدورهم وممتلكاتهم ومزارعهم، ما السبب الذي يجعل القيادات الميدانية العسكرية والأمنية أن لا تغير من خططها العسكرية في منع الاضرار بالسكان المحليين وجعلهم وقودا لنيران المدفعية الثقيلة والصواريخ الموجهة والطائرات المقاتلة مع معالجة القصف العشوائي واستخدام السيارات المفخخة والطائرات المسيرة من قبل عناصر داعش، لماذا الاسراع في انهاء المرحلة الثالثة من العملية العسكرية؟ هل الهدف الرئيسي هو انقاذ أهالي المدينة من ما هم فيه ؟ أم تحطيم البنى التحتية لمناطقهم ودورهم وأسواقهم ومحلاتهم التجارية؟ هل الغاية هو العمل على تحرير الانسان كما يدعون أم تحطيم الانسان؟.
ان الكثير من المعايير قد أختلفت في صور المواجهة التي حدثت في الساحل الأيمن عن مثيلتها التي جرت في الساحل الأيسر ويمكن ملاحظتها بالآتي :
1.ساهم العديد من المستشارين الأمريكان في تقديم المشورة وتحديد الاهداف ووضع الخطط الاستراتيجية لكيفية معالجة نقاط تمركز قيادات ومقاتلي داعش داخل الساحل الأيمن وجعل عملية المساندة والدفاع موكلة لهم والتنفيذ من قبل القطعات الميدانية العراقية .
2.سعت القوات الأمنية العسكرية لتأمين أهدافها الأستراتيجية في الوصول الى ضفة نهر دجلة من الجهة الغربية للمدينة وتحديدا حالات التماس القريبة من أحياء (الطيران-الجوسق-الدندان) ومنطقتي الكورنيش وبنايات المحاكم والبلديات، وتمكنت في الاسابيع الأولى من تحقيق هدفها في السيطرة على منافذ الجسور الثلاثة (الرابع-الحرية-الحديدي )واحداث عمليات التماس مع الساحل الايسر واجهاض عمليات التسلل لعناصر داعش باستخدام الزوارق النهرية عبر نهر دجلة للقيام بعمليات تعرضية على مقرات القوات الامنية المنتشرة داخل أحياء الساحل الايسر .
3.استخدام القصف الجوي الممنهج من قبل طائرات التحالف الدولي وطيران الجيش والقوة الجوية العراقية وبجميع تشكيلاتها وكان معدل الطلعات اليومية بحدود (120-130) طلعة جوية مستهدفة أماكن وتواجد ومقرات قيادات داعش، ولكن هذه الحمم النارية التي تقذف على أحياء ومناطق واسواق الساحل الأيمن كانت تصيب المواطنين وتوقع بهم خسائر وتضحيات جسام وكان العديد من الطلعات الجوية يذهب الى أماكن تواجد المواطنين وفي عمارات ومساجد أتخذت سكنا وملاذا لعدد من العوائل النازحة من أحياء أخرى تشهد مواجهات عسكرية مما أوقع الكثير من الضحايا بلغت لحد الان اكثر من (500) شهيد و(750) جريح وهي احصائيات ميدانية ومن مصادر خاصة .
4.لا زالت السمة الاساسية التي اتصفت بها هذه المواجهات هي التحرك ضمن مساحات ضيقة وقليلة تحدد بالامتار لشراسة المواجهات ولعدد الكمائن المنتشرة ووجود القناصين على الابنية العالية مما تعيق تقدم القطعات الميدانية ولمعرفة حقيقة المنطقة التي تقاتل بها عناصر داعش من قبلهم، لهذا نرى أن عملية التقدم والسيطرة على منافذ الجسر الحديدي القديم المطل على ضفة نهر دجلة دامت (3) أيام وكانت البيانات الصادرو عن المركز الاعلامي الحربي تتكلم بالامتار عن تقدم القطعات العسكرية .
5.صعوبة تحقيق الاهداف ومسك الارض والقيام بعمليات التطهير من العبوات الناسفة والدور الملغمة التي وضعت قبل انسحاب مقاتلي داعش ولولا الجهد الذي تقوم به قيادة التحالف الدولي المتمثل بالقصف الجوي بالطائرات واستخدام المدفعية الفرنسية بعيدة المدى لما تمكنت القوات العسكرية العراقية من صد العديد من الهجمات المقابلة والمباغتة على أحياء سكنية مثل (الطيران-الجوسق-الغزلاني-منطقة المحاكم -كورنيش المدينة ) .
6.تزايد نسبة الاهالي النازحين من أبناء الساحل الأيمن قياسا لما شاهدناه في بداية الايام الاولى من مواجهات الساحل الايسر، فبلغ عدد النازحين من أحياء الساحل الايمن في اليوم الواحد (10) الاف نازح والان عددهم (125) ألف نازح وهذا دليل على شراسة وشدة المواجهات وعدم مقدرة الجهات المسؤولة عن فتح ممرات آمنة للسكان المحليين ونفاذ صبر وتحمل الاهالي واشتداد الحالة عليهم من شحة في المواد الغذائية وانعدام للمستلزمات الطبية وانقطاع للماء والكهرباء .
7.استمرار تقدم عناصر مكافحة الارهاب في مناطق (موصل الجديدة-العكيدات-النبي شيت- الاغوات) ومحاولتها تأمين حالة التماس مع المحور الذي تقوده الشرطة الاتحادية المتقدم ضمن مركز المدينة من منطقة باب الطوب باتجاه (شارع الفاروق-باب الجديد-السرجخانة)وصولا الى هدفهم وهو جامع النوري الكبير الذي ألقى به أبو بكر البغدادي خطبته اشهيرة في 29 حزيران 2014 .
8.كان المحور الغربي من المحاور الرئيسية في مجمل الفعاليات العسكرية التي بدأت في 17 تشرين الاول/أكتوبر 2016 وتمثل هذا المحور في تواجد قطعات الفرقة المدرعة التاسعة وتشكيلات فرقة العباس وكتائب الامام علي في منطقة بادوش التابعة لناحية حميدات وتمكنت من تحقيق هدفها الاستراتيجي من السيطرة على عدة مناطق وقرى رئيسية هي (تل الريس -الجمالية-الشيخ محمد-الجفال -الثلجة ) وقبلها بنايات(سجن بادوش -جابر بن حيان- معمل اسمنت بادوش ) ،وبهذا التقدم حققت عملية السيطرة على الضفة الغربية لنهر دجلة وقطع كافة الطرق والامدادات عن مقاتلي داعش.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية