النازي هو النازي، سواء كان يهودياً أو غير ذلك. وإدانة النازية والتغاضي عن الفاشية اليهودية هي عاطفة زائفة لدى الشعب اليهودي”. (هاشومير هاتزير. 13 آذار (مارس) 1946).
* * *
في رأيي، ينتمي كتاب توماس سواريز “دولة الإرهاب: كيف خلق الإرهاب إسرائيل الحديثة”، إلى أهم خمسة كتب لا تقدر بثمن عن تاريخ فلسطين الحديثة.
وكنت في انتظار هذا الكتاب الذي يملأ العديد من الثغرات. فعلى الرغم من القراءة المكثفة، كان فهمي للمكاسب التي حققتها الحركة الصهيونية خلال حقبة الانتداب البريطاني ضئيلاً. وقد سمعت عن العصابات الإرهابية اليهودية -إرغون، والهاغاناه ليهي (عصابة ستيرن)، وتفجير فندق الملك داود، والخطة داليت، والتطهير العرقي لنحو 670 قرية فلسطينية، والمجزرة في دير ياسين، واغتيال وسيط الأمم المتحدة، الكونت فولك برنادوت.
ومع ذلك، فإن كتاب سواريز “يعرض مجموعة من الوثائق البريطانية السرية التي لم ينشر الكثير منها أبداً من قبل، ويصف تفاصيل حملة مثيرة للصدمة من الإرهاب الصهيوني في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، والتي استهدفت تحدي الأهداف التي حددها المستوطنون المتعصبون، سواء كان ذلك الحكومة البريطانية، أو الفلسطينيين الأصليين، أو اليهود”.
بقراءة صفحة بعد أخرىمن المخزون المكثف الذي ينشره سواريز عن الإرهاب اليهودي في فلسطين، مررتُ بأوقات استطعتُ أن أتنفس فيها بالكاد. وشعرت بأنني أختنق بجرعة كبيرة من الشر العنيد الذي لا يرحم. وفي الحقيقة، يشكل هذا الكتاب “متحف تخليد الشهداء” الخاص بفلسطين.
استهداف الفلسطينيين
على أساس يومي تقريباً منذ العام 1937، في الوقت نفسه الذي كان فيه البلطجية النازيون يرهبون اليهود الأوروبيين، نفذت العصابات الصهيونية المشكلة من الغرباء اليهود “حملات محسوبة من الإرهاب” ضد الفلسطينيين الأصليين.
وفي هذه الحملة، قد تعرض الفلسطينيون للذبح والتشويه والترويع بلا رحمة جراء التفجيرات المتكررة أو الهجمات بالبنادق الرشاشة والقنابل اليدوية على المقاهي الفلسطينية وعلى “المارة العرضيين”، وعلى السيارات والحافلات الفلسطينية وقطارات الركاب ودور الأيتام والمدارس والمتاجر والأسواق والأحياء العربية. وأغارت العصابات اليهودية على القرى العربية، وزرعت الألغام الأرضية، وأعدمت بدم بارد على غرار النازية القرويين المحاصرين، وضاعفت عصابة الإرغون العسكرية القومية الإرهاب من خلال التهديد بـ”قطع الأيدي العربية التي ترتفع ضد القضية اليهودية.
