افتتح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في 13 ايلول/سبتمبر 2014 أعمال مؤتمره السنوي الثالث الذي عقد في الأردن بعنوان: “المسألة الطائفية وصناعة الأقلّيات في المشرق العربي الكبير” ، وبمشاركة كوكبة من الباحثين المتخصصين والشخصيات العلمية والثقافية العربية. واكد المدير العام للمركز الدكتور عزمي بشارة في كلمة ألقاها في افتتاح المؤتمر أن الطائفية السياسية هي تقويض لبناء الدولة الوطنية والديمقراطية معا، مشددا على أن استبداد الأنظمة العربية هو الذي أجج الطائفية،.
و أشار رئيس مجلس إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور طاهر كنعان في استهلال الجلسة الافتتاحية إلى الأهمية القصوى التي يكتسيها تنظيم المركز العربي لهذا المؤتمر في السياق العربي الحالي الذي يشهد صعودا للطائفية على نحو يهدد بتحويل المنطقةِ إلى دويلات فاشلة. وفي محاضرة تأسيسية لموضوع المؤتمر، تحدث الدكتور عزمي بشارة عن مفهوم الطائفية وتحولاته التاريخية وصولا إلى نشأة الطائفية السياسية في منطقة المشرق العربي، وأوضح أن بروزها بمعناها المعاصرِ وليد استغلال الاستعمار للمنظومةِ الاجتماعيةِ القائمةِ، ثم طريقةِ تأسيسه لقواعد بناء الدولة التي ستَرِثُها الدولةُ الوطنيةُ المستقلّةُ بعد ذلك. وأبرز أن الطائفيّةَ السياسية التي تستثمر التَبعيّة لدِينٍ أَوْ لمَذهبٍ ديني لتحويلِ أتباعِ هذا الدينِ إلى جماعةٍ تُحافظُ على نفسِها في وجهِ كل ما تراه تهديدا لها، ثمّ تحويلها إلى قوّةٍ سياسيّةٍ لها مطالبُ من الدّولة، هي ظاهرةٌ ترافقت مع نشوء الدّولةِ الحديثة.
وقال إنّ الطائفيّةَ السياسيّةَ رَفَعَتْ رأسَها في بلادِنا وازدَهرَتْ معَ فَشلِ مَسارَي الدّولةِ الوطنيّةِ الحديثةِ القائمة على المُواطنة، والديمقراطيّة؛ مؤكدًا أن الاستبداد الذي استَخدمَ الأيديولوجيةَ السياسيةَ القوميةَ لخِدمةِ سَيطرتِه ونُظُمِه السياسيةِ، وفَرَضَها على العربِ وغيرِ العربِ، أجَّجَ الطائفيةَ، ومَنَعَ تكوُّنَ المواطَنةِ بوصفِها انتماءً للدولة لا يحتاج إلى الطائفةِ أو العشيرةِ أو الولاءِ للسُّلطانِ من أجل تكريسه.
ويرى الدكتور عزمي أن ظهور نموذج الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) هو نتيجة لقاء شديد الانفجار بين السلفيّةِ الجهاديةِ والطائفية. والأخطر أنَّ هؤلاء تكفيريّونَ وليسُوا طائفيِّينَ فحَسْب، ويمثِّلون نُكوصًا من مرحلةِ ما قبلَ الطائفيةِ التي نَعرِفُها إلى مرحلةِ الحروبِ الدينية. هذا إضافةً إلى أنَّهم لا ينتَمونَ لأَيِّ حدودٍ معروفةٍ لطائفةٍ، بل يمثِّلونَ إِحياءً كارثيًّا مشوّهًا لمَفهومِ الأمّةِ والخِلافةِ، ما قبْلَ الدولة، وما قَبْلَ حتّى الطائفيةِ المعترِضةِ على الدولة. ولا يُمكنُ أَنْ تنتهيَ هذه الردَّةُ الكبرى عن التمدُّنِ العربي إلّا بِمَأْساة. لكنه يرى أن “داعش” أوصلت الأمور إلى نهايَتِها القُصْوَى الكارثيَّةِ، وهو ما سيفرض بعدَها مُراجعات علَنيّة لأُمورٍ كثيرةٍ كان مَسكوتًا عَنْها في تاريخِنا.
