منذ عام 2011 الذي شهد قيام الثورة في اليمن لم يلتقط الاقتصاد اليمي انفاسه حتى الآن، وكان اكبر الخاسرين من التحركات والصراعات السياسية في بلد انهكه الفقر والبطالة لعقود طويلة .
ويعانى الاقتصاد اليمني تاريخيا اختلالات في بيئته الاقتصادية ادت الى مشاكل بنيويه في هيكله الاداري نتيجة اندماج اقتصاد دولتين – اشتراكي (في جنوب اليمن) – ورأسمالي (في شمال اليمن)ـ اثر قيام دولة واحدة في 22 مايو 1990م.
وقد شهد الاقتصاد اليمني العديد من الصدمات التي شكلت تهديدا كبيرا له بعد عام 2011 نتيجة هروب رؤوس الاموال وتراجع النشاط التجاري والصناعي وتدهور القطاع الاستثماري في بلد مزقته الانتماءات والولاءات الضيقة بعيدا عن الوطن الام ما ادى الى اضعاف الاقتصاد بشكل عام وانهاك ميزانياته السنوية بشكل كبير .
في شباط/ فبراير العام الحالي حذر تقرير لمنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة من أن الاقتصاد اليمني أصبح على حافة الانهيار، وأن نسبة من هم تحت خط الفقر بلغت 60% من عدد سكان البلاد البالغ 26 مليونًا، محذرة من تعاظم نسبة الفقر الذي يهدد حياة الكثير من اليمنيين..
وفي شباط /فبراير من العام الماضي 2014ايضا أظهر تقرير للبنك المركزي اليمني أن دخل البلاد من صادرات النفط تراجع 37% عن عام 2013 ما يعادل 1.67 مليار دولار. في حين أنفقت الحكومة 2.2 مليار دولار على واردات الوقود لتغطية النقص.
اما الإحصاءات الحكومية فتشير الى ان الوضع الأمني المتدهور ادى الى خسائر في الاقتصاد والموازنة العامة حيث قدرت هذه الخسائر بنحو 7 مليارات دولار ، وقد ارجع الخبراء ذلك للاعتداءات المستمرة على البنى التحتية والمرافق الحيوية مثل خطوط أنابيب النفط الرئيسة وشبكات الكهرباء، بين عامي 2012 و2014. كما أصابت الخسائر شركات القطاع الخاص.
اما ناقوس الخطر فقد دق من قبل البنك الدولي الذي تؤكد الارقام الصادرة عنه ان اكثر من 54% من سكان اليمن هم فقراء ، في حين يواجه 45% منهم صعوبة في الحصول على المياه والغذاء.
اليوم اليمن البلد الذي يصنف بانه الافقر في منطقة الجزيرة العربية واقتصاده يسير في نفق مظلم سيخلق كوارث وتشويه للاقتصاد وتدمير للمقدرات الاقتصادية بشكل يصعب معالجته.
المتتبع لواقع الاقتصاد اليمني يدرك تماما انه على المحك في ظل الأزمات وغياب الاستقرار الأمني الذي يعانيه وهو ما شكل عائقا حقيقيا امام اي تقدم للحركة الاقتصادية والتنمية، اضافة الى ان البيئة الاقتصادية في اليمن تشكل عاملا طاردا للاستثمارات الأجنبية والمحلية.
كما أدت هذه الأزمة إلى تراجع المانحين عن تقديم المساعدات والإيفاء بالتعهدات في ظل ضبابية الوضع الأمني والسياسي في البلاد وكان اخرها اعلان البنك الدولي تجميد عملياته في البلاد والبالغة قيمتها 900 مليون دولار.
وتشير آخر دراسة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية إلى أن شح التمويلات الخارجية سيتسبب في استمرار تأثر مايزيد على 10.5 مليون مواطن يمني بانعدام الأمن الغذائي، وسيصاب نحو 850 ألف طفل تحت سن الخامسة بسوء التعذية الحاد وأكثر من 8.4 مليون فقير من الرعاية الصحية الأساسية ونحو 13 مليونا آخرين من مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي.