كان حمام الدم الذي استمر لأكثر من ثلاثة أيام والموصوف في الفقرة الآتية، هو العرف الرهيب السائد في تلك الفترة:
“يوم 26/6/1939، عند الساعة 5:30 صباحاً، أطلق رجالنا النار على عربة نقل عربية في محيط بيت شياريم. وقُتل في الهجوم أربعة عرب وجُرح واحد ومات فيما بعد. وفي اليوم نفسه، بعد وقت قصير من ذلك، أطلق رجالنا النار على أربعة من العرب في الطريق من نيس زيونا إلى ريشون صهيون. وقُتل ثلاثة من العرب وجُرح واحد. وعند الساعة 8:20 قُتل عربي على يد رجالنا في حي ميا شياريم، القدس. ويوم 27/6/1939 عند الساعة 7:00، انفجرت قنبلة ألقاها رجالنا بالقرب من مدرسة شنلر في القدس. وجُرح في الهجوم 6 من العرب. ويوم 28/6/1939، جُرح عربي على طريق النبي صموئيل. وعند الظهر، انفجرت قنبلة في زاوية مقابلة للبنك الإنجليزي-الفلسطيني في حيفا. وعند الساعة 2:30 بعد الظهر، قُتل عربي في ساحة جوريانو في حيفا. وعند الساعة 7:20 مساء، انفجرت قنبلة في منزل في حي وادي الصليب، حيفا. وفي 29/6/1939، بعد بضع دقائق من الساعة الخامسة صباحاً، فتح رجالنا النار على اثنين من العرب على طريق بتاح تكفا- روش-هايين، وقُتل اثنان وأصيب ثالث بجراح بليغة. وفي الوقت نفسه، أطلِقت النار على اثنين من العرب عند الكيلو 78 من طريق حيفا-يافا. وقُتل واحد وأصيب الآخر بجراح خطيرة. وعند الساعة 5:30 مساء، أطلِقت النار على عربي وقُتل على طريق يافا-تل أبيب. وعند الساعة 5:30 مساء، تم إطلاق رصاصات على عرَبة عربية بالقرب من شعاريم. وقُتل 4 عرب وأصيب واحد بجروح بليغة -ومات لاحقاً. وعند الساعة 6:15 مساء، انفجر لغمان تحت قطار بين عكا وحيفا، وتم تدمير السكة الحديدية، وانحرفت القاطرة وثلاث عربات عن الطريق. ولم يكن هناك يهود على متن القطار. وعند الساعة 6:30 مساء، قُتل عربي بالقرب من بستان برتقال الشيخ مؤنس. (أضيفت في النهاية حصيلة الخسائر لليوم) ومات واحد من الجرحى”.
في العام 1943، أنشأت الوكالة اليهودية “فرقاً للرحالة، (والتي) كانت تُحضِّر بشكل منهجي لظهور الدولة اليهودية (مع مخططات للاستيلاء أيضاً على شرق الأردن ولبنان) من خلال الطرد المقرر مسبقاً والحتمي للفلسطينيين الذين، وفقاً لوايزمن، “يجب إخبارهم بحزم بأنها لن تكون لهم دولة أبداً”، وإنما مع نية السماح لنسبة صغيرة منهم بالبقاء ليكونوا عمالة رخيصة؛
“المعلومات التي تم جمعها ضمت الوصف الطوبغرافي لكل قرية، وطرق الوصول إليها، ونوعية الأرض، والينابيع، والمصادر الرئيسية للدخل، والتركيبة الاجتماعية والسياسية، والانتماء الديني، وأسماء قادة القرى، وأعمار الرجال الأفراد، وملحق عن عدائها للمشروع الصهيوني -أي كل ما يلزم لتقرير “أفضل طريقة لمهاجمة” القرى، بكلمات واحد من “الرحالة”. وتم توسيع التفاصيل لتشمل معلومات عن الزراعة وتربية المواشي، والفلاحة، وعدد الأشجار، ونوعية بساتين الفاكهة، ومعدل مساحة الأرض التي تملكها كل عائلة، وعدد السيارات، وأسماء مالكي المحلات، وأعداد الورش، وأسماء الحِرفيين ومهاراتهم. وعندما جاء العام 1948، كانت لدى الجيوش الصهيونية مسبقاً صور، وخرائط، وخطط، وإحصائيات بالغة الدقة عن القرى والقرويين التي سيقومون بمحوها من الوجود”.
استهداف اليهود غير الصهاينة
في حين كانت عاصفة نار الهولوكوست تستعر، ارتكب كلاب الصهيونية في فلسطين جرائمهم الخاصة المعادية للسامية من العنف ضد “أعداء الشعب اليهودي”: وكان العدو الألد هو “اليهود غير الصهاينة”.
“الكثير من الإرهاب في العام 1940 استهدف ‘اليهود غير المتعاونين’” -أي اليهود الذين انتقدوا الصهيونية (الذين وصفوا في ذلك الحين، مثلما هو الحال الآن، بأنهم معادون للسامية)، اليهود الذين رفضوا الدفع للصندوق القومي اليهودي، واليهود الذين قاوموا الضريبة الخاصة للوكالة اليهودية، والشرطة والجنود اليهود الذين كانوا يخدمون الانتداب البريطاني. وبالمناسبة، لم يأت أدنى ذكر للفظاعات المناهضة لليهود على لسان دعائي الصهيونية الشعبي، ليون أوريس، الذي شكل عقول جيلَين من قراء ما بعد الحرب الثانية عن البطولة اليهودية الزائفة، بما في ذلك قصة “الخروج العظيم”.
