الخرطوم – يشكل إقليم دارفور مشكلة مزمنة بالنسبة للنظام السوداني، إذ رغم بعض النجاحات التي حققها وأبرزها اختراقه لتنظيمات متمردة وإقناع بعضها بسلك طريق المصالحة، فإنه لا أفق قريبا لحل الأزمة.
ويتعرض النظام اليوم إلى ضغوط أميركية قوية لدفعه باتجاه إنهاء الوضع الشاذ داخل الإقليم، وهذا ما يعقد الأمر بالنسبة له وهو المتمسك برؤيته للحل التي تلقى معارضة من كبرى الحركات المناوئة له في دارفور.
وما يصعب الموقف بالنسبة للنظام هو أن قطر الدولة الداعمة له في حل قضية دارفور تواجه أزمة غير مسبوقة جراء مقاطعة دول عربية وازنة من حجم السعودية والإمارات ومصر والبحرين لها.
وسبق أن قدمت الدوحة الكثير من الإغراءات المالية والسياسية لدفع الحركات المتمردة الكبرى إلى توقيع اتفاقية سلام، بيد أنها لاقت فشلا ذريعا.
وتقاتل 3 حركات مسلحة رئيسية في دارفور ضد الحكومة السودانية، هي العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم، وجيش تحرير السودان بزعامة مني مناوي، وتحرير السودان، التي يقودها عبدالواحد نور.
وتتحصن الحركات المسلحة أساسا في جبل مرة وهي سلسلة وعرة من الجبال تمتد من شمال الإقليم إلى جنوبه بنحو 280 كلم، بين ولايات شمال ووسط دارفور.
ويدرك نظام الرئيس عمر البشير أن الفصائل المعارضة بالتأكيد ستكون أكثر شراسة في التمسك بمواقفها، خاصة في هذا التوقيت حيث تنتظر الخرطوم بفارغ الصبر موعدا مهما لرفع العقوبات الأميركية عنها.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أجل في يوليو قرارا برفع العقوبات إلى أكتوبر عازيا ذلك إلى وجوب أن تبرهن الخرطوم على جديتها في تحسين الوضع الحقوقي والإنساني في البلاد، مع التركيز على دارفور.
وجددت الولايات المتحدة الأميركية الثلاثاء التعبير عن قلقها بشأن تدهور الوضع الإنساني في دارفور وخاصة في جبل مرة، الذي شهد في الأشهر الأخيرة اشتباكات عنيفة بين القوات الحكومية وحركة تحرير السودان ما أدى إلى حركة نزوح كبيرة.
وقالت السفارة الأميركية لدى الخرطوم، في بيان إنّ “حياة الآلاف من الأطفال والفئات الضعيفة تتعرّض للخطر”. وأضافت أنّ “الفحوصات والدراسات التي أجريت مؤخرًا، أظهرت مستويات حرجة من سوء التغذية الحاد والوخيم”.
وخلص البيان إلى أن “هذه الحالة الإنسانية الطارئة المكتشفة في الأسابيع الأخيرة، تكشف حجم ونطاق عواقب الصراع الذي طال أمده في دارفور”.
ووفق البيان نفسه، فإنّ الحالة الإنسانية الملحة في “جبل مرة” تتطلب المساءلة والتزام جميع الأطراف بإنهاء الصراع الذي تسبب في هذه الأزمة.
ودعا “حكومة السودان إلى السماح للبعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد) بفتح قاعدة عمل مؤقتة في بلدة قولو في جبل مرة”.
وتعود أزمة دارفور إلى العام 2003، حيث اندلعت مواجهات مسلحة عنيفة بين النظام والميليشيات القبلية الداعمة له في المنطقة، وبين التنظيمات المتمردة.
ويعود السبب الرئيسي لاندلاع الحرب في الإقليم الواقع غرب السودان إلى اضطهاد القبائل غير العربية، وانعدام المساواة.
وكلف القتال في دارفور 300 ألف قتيل، ونحو 2.5 مليون مشرد. الخسائر لا تقف فقط عند هذا الجانب حيث يواجه الرئيس عمر البشير مذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، فضلا عن عقوبات على نظامه.
وعمد النظام في الأشهر الأخيرة إلى سلك طريق مواز في مواجهة معارضيه في الإقليم عبر محاولة احتواء التنظيمات المتمردة الصغرى وعقد مصالحات مع القبائل بالمنطقة.
ويأمل في أن يؤمن المسار الجديد إخضاع الحركات الكبرى على الأمد المتوسط، وآخر النجاحات التي حققها كان حينما أعلنت حركة “جيش تحرير السودان” عن تسليم أسلحتها.
وقال رئيس حركة جيش تحرير السودان أحمد علي، إن حركته “انحازت للسلام بقناعة راسخة”، معتبرا أن “الحركات المسلحة تنتهج الحرب للمتاجرة بقضية دارفور”.
والحركة تضم 6 آلاف و580 مقاتلا منشقا عن الحركات الرئيسية التي تقاتل في دارفور.
ويقول مراقبون إن تسليم حركة جيش التحرير لسلاحها يمثل بادرة جيدة بيد أنه لا يمكن البناء عليها فعليا في ظل المواقف الرافضة للحركات المسلحة الوازنة والتي بالتأكيد ستعمد في الفترة المقبلة إلى إحراج النظام، لضمان تأجيل جديد لرفع العقوبات.
العرب اللندنية