برز إرث أعمال تطوير الأسلحة النووية المشتبه بها في إيران كمسألة مركزية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الوقت الذي يسعى فيه إلى رسم سياسة جديدة تجاه إيران هذا الشهر. ويشير كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية إلى أنّهم يريدون إعادة فتح المسألة. ففي آب/ أغسطس طالبت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي بشكل خاص بأن يتمّ منح المفتشين الدوليين صلاحيات موسّعة جدّاً لدخول المواقع العسكرية الإيرانية كوسيلة للحماية من أي تطوير لقنبلة نووية سرّية. وإذا كانت الإدارة الأمريكية تنوي الاستمرار بهذا المطلب، ستحتاج إلى الإجابة على أسئلة هامة حول التوقيت والنطاق والعواقب المحتملة للضغط الأمريكي المتزايد.
النقاش الداخلي
يحذّر بعض المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين من أنّ اعتماد مقاربة عدائية بشأن قضايا التسليح قد يثير مواجهةً جديدة مع إيران خلال الأشهر المقبلة، مما قد يؤدي إلى تفكيك اتفاق عام 2015 الذي استنزف معظم قدراتها النووية. وقال المسؤولون الإيرانيون إنّهم لن يسمحوا لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” التي تعتمد عليها الأمم المتحدة لمراقبة النشاطات النووية بالدخول مجدداً إلى المواقع العسكرية المشتبه بها.
ومع ذلك، يعترف العديد من هؤلاء المسؤولين الأمريكيين نفسهم بأنّه من المرجح أن تحصل مواجهة حول الوصول إلى مثل هذه المواقع في المستقبل على أي حال. وبموجب الاتفاق النووي، يتعين على “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” التوصّل إلى “استنتاج أوسع” حول ما إذا كان برنامج طهران النووي يُستخدم لغايات سلميّة فقط أم لا. وعندئذ ستُرفع العقوبات الدولية نهائياً، أو بعد امتثال طهران للاتفاق لثماني سنوات على التوالي (أي حتى عام 2023 إذ استمرّت الظروف الحالية). ومن المؤكد تقريباً أنه سيتعين على الوكالة الوصول إلى المواقع العسكرية، ولا سيّما قاعدة بارتشن الشاسعة جنوبي طهران، لاستكمال عملها والتوصّل إلى هذا الإستنتاج.
ويؤكّد أعضاء سابقون من فريق التفاوض في إدارة أوباما أنّ الاتفاق النووي سيعزّز تعاوناً أكبر مع إيران، مما سيسمح بدوره للمجتمع الدولي بتسوية أي مسألة تسليح بصورة أكثر سهولة في السنوات المقبلة. ولا يرون ضرورةً أن يعجل الرئيس ترامب بحدوث أزمة الآن عندما استنتجت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” أنّ إيران تلتزم بمتطلبات الاتفاق.
لكن كبار المسؤولين في إدارة ترامب يعارضون هذه الفكرة قائلين إنّ الفشل في مواجهة إيران الآن قد يسمح لها سرّاً بتحقيق تقدّم حول التسليح بهدف إنتاج قنبلة بسرعة بمجرد رفع القيود المفروضة على الاتفاق. وبناء على ذلك، دعت السفيرة هيلي إلى توافق دولي حول كيفية التعامل مع أعمال التسلح المشتبه بها، قائلةً للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر، “إذا أردنا أن يكون للاتفاق النووي الإيراني معنىً، فعلى الأطراف التمتّع بفهم مشترك لشروطه… وسبق وأن قال المسؤولون الإيرانيون إنّهم سيرفضون السماح بعمليات التفتيش في المواقع العسكرية، بالرغم من أنّ “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” قد قالت إنّه لا يجب أن يكون هناك أي تمييز بين المواقع العسكرية وغير العسكرية”.
أسئلة لم يتم حلها حول بارتشن
على مدى أكثر من عقد من الزمن، حاولت الحكومات الغربية و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” تقييم مدى اقتراب إيران من تطوير سلاح نووي قبل اتفاق عام 2015. وخلصت وكالات المخابرات الأمريكية في عام 2007 إلى أنّ طهران قد تخلّت عن برنامج أسلحة عالية المركزية مثل “مشروع مانهاتن” قبل أربع سنوات، إلّا أنّها قالت إنّه من الأرجح أنّ بعض الأنشطة المرتبطة بالأسلحة قد استمرّت. وقدّمت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” تقييماً مشابها،ً لكنّها ذكرت إنّ المزيد من الأعمال الرسمية قد استمرت حتّى عام 2009. وتنكر إيران أي محاولة لتطوير قنبلة.