وقدم الدكتور برهان غليون محاضرة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر عنوانها “الطائفية في الصراعات الوطنية والإقليمية”، أكد فيها أن شبح الطائفية يخيم اليوم على كل شيء: على شعور الناس بهويتهم وعلى السياسة، وعلى الدين نفسه. وأوضح أن الطائفية السياسية برزت عندما فشل مشروع الدولة الوطنية وحين أصبحت الدولة وسيلة للسلب والظلم والقهر، ولم تقدم تلك الدولة الحديثة للمواطن شيئًا غير الذل والقهر وتجريده من أي حماية، فأصبح الناس يبحثون عما يؤمن لهم أمنهم وحمايتهم ومكانتهم.
وشدد على أن الطائفية السياسية ليست صنيعة العامّة ولا شغلهم الشاغل إنما هي صنيعة السياسيين الذين يستغلونها. وأوضح أن الطائفية عابرة لحدود الدول الوطنية في العديد من الحالات، ورأى أن الخطاب الطائفي تتعدد أصواته ومصادره في منطقة المشرق العربي، غير أن النظام الإيراني حاليا هو صاحب أسوأ خطاب طائفي.
و أبرز الدكتور أحمد بيضون في محاضرة بعنوان: ” للطائفية تاريخ: في شروط تشكّل الطوائف بما هي وحدات سياسية” سياقات وآليات تحول الانتماء إلى جماعة مذهبية أو اجتماعية إلى تعصب طائفي جرى استغلاله سياسيا. وقدم الباحث السياسي العراقي حيدر سعيد ورقة عمل بعنوان “الطائفية السياسية في العراق” حاول فيها تشخيص مظاهر الطائفية السياسية بعد عام 2003 واصفا تاريخ العراق بانه مطموس الى حد كبير، وان الطائفية السياسية فيه ارتبطت بالدولة الحديثة، معتبراً ان مركزيتها انشأت صراعات بين الهويات.
واكد الصادق الفقيه امين لمنتدى العام للفكر العربي في عمان، ان المؤتمر يبحث في الواقع العربي، وما يواجهه وهو قضية تعوق التحول الديمقراطي و تأسيس دولة المواطنة بين جميع الفئات المجتمع الساكنة واكد ان اسوأ ما يواجه المجتمع العربي هو الطائفية السياسية وهي محاولة تأسيس جماعات سياسية على بنى طائفية ومحاولة تقسيم المجتمع تقسيما سياسيا يؤدي الى العنف و الصراع في اكثر من بلد عربي .
ويتألف جدول الأعمال من سبع جلسات تضم كل جلسة منها محورين تقدم أوراقهما في الوقت نفسه، إذ يتوزع المتحدثون والمشاركون على قاعتين تخصص كل واحدة لأحد المحورين. وخصص الجلستان الأولى والثانية لمحوري: “الدولة وسياسات الهوية وإعادة إنتاج الطائفية”، و”الجذور التاريخية وتطييف الصراعات الإقليمية”. و عرض في المؤتمر اوراق عمل منها “الدولة وسياسات الهوية وإعادة إنتاج الطائفية” في أحد مساري الجلسة الثالثة،فيما يتناول المسار الثاني محور “المواطنة مقابل الطائفية”. وفي اليوم الثاني للمؤتمر، خصصت الجلستان الرابعة والخامسة لمحوري “المسائل الطائفية والإثنية في العراق” و”المسألة الطائفية في مصر”. واختتم اليوم الثاني بمحوري “الأقليات في النظام الفقهي الإسلامي بين التعصب وإمكانات الانفتاح”، و”المسألة الطائفية في بلاد الشام: تاريخ وإشكاليات”. ويشتمل اليوم الأخير على جلستين متوازيتين تجمع عشرة متحدثين موزعين بحسب محورين، هما “الدولة المذهبية والطائفية إقليم الجزيرة العربية – تاريخ وإشكاليات” و”في المسألة الطائفية في بلاد الشام تاريخ وإشكاليات”.
ويختتم المؤتمر أعماله بعد ظهر اليوم الاثنين 15 أيلول/ سبتمبر 2014، بمائدة مستديرة تفاعلية تحت عنوان “العروبة والدولة الوطنية في مواجهة التمزقات الأهلية والسياسات الطائفية وقومنة الهوياتإشكاليات وقضايا، تحديات وآفاق”، ويشارك فيها أكاديميون وباحثون من ذوي الاختصاص والاهتمام.