رغم أن الموعد الرسمي لانطلاق الحملات الدعائية للانتخابات البرلمانية بالعراق لم يبدأ بعد، فإن بغداد ومدنا أخرى بدأت تشهد حراكا سياسيا قويا استعدادا لبدء المنافسة بين الكتل السياسية ابتداء من 10 أبريل/نيسان المقبل.
وقد شهدت الأسابيع الماضية إعلان تشكيل العديد من الكتل السياسية الجديدة، وهو ما اعتُبر تفتتا للقوائم ذات الصبغة الطائفية التي شهدتها الدورات الانتخابية السابقة.
لكن آخرين يرون أن الأمر مجرد تنقلات وتبادل أدوار، إذ سرعان ما ستعيد هذه الكتل ائتلافها ضمن سياقاتها السابقة بعد إعلان نتائج الانتخابات.
ورغم أن الساحة الشيعية شهدت في السنوات الماضية هيمنة قائمة التحالف الوطني التي تمثل الطيف السياسي الشيعي، فإن حجم الخلافات بين أقطابها السياسية دفعها هذه المرة للنزول في عدة قوائم.
وفي مقدمة التشكيلات الجديدة يبرز ائتلاف النصر الذي يقوده رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، و”دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، و”الفتح” الذي يمثل قيادات هيئة الحشد الشعبي.
بالإضافة إلى ذلك هناك كتلة “سائرون” التي تشكل تحالفا بين التيار الصدري وقوى يسارية وليبرالية، وتحالف “الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، وقوى أخرى.
وتتباين أعداد الذين بدؤوا بتسجيل وتحديث بطاقاتهم الانتخابية من محافظة لأخرى، فهي ترتفع في المحافظات الجنوبية نسبيا، فيما تقول تقارير إن أعدادهم في الموصل لا تتجاوز 6% حتى الآن
استعدادات الكتل
وينفي القيادي في ائتلاف دولة القانون سعد المطلبي وجود أي حديث أو اتفاقيات حول شخص رئيس الوزراء القادم، معتبرا أن ذلك سابق لأوانه وأن “الشعب العراقي وحده من سيقرر ذلك”.
ويضيف للجزيرة نت أن الكتلة الكبرى التي ستتشكل بعد إعلان النتائج داخل مجلس النواب هي من ستحدد رئيس الحكومة المقبلة، رافضا ما يقال عن تأثير خارجي في تحديد اسم هذا الشخص، سواء كان العبادي أو غيره.
ولا يرى المطلبي دخول الكتل الشيعية في قوائم مختلفة تفتتا أو تمزقا للتحالف الوطني بقدر ما هو اختلاف في الرؤى، ومن المتوقع أنها ستتقارب بعد إعلان النتائج لإدراكها حجم التحديات المشتركة التي تواجه العراق، على حد قوله.
ويشهد الشارع العراقي دعوات واسعة لمقاطعة الانتخابات المقرر عقدها في 12 مايو/أيار القادم، بسبب ما اعتبر فشلا للطبقة السياسية في إدارة أزمات البلاد، وارتفاع نسب الفقر والبطالة.
إلا أن ذلك لم يمنع من تنظيم الكتل السياسية لصفوفها استعدادا لخوض المعركة الانتخابية، عبر توزيع مساعدات على فئات شعبية فقيرة، وتعبيد بعض الطرق، ووعود بوظائف حكومية، وهو ما أثار موجة من الغضب والسخرية لدى الكثيرين.
ولا تبدو إمكانية التنبؤ بعدد المقاعد التي ستحصل عليها الكتل المشاركة أمرا يسيرا وفقا للكثيرين، بسبب تعقد المشهد وكثرة أعداد المرشحين، التي تجاوزت 7000 شخص في عموم البلاد.
تكتلات سنية
ومن أبرز الائتلافات السنية التي أعلن عنها “ائتلاف الوطنية” بزعامة إياد علاوي ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، وتحالف القرار العراقي بزعامة أسامة النجيفي، وتحالف بغداد الذي يرأسه النائب محمد الكربولي، وآخرون.
وحسب عضو ائتلاف الوطنية المرشح في الانتخابات المقبلة عمر صبحي فإن أغلب مقاعد الكتل السنية تكاد تكون معروفة من الآن، باستثناء المحافظات المختلