الطريق إلى تنمية العراق محفوفة بفساد الأحزاب وتسلط الميليشيات

الطريق إلى تنمية العراق محفوفة بفساد الأحزاب وتسلط الميليشيات

ما يبديه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من حرص شديد على تحسين الخدمات وتحريك التنمية وجلب الاستثمارات لبلاده، لا يمثّل ضمانة لنجاح مساعيه التي تظل مهدّدة بنفوذ القوى المتمكّنة من مفاصل الدولة وذات الباع الطويل في نهب مواردها والاستيلاء على مشاريعها وابتزاز الراغبين في الاستثمار فيها.

بغداد – يحاول رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني استثمار ما بقي من عمر حكومته لوضع بصمته على الواقع العراقي من خلال تنشيط التنمية وتحسين الخدمات وجلب المستثمرين إلى البلد، سعيا للرفع من رصيد شعبيته وتعظيم حظوظه في الفوز بولاية ثانية على رأس الحكومة، لكنّه يصطدم بنفوذ الأحزاب والفصائل المسلّحة ذات السوابق الكثيرة في نهب المال العام وتحويل أموال المشاريع إلى مصلحتها وابتزاز المستثمرين، الأمر الذي جعل العراق على مدى السنوات الماضية بلدا طاردا للاستثمار.

واستبعد عضو بمجلس النواب العراقي أن يتمكّن السوداني من استكمال مشروعه التنموي والخدمي الطموح بسبب تدخلات القوى المتنفذة من أحزاب وميليشيات.

وكانت تصريحات صدرت قبل أيام عن دبلوماسية غربية بشأن تعرّض الشركات الأجنبية في العراق لعمليات ابتزاز، قد أظهرت مدى سوء السمعة التي اكتسبها العراق لدى كبار الشركاء الدوليين الذين كان باستطاعتهم لعب دور في تنشيط العملية التنموية العراقية بما لهم من خبرات كبيرة ومن قدرات تقنية ومادية ضخمة.

وقال رئيس الوزراء العراقي إنّ بلاده انتقلت إلى مرحلة التنمية بعد الانتصار على الإرهاب، وأكّد في كلمته لمنتدى الأمن العالمي الذي انعقد قبل أيام في العاصمة القطرية الدوحة أنّ حكومته “آلت على نفسها أن تغير حال الاقتصاد العراقي نحو الانفتاح على الشراكات المثمرة والتنوع في الموارد ومواجهة التحديات المزمنة في البطالة والخدمات والفساد ومحاربة الفقر وتدعيم الإصلاح الاقتصادي بجميع أشكاله”.

ويرفق السوداني خطابه السياسي المركّز على التنمية بنشاط ميداني كثيف في الجهات معلنا عن إطلاق مشاريع استثمارية وخدمية. وفي أحدث زيارة قام بها الخميس إلى محافظة النجف بجنوب العراق أعلن عن إطلاق جملة من المشاريع الخدمية بكلفة إجمالية بلغت حوالي خمسين مليون دولار.

ويقرّ متابعون للشأن العراقي بجدية رئيس الوزراء الحالي في مقاربة التنمية التي شهدت على مدى العقدين الماضيين حالة من الركود شبه التام على الرغم من الأموال الطائلة التي تأتت للبلد طوال تلك الفترة من عائدات النفط.

لكنّهم ينبهون إلى أنّ السوداني قد لا يكون أكثر قدرة من رؤساء الحكومات السابقين على محاربة الفساد وإزاحة سائر معرقلات التنمية في بلاده، كونه أكثر ارتهانا من هؤلاء الرؤساء للأحزاب والميليشيات المسؤولة عن نشر الفساد ونهب ثروات العراق. وتدين حكومة السوداني بالفضل في تشكيلها لمجموعة الأحزاب الشيعية والفصائل المسلّحة المشكّلة للإطار التنسيقي الشيعي.

ويعني ذلك المزيد من تمكّن تلك القوى من مواقع القرار وتغلغلها في مفاصل الدولة من خلال تقاسمها للمناصب الوزارية والوظائف الإدارية، فضلا عن هيمنتها على الحكومات المحلية للمحافظات.

وشهد العراق على مدى السنوات الماضية حالات كثيرة من التسابق المكشوف والتنافس الشديد بين قادة أحزاب وميليشيات على مشاريع حيوية في البنية التحتية والخدمات وغيرها بحثا عن مصادر للإثراء وموارد لتمويل أحزابهم وميليشياتهم التي تمثّل ضمانة لاستدامة نفوذهم.