اليمن من اضعف الدول النامية اقتصاديا ويعد اقتصاده الأضعف في شبه الجزيرة العربية وتشكل المساعدات والمعونات الدولية مصدرا اساسيا لرفد الاقتصاد اليمني رغم توافر الموارد الطبيعية الا ان غياب الاستثمارات وانتشار افة الفساد حال ان تستفيد البلاد من هذه الثروات .
ويعاني الاقتصاد اليمني منذ زمن بعيد سوء توزيع بالثروة وهو ما اسهم في تراجع مستوى المعيشة لدى الافراد وانتشار الفقر والبطالة ناهيك عن المجاعات المنتشرة في مناطق متفرقة على امتداد البلاد .
وعلى الرغم من أن اليمن لايعد منتجا كبيرا للنفط، إلا أن قطاع الطاقة يشكل نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 70% من إيرادات الحكومة، و90% من صادرات البلاد.
ويعد اليمن منتجا صغيرا للنفط، ولديه احتياطات مؤكدة تبلغ نحو ثلاثة مليارات برميل، بحسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الاميركية، وتشكل حصة صادرات الخام التي تحصل عليها الحكومة من تقاسم الانتاج مع الشركات الاجنبية نحو 70% من موارد الموازنة و63 % من إجمالي صادرات البلاد ونحو 30 % من الناتج المحلي.
ويبلغ سعر النفط المطلوب لتعادل المصروفات والإيرادات في الميزانية هو 215 دولارا بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2013، وهو معدل مرتفع جداً ومن غير الممكن تصوره.
وتمثل الاستثمارات الخليجية الحكومية والخاصة 70% من إجمالي الاستثمارات المدارة في اليمن، وفي مقدمتها الاستثمارات السعودية والمقدرة بين 3 و4 مليارات دولار.
وتدهورت الأوضاع الاقتصادية في اليمن، إضافة الى المالية العامة للدولة نتيجة الهجمات المتكررة وغياب المنح الخارجية التي يتوقع ان تشهد انخفاضا اكبر وخصوصا من دول الجوار الخليجي التي تشكل اكثر من نصف مجمل المعونات الخارجية.
مستقبل الاقتصاد اليمني
وفوق كل ماذكر من مشاكل تواجه الاقتصاد اليمني تؤثر الاضطرابات على المنطقة المحيطة والتدخلات الاقليمية في اليمن ، وما يزيد الاوضاع تعقيدا هو التخوف من تأثر مضيق باب المندب، وهو ممر مائي يصل البحر الأحمر بالمحيط الهندي ويعد منفذا أساسيا لقناة السويس وممرا مهم لشتى دول العالم، وهو الامر الذي قد يلهب المنطقة بصراع طويل وربما يرتقي الى المواجهة العسكرية .
وعلى ما تقدم لابد من بذل جهود حثيثة لانقاذ الاقتصاد اليمني من السقوط في الهاوية ويمكن ان يكون ذلك عبر وضع حد للانفلات الامني والصراع الذي بدأ يأخذ طابع الحرب الاهلية، وكذلك لابد أن يمتلك اليمن خطة متينة ومدروسة للبناء والسير في دروب التنمية، وهو ما يأمل الكثير من المراقبين ان تحققه عمليات “عاصفة الحزم” التي تقودها المملكة العربية السعودية بمشاركة عدد من الدول العربية .
اليمن اليوم يقف على مفترق طرق فيما يتعلق بالاوضاع الاقتصادية والسياسية ويجب ان لايغفل العالم وخصوصا دول الجوار اليمني اهمية الوضع في البلاد لان استمرار الوضع على ماهو عليه قد يقود البلاد الى انهيار اقتصادي مرعب وبالتالي تكون الاراضي اليمنية بيئة خصبة للجماعات المتطرفة والارهابية نتيجة الفقر والبطالة، وما العراق وسوريا الا مثال حي على مثل هذا الوضع! .
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
وحدة الدراسات العربية