باريس – أحبط الفرنسيون صعود اليمين المتطرف المتمثل في المرشحة الرئاسية السابقة مارين لوبان، إذ أعلنت نتائج أولية فوز المرشح الوسطي إيمانويل ماكرون بالانتخابات الرئاسية الفرنسية.
ووضعت هذه النتائج حدا لهواجس قادة أوروبيين ومراقبين كانوا يرون في فوز لوبان انهيارا لقيم أوروبية راسخة، ونذيرا بتفكك الاتحاد الأوروبي، خصوصا بعد خروج بريطانيا منه.
ووفقا لوكالة الصحافة الفرنسية قبل إعلان النتائج الرسمية، انتخب ماكرون الأحد رئيسا للجمهورية الفرنسية إثر فوزه على منافسته مرشحة اليمين المتطرف لوبان بنسبة 65.5 بالمئة من الأصوات، مقابل 34.5 بالمئة للوبان، بحسب تقديرات معهدي الاستطلاع “إيفوب” و”هاريس إنتراكتيف”.
وعقب إعلان النتيجة جرى اتصال هاتفي وصف بـ”الودي” بين ماكرون ولوبان.
وبذلك يصبح ماكرون (39 عاما) أصغر رئيس في تاريخ فرنسا مع تحقيقه فوزا كبيرا على مرشحة حزب الجبهة الوطنية (48 عاما).
وأنهت فرنسا الأحد انتخابات رئاسية مثيرة للجدل ليس على المستوى الداخلي فقط، بل طال النقاش ما يمكن أن تحمله نتائجها من تداعيات على المحيط الأوروبي، وبالتالي على النظام الدولي برمته.
ووفق البيانات الرسمية، خصصت السلطات الفرنسية في المجموع 69 ألف مكتب تصويت، موزعة على الأقاليم الداخلية والبقية بالأقاليم والمقاطعات الخارجية أي الواقعة خارج القارة الأوروبية.
ولتأمين هذا الاقتراع الذي يجري في أجواء حالة الطوارئ المفروضة في البلاد، نشرت السلطات الفرنسية –كما في الدور الأول- نحو خمسين ألف عنصر إضافي من الشرطة والدرك، في كامل أرجاء البلاد.
وكشفت الانتخابات انقساما مجتمعيا مقلقا بين مشروعين سياسيين؛ الأول تحمله لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، ويدعو إلى الانعزال والانسحاب من منطقتي اليورو والشينغن ثم الانسحاب من الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي ومؤسسات العولمة الكبرى.
والثاني يحمله ماكرون، رئيس حركة “إلى الأمام” التي استحدثها خصيصا من أجل خوض الانتخابات، ويدعو إلى الانفتاح وتأكيد الخيار الأوروبي مع العزم على إصلاحه، وتأكيد الدور الفرنسي في العالم.
وفيما ركزت لوبان حملتها على معارضة الهجرة وانتقاد الوجود المسلم في فرنسا وتأثيره على هوية البلاد، لم يجد ماكرون مشكلة في الإسلام والمسلمين ودعا إلى احترام قيم العدل والتسامح والمساواة بين مكونات المجتمع.
ويجمع المراقبون على أن الانتخابات الأخيرة أثمرت مفاجأتين كبيرتين؛ الأولى تمثلت في إقصاء الأحزاب التقليدية الكبرى عن السباق الرئاسي، بحيث خرج حزب “الجمهوريون” الديغولي والحزب الاشتراكي من السباق الرئاسي.
أما المفاجأة الثانية تمثلت في تمكن إيمانويل ماكرون، هذا الشاب الذي لا ينتمي إلى أي حزب والقادم من عالم المصارف والذي لا يتجاوز عمره 39 عاما، من إنجاز ما لم تستطع الأحزاب العريقة الكبرى إنجازه، إلى درجة تمثيله لفرنسا الاعتدال في مكافحتها لفرنسا التطرف التي يمثلها ترشح لوبان.
لكن المراقبين لفتوا إلى أن الانتخابات أعادت تعويم حزب الجبهة الوطنية وجعلته حزبا مقبولا داخل المشهد الاعتيادي السياسي، فيما كان الحزب إبان زعامة مؤسسه جان مارين والد مارين لوبان، مهمشا مشيطنا خرجت مظاهرات مليونية ضده عام 2002 حين وصل لوبان إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ما أدى بعد ذلك إلى انتخاب جاك شيراك رئيسا بنسبة تاريخية وصلت إلى حوالي 82 بالمئة.
وستكون الانتخابات التشريعية المحدد الحقيقي لطبيعة ولاية الرئيس الجديد، ذلك أن ماكرون سيكون في حاجة إلى رفده بكتلة برلمانية وازنة كما سيكون في حاجة إلى توسيع شرعيته الجديدة من خلال الإطلالة على “الجمعية العمومية” بعد إطلالته على الإليزيه.
ويرى دبلوماسيون عرب في باريس أن ماكرون يمثل نهج الاستمرارية للسياسة الخارجية لفرنسا حيال القضايا العربية كما أرساها الجنرال شارل ديغول.
وتؤكد هذه الأوساط أن ماكرون سيسعى إلى تطوير علاقة باريس بالعالم العربي على نحو منفصل عن سياسة واشنطن وموسكو في هذا الصدد.
واعتبر هؤلاء أن ماكرون وعلى الرغم من انتقاده للطبقة السياسية الفرنسية، فإنه يبقى ابن “الدولة العميقة”، وبالتالي فإنه سيكون حريصا على توطيد علاقاته العربية وفق ثوابت باريس في هذا الصدد.
العرب اللندنية