طهران – وجّهت جهات سياسية محسوبة على مؤسّسة الرئاسة الإيرانية انتقادا نادرا للحرس الثوري ذي السلطات الواسعة لارتباطه المباشر بالمرشد الأعلى علي خامنئي وذلك بسبب انكشاف دور الحرس ومعه حزب الله اللبناني في عملية تشكيل خلية إرهابية وتهريب وتخزين أسلحة بالكويت في نطاق ما بات يعرف بقضيّة “خلية العبدلّي” نسبة إلى منطقة بالشمال الكويتي اكتشف فيها مخزن السلاح والمتفجّرات.
وقررت الكويت الأسبوع الماضي طرد 15 دبلوماسيا إيرانيا وإغلاق البعثات العسكرية والثقافية والتجارية الإيرانية، بعد تثبيت محكمة التمييز الكويتية إدانة عناصر الخلية المذكورة بعدة تهم من بينها التخابر مع إيران.
وبّينت حيثيات الحكم التي نشرت تفاصيلها وسائل إعلام كويتية وجود أدلة دامغة عن أنّ المدانين كانوا يتدربون في لبنان ويجتمعون في السفارة الإيرانية بالكويت، وذلك بتخطيط من دبلوماسي إيراني يعمل في الكويت وضابط آخر تابع للحرس الثوري الإيراني.
ويستخدم الحرس الثوري وأجهزة الاستخبارات الإيرانية البعثات الدبلوماسية لتغطية الأنشطة الإرهابية والتجسسية في الخارج بضوء أخضر مباشر من المرشد الأعلى صاحب السلطات المطلقة، ويتمّ في هذه الحالة إخطار الرئاسة الإيرانية على سبيل الإعلام وليس لأخذ الإذن والموافقة، وهو ما يسمح للرئاسة بالتبرّؤ من الفشل في مثل هذه العمليات وما ينجم عنها من نتائج.
ومُنيت الأنشطة التجسسية والإرهابية الإيرانية في بلدان الخليج خلال السنوات القليلة الماضية بسلسلة من الفشل المتلاحق، حيث أحبطت السعودية عدّة محاولات تجسسية إيرانية داخل أراضيها. بينما أعلنت مملكة البحرين في العديد من المرات عن تفكيك خلايا وشبكات إرهابية تابعة لإيران، وأحبطت مخططات وعمليات إرهابية كانت تلك الخلايا تعتزم تنفيذها.
وأمس الأربعاء، أعلنت السلطات القضائية البحرينية عن استكمال التحقيقات في قضية تشكيل تنظيم إرهابي على صلة بالحرس الثوري الإيراني وإحالة 60 شخصا بينهم 36 قيد الاحتجاز إلى المحكمة المختصة.
وقال رئيس نيابة الجرائم الارهابية أحمد الحمادي في بيان إن هؤلاء وُجهت إليهم تهم تأسيس جماعة إرهابية، والتدرب على استعمال الأسلحة لأغراض إرهابية وقتل والشروع بقتل أفراد الشرطة عمدا.
سلسلة من الفشل منيت بها الأنشطة التجسسية والإرهابية الإيرانية في بلدان الخليج خلال السنوات الماضية
وتبيّن من التحريات، بحسب البيان ذاته، قيام المتهمين الهاربين في إيران والعراق بالتواصل مع أعضاء التنظيم في المملكة لتجنيد عناصر أخرى للتنظيم ومدهم بالمتفجرات والأسلحة النارية والذخائر بمختلف أنواعها بعد تهريبها إلى داخل البلاد وتزويدهم بالأموال اللازمة للإنفاق على معيشتهم وأنشطة التنظيم، كما قاموا بالاشتراك مع القيادي الهارب بألمانيا في تدبير إجراءات سفر عدد من أعضاء التنظيم إلى إيران والعراق للتدرّب على استعمال المتفجرات والأسلحة النارية في معسكرات الحرس الثوري لإعدادهم لتنفيذ الجرائم الإرهابية داخل البلاد.
وتوجّت الكويت سلسلة الفشل الإيراني بتفكيك خلية العبدلي والحكم على عناصرها.
ونُقل عن مصدر في المعارضة الإيرانية مقيم بالخارج طلب عدم الكشف عن اسمه لتجنّب ملاحقة أسرته المقيمة بالداخل الإيراني، قوله إنّ اجتماعا انعقد مؤخّرا في العاصمة طهران لتقييم نتائج وتبعات القرار الكويتي بتقليص التمثيل الدبلوماسي الإيراني بعد إدانة مسؤول بالسفارة الإيرانية في قضية خلية العبدلي. وضمّ الاجتماع ممثلين عن عدة جهات سياسية ودبلوماسية وأمنية بما في ذلك ممثلون عن الحرس الثوري.
وأكّد المصدر ذاته أنّ ممثلا للرئاسة بالاجتماع وجّه لوما لممثل الحرس الثوري على ما سماه خللا في عملية العبدلي نتجت عنه تبعات سياسية مؤثرة على الاستراتيجية التي وضعتها دبلوماسية حكومة الرئيس روحاني والتزمت بتطبيقها طيلة السنوات الماضية وتعتمد على “النفاق الدبلوماسي” حفاظا على أعلى مستوى ممكن من العلاقات مع ثلاث دول خليجية، هي كلّ من سلطنة عمان وقطر والكويت، لضمان موطئ قدم في الخليج من جهة، ولمنع تشكيل مختلف بلدان مجلس التعاون كتلة موحّدة بوجه إيران، من جهة ثانية.
وشرح المصدر أنّ الرئاسة الإيرانية حمّلت عن طريق ممثلها في الاجتماع المذكور الحرس الثوري مسؤولية “خسارتنا ثقة الكويت وإقفال باب آخر من أبواب الخليج العربي بوجهنا”.
وقال إنّ ممثّل الرئاسة كان على درجة من الغضب إلى حدّ نعت انكشاف الدور الإيراني في قضية العبدلي بـ”الحماقة”، موضّحا أنّه لا يناقش مبدأ نشاط الحرس الثوري على أراضي دول الجوار وهو من صميم دوره، ولكنه يطالب بمزيد من الدقّة والحرص حتى لا تتضارب الأنشطة الأمنية مع الاستراتيجيات السياسية والدبلوماسية.
ولم تخف طهران “أسفها” على قرار الكويت طرد دبلوماسييها وتخفيض تمثيلها إلى أربعة موظفين. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي قوله “لم نكن نتوقّع مثل هذا الإجراء من الكويت، يتعيّن أن نتفهم أحيانا بعض الظروف والمشاكل التي تحدث لبعض الدول”.
وأضاف أن “علاقات طهران مع الكويت كانت إيجابية على الدوام، وهذا الإجراء لم يكن محبذا، ويستحق اللوم لكن بإمكاننا مواصلة المحادثات والاتصالات”.
العرب اللندنية