وقال خضر منتك، عضو لجنة الخدمات في مجلس النواب العراقي، إنّ محمد شياع السوداني لا يستطيع تنفيذ كافة المشاريع المتراكمة المتوقفة بسبب الإتاوات التي تستحصلها الميليشيات.

وأضاف “أن حكومة السوداني تسمى حكومة الخدمات ورئيسها يحاول أن يقدم خدمات تكون مختلفة عما قدمته سابقاتها من الحكومات من ناحية الإعمار والبناء، لكن الكوادر الحكومية هي نفسها كوادر الحكومات السابقة”.

ونفى منتك وجود مشاكل مالية في تمويل المشاريع، مؤكّدا في تصريحات لموقع كردستان أربع وعشرون أنّ إيرادات الحكومة وميزانيتها كبيرة جدا وتكفي لتنفيذ كافة المشاريع، ومستدركا بأن أحد أسباب توقف وتراكم المشاريع هو عدم وجود نية لتنفيذها، لأن الأحزاب المشاركة للحكومة تسيطر عليها من خلال الوزارات التي حصلت عليها.

كما أوضح عضو اللجنة البرلمانية أنّ انعدام الثقة سبب آخر لمشكلة تعثّر التنمية وتلكؤ المشاريع، قائلا إنّه إذا أراد شخص ما تنفيذ مشروع سكني أو خدمي، فإن الميليشيات ستهيمن على المشروع وتستحصل الإتاوات من صاحبه.

ورأى النائب أنّ بارقة الأمل لتحقيق بعض التقدّم في مجال التنمية وتنويع موارد الدولة تكمن في المشاريع الإستراتيجية الكبيرة التي يتم تنفيذها في العراق بالتعاون مع دول أخرى، إذ تختلف تلك المشاريع في رأيه عن المشاريع المتوسطة والصغيرة “لأن المشاريع الإستراتيجية تأتي نتيجة لاتفاقيات بين الحكومات ولا يمكن خلق مشاكل لها بسهولة”.

ويراهن العراق في الوقت الحالي بشكل كبير على مشروع طريق التنمية الذي يعتزم إنجازه بالتعاون مع كل من تركيا والإمارات وقطر، ويتضمّن إنشاء طريق برية وسكة حديد تربطان بين الساحل الجنوبي العراقي المطل على مياه الخليج والحدود التركية شمالا.

لكن الجدية الواضحة لدى الأطراف المشاركة في المشروع لم تنمع جهات متابعة للشأن العراقي من التنبيه إلى قدرة قوى سياسية عراقية نافذة على عرقلته إذا رأت أنه لا يخدم مصلحتها وخصوصا مصلحة حليفتها إيران.

وأكسب تدخّل الأحزاب والميليشيات في المشاريع والاستثمارات، العراقَ سمعة دولية سيئة وحرمه ثقة شركاء دوليين مهمّين مثل ألمانيا التي كشفت سفيرتها لدى بغداد كريستيانا هومان مؤخّرا عن تعرض معظم الشركات الأجنبية في العراق لحالات ابتزاز ومطالبات بدفع الرشاوى من قِبل مسؤولين في الوزارات العراقية للحصول على عقود التنفيذ والاستثمار التي تنفذها تلك الشركات في البلاد، الأمر الذي وضع العراق دائما ضمن قائمة الدول ذات البيئة الخطرة وغير المفضلة للعمل والاستثمار بالنسبة للشركات العالمية الرصينة.

وقالت هومان في مقابلة تلفزيونية إنّ هناك مستثمرين ألمانا طُلب منهم دفع رشاوى وإتاوات مقابل حصولهم على عقود، لكنهم لم يدفعوا لتجنّب الوقوع تحت طائلة القوانين الصارمة لبلادهم. وحذّرت السفيرة من أنّ تلك السلوكات من قبل المسؤولين العراقيين تتسبب بتعثر الاستثمارات في العراق وتدفع الشركات الأجنبية إلى تجنب العمل فيه والهروب منه.

وأربكت تصريحات السفيرة حكومة السوداني التي سارع رئيسها إلى محاولة تطويق المسألة ومنع تحولها إلى فضيحة دولية مطالبا هيئة النزاهة بالتحقيق الفوري في تلك التصريحات، فيما بادرت الهيئة المرتبطة بمجلس النواب ممثلة برئيسها حيدر حنون إلى عقد اجتماع مع السفيرة والتأكيد لها على “أهمية وجود الشركات والمستثمرين الألمان ومشاركتهم في تطوير مختلف القطاعات والإفادة من الجانب الألماني في تنفيذ إستراتيجيات مكافحة الفساد”.

العرب