وكان من المفترض أن تعالج إيران مخاوف المجتمع الدولي حول التسلّح كجزء من الاتفاق النووي، لكنّها فشلت في ذلك. ومن بين أمور أخرى، وفقاً لما ذكره موظفو الوكالة، رفضت طهران منح “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” إمكانية الوصول إلى كبار العلماء النووين الذين يُعتقد أنّهم متورّطون في اختبارات الأسلحة في أوائل عام 2000. وادّعت طهران أيضاً أنّ الملفّات التي جمعتها “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” حول التسليح ملفّقة. وفي النهاية، سُمح للوكالة بالقيام بزيارة واحدة فقط إلى موقع عسكري واحد، وهو قاعدة بارتشن.
ووفقاً لكبار المسؤوليين الأمريكيين، تشكّل بارتشن إحدى المنشآت التي ما زالت إدارة ترامب تركّز عليها اليوم. ووجدت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” آثار يورانيوم صناعي في القاعدة خلال تفتيشها في عام 2015، وقد خَلُصت السلطات الأمريكية إلى أنّه من المرجح أنّ هذه الاكتشافات كانت مرتبطة بأعمال تصنيع الأسلحة التي أجريت هناك منذ أكثر من عقد من الزمن. وقالت إيران للوكالة إنّ هذه الآثار مرتبطة بمخزونات أسلحتها التقليدية، لكنّ المدير العام لـ”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” يوكيا أمانو خالفها الرأي. وقال في مقابلة أجراها في عام 2016: “لا تدعم العيّنات القصة الإيرانية. ولم يكشف الإيرانييون لنا كل شيء في هذا الصدد”.
ومع ذلك، لم تضغط إدارة أوباما ولا “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” على إيران بشأن هذا الاكتشاف، وبدلاً من ذلك سمحت للاتفاق النووي بأن يدخل حيز التنفيذ في كانون الثاني/ يناير 2016. وقد أشار كبار المسؤولين الأمريكيين إلى أنّ وكالات المخابرات الأمريكية كانت تعرف بالفعل نوع تجارب الأسلحة التي أجريت في بارتشن، وخلصت إلى أنّه من غير المنطقي الإطاحة بالاتفاق بسبب الاكتشاف. وكما أشار أحد المسؤولين في عام 2016، كان من المستبعد أن تكشف زيارة القاعدة من جديد أي معلومات جديدة – “المهمّ الآن هو ألا يعيدوا الكرّة”.
ونظراً لهذه الحساسيّات السابقة، تحتاج إدارة ترامب إلى أن تقرّر مدى صعوبة الضغط الذي تمارسه من أجل الحصول على المزيد من الإجابات حول بارتشن وغيره من القضايا المتعلقة بالأسلحة النووية. وسبق أن جادلت السفيرة هيلي مع الدبلوماسيين الروس في الأمم المتحدة حول الوصول إلى المواقع العسكرية الإيرانية. وتدّعي موسكو أنّ “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” لا تملك أي تفويض بموجب الاتفاق النووي لتفتيش هذه المنشآت، مما دفع السفيرة هيلي إلى الردّ في 28 أيلول/سبتمبر قائلةً: “يبدو الآن أنّ بعض الدول تحاول حماية إيران من المزيد من عمليّات التفتيش. فمن دون التفتيش، يُعتبر الاتفاق الإيراني وعداً فارغاً”.
ومن جانبه، أعلن أمانو الشهر الماضي أنّه غير متأكّد من المدى الكامل لصلاحيات “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بموجب الاتفاق النووي. فالجزء “ت” من «خطة العمل الشاملة المشتركة» يحظّر على إيران تطوير تكنولوجيات للأسلحة النووية، بما في ذلك النماذج الحاسوبية للتفجيرات النووية أو أنظمة التفجير المتعددة النقاط. إلّا أنّ الاتفاق لا يحدّد من عليه التدقيق في امتثال إيران لهذا الحظر. وقال أمانو للمراسلين في فيينا: “إنّ أدواتنا محدودة”.
وفي ضوء عدم اليقين من جانب “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بشأن هذه المسألة والخلاف المصاحب لمجلس الأمن، فإن شبح أعمال تطوير الأسلحة النووية الإيرانية المشتبه بها قد يطارد الولايات المتحدة لسنوات قادمة. وقد أشارت طهران إلى أنّها قد تدفع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” لإعطائها شهادة صحية نظيفة قبل الموعد المحدد، مما يعني احتمال بروز مواجهة حول بارتشن بصرف النظر عن أي خطوة تتخذّها إدارة ترامب على المدى القصير. وعوضاً عن ذلك، قد تضطر إدارة أمريكية في المستقبل إلى الضغط في ما يخص هذه المسألة عندما تبدأ صلاحية قيود الاتفاق النووي بالانتهاء في عام 2023. وعندها، سوف يُسمح لطهران قانوناً بإنتاج وقود نووي على نطاق صناعي، وبالتالي قد تصبح الفترة الزمنية المحتملة لإنتاج السلاح [النووي] أقصر بكثير. وقد قال أحد المفاوضين السابقين في إدارة أوباما: “لطالما علمنا أنّه من المرجّح أن تبرز مسألة التسلّح مجدّداً، لكنّ علامة الاستفهام كانت دائماً حول التوقيت”.
جاي سولومون
معهد واشنطن