بطريقة مدهشة، مرة تلو المرة، تمت التضحية بيهود بقسوة لا ترحم على مذبح الصهيونية:
“لم تغير حتى ‘ليلة الكريستال’ (1) أولوياته: فبينما يتحدث في كانون الأول (ديسمبر) 1938، في الشهر الذي تلا الليلة الرهيبة التي آذنت ببداية الهولوكوست، هاجم بن غوريون فكرة إنقاذ أطفال يهود ألمانيا بإرسالهم إلى بر الأمان في إنجلترا، الحركة التي كانت جارية في ذلك الحين بالتعاون مع الكندرترانسبورت. (2) وبدلاً من العمل على جعل كل الأطفال اليهود يهربون بسلام إلى إنجلترا، قال إن من الأفضل ترك نصفهم ليُذبحوا على أيدي النازيين من أجل أن يصبح النصف الناجي مستوطنين في مشروعه الاستعماري”.
“في أواخر العام 1941، عندما كان اليهود يُساقون إلى معكسرات الموت بأحمال القطارات، شجبت عصابة الإرغون، محاولات توفير ملاذ آمن لهم خارج فلسطين، معتبرة إياها “معادية للسامية”، ونشرت تحذيرات موجهة لليهود المعارضين من مغبة التدخل في ‘الحق الإلهي’ الممنوح للصهاينة في حكم فلسطين وشرق الأردن”.
يكشف كتاب “دولة الإرهاب” كيف تم كسر مقاطعة دولية فعالة ضد ألمانيا في آب (أغسطس) 1933، عندما وافق “الموتمر اليهودي العالمي” على إبرام “اتفاق نقل الهافارا” مع ألمانيا الهتلرية، والذي سمح لليهود الألمان الأثرياء الذين يخرجون إلى فلسطين “باستعادة بعض من أصولهم عن طريق استخدام هذه الأصول في شراء سلع من صناعة ألمانية، والتي يستطيعون إعادة بيعها بعد ذلك”، وبالتالي دعم الجهود الاستيطانية. وقد استمرت روابط الصهيونية بالنازيين حتى العام 1937، عندما زار آيخمن فلسطين برفقة مسؤول الهاغاناه، فايفل بولكيس.
استهداف الانتداب البريطاني
يوجه سواريز انتباهنا إلى أنه في حين كانت بريطانيا وحلفاؤها يكافحون للدفاع عن أنفسهم ضد الطغيان العسكري النازي، كان الإرهاب الصهيوني يدق المسامير في نعش الإمبراطورية البريطانية.
كان الإرهابيون اليهود ينسفون بدأب وبلا هوادة البنية التحتية المدنية والعسكرية للانتداب البريطاني؛ الجسور، خطوط السكك الحديدية، مكاتب البريد، دور السينما، مراكز الشرطة، البنوك، محطات القطار، أكشاك الهاتف، خطوط التلغراف، سفينة الشحن البريطانية “س. س. أوشن فيغور”، سجن عكا، نادٍ للضباط، معسكرات الجيش، مطارات سلاح الجو الملكي البريطاني، وكذلك التفجير الإرهابي لمقر الإدارة البريطانية في فندق الملك داود.
كان رجال الشرطة والجنود البريطانيون الشباب يُقتلون بالمئات في الهجمات الإرهابية وحوادث القتل الثأرية الخارجة على القانون على يد الإرهابيين اليهود، الذين نفذوا أيضاً عمليات اغتيال رفيعة المستوى خارج فلسطين، مثل اغتيال اللورد موين، وزير الدولة البريطاني في الشرق الأوسط في القاهرة. كما تم إرسال المتفجرات في رسائل البريد إلى هارولد ماك مايكل، المفوض السامي المتقاعد، وإيرنست بيفين، والوزير لاحقاً أنتوني إيدن، وعضو البرلمان أرثر غرينوود، وأدميرال البحرية اللورد فريزر، ومدير مكتب البريد العام، بل وحتى الرئيس ترومان.
وفوق ذلك، عملت العصابات الصهيونية خلال الحرب العالمية الثانية، بشكل منسق، على تقويض الجهد الحربي البريطاني:
“في أواخر العام 1940، سعى ستيرن إلى عقد تحالف نازي-ليهي، وعندما لم يستجب النازيون لمسعاه، أرسل صديقه وزميله السابق في عصابة إرغون، ناثان ييلين-مور، للمحاولة مرة أخرى. ودعا ييلين-مور، الذي أصبح لاحقاً عضواً في الكنيست، إلى ضرب البريطانيين في فلسطين في حين كانت قوى بريطانيا قد وهنت جراء محاربة النازيين –لإضعاف تلك المعركة أيضاً بكل وضوح”.
“كما سعى ليهي أيضاً إلى خطب ود الفاشيين الإيطاليين -وكذلك فعل وايزمن، لبعض الوقت- والتقى مع بينيتو موسوليني على أساس أن إقامة علاقة مع الفاشيين ربما تخدم كورقة مساومة ضد البريطانيين”.
“مع ذلك، سعى ليهي إلى إبرام اتفاق رسمي مع الفاشيين خلال الحرب، وزُعم أنه كان يزود البعثة العسكرية الإيطالية في سورية بمعلومات عسكرية”.
“احتفظت الوكالة اليهودية بمعارضتها لانضمام اليهود إلى كفاح الحلفاء ضد النازيين، حتى مع أن الشهر الحالي -تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1942- جلب أخباراً قاسية عن معسكرات الموت”.
ويقتبس سواريز الصحفي اليهودي البارز، روبرت ويلتس، الذي قال:
“إنهم لا يريدون القتال ضد هتلر لأن أساليبه الفاشية هي أيضاً أساليبهم… إنهم لا يريدون أن ينضم شبابنا إلى قوات (الحلفاء)… يوماً بعد يوم يقومون بتقويض جهود الحرب الإنجليزية”.
وعلى النقيض من ذلك، ارتقى الفلسطينيون إلى مستوى الحدث:
“سقطت المناشير البريطانية من السماء فوق حيفاً في اليوم الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) (1942)، والتي تحث الناس على التجنيد في قوات جلالته ضد قوى المحور. وبحلول نهاية العام، كان نحو 9.000 من الفلسطينيين العرب قد تجندوا مع قوات الحلفاء، على الرغم من التردد في الانضمام إلى معركة لن تجلب لهم حريتهم الخاصة”.
وفي نهاية المطاف، انضم مجندون يهود إلى بريطانيا بدفع من أجندتهم الصهيونية لبناء وتدريب “جيش ‘يهودي’ منفصل، والذي سيقوم بتعزيز مطالبه الإقليمية بفلسطين”.
حتى يومنا هذا، ما تزال كرامة الفلسطينيين ومقاومتهم حية، لكن “البريطانيين العظماء” خرجوا بشكل مخجل من فلسطين زاحفين على بطونهم. و، على الرغم من خيانة الصهاينة في الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من قتلهم المئات من جنود الانتداب البريطاني ورجال شرطته ومدنييه، ما تزال حكومة المملكة المتحدة تتمسك بانبطاحها تحت الحذاء الصهيوني. ولك أن تخمن.
يذهب بحث سواريز البارع إلى تقديم وصف مفصل للفظاعات غير الإنسانية ولا البشرية التي ارتكبها “أكثر الجيوش أخلاقية” في الشرق الأوسط خلال اغتصابه ومذبحته أحادية الجانب لفلسطين قرب نهاية الانتداب البريطاني وما تلاه.
وأنا أحيّي توماس سواريز لسحبه مسمار قنبلة الحقيقة الهائلة، ونسف السماء العالية على كامل ترسانة الدولة اليهودية من الأكاذيب و”الادعاء بالأحقية”، واستغلال انتهاكات المحرقة لتبرير ما لا يمكن تبريره. وبقراءة كتابه، تصبح الهستيريا المسعورة الإسرائيلية من مطاردة الساحرات والاتهامات المجنونية بـ”معاداة السامية” لأشخاص من أمثال عضو حزب العمال البريطاني، كين ليفنغستون، الذين يتجرأون على فضح حقيقة التعاون الصهيوني مع النازيين وضد أي نقد لجرائم إسرائيل، تصبح الآن منطقية تماماً.
عندما يتعلق الأمر بالشر الخبيث والمرض العقلي العنصري الذي يدعم الأسس الصهيونية للدولة اليهودية، لا يخبرنا سواريز بشيء جديد -وأنا أحثكم على قراءة تقارير “المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان” الأسبوعية، وسوف تختنقون بالغضب لدى مطالعة عقود من المعاناة، والألم، والحزن، والصدمة التي يوقعها يهود إسرائيل كل يوم وبلا هوادة بالعائلات الفلسطينية البريئة التي لم تتخلَّ أبداً عن أرضها وكرامتها.
فاسي فلانزا
صحيفة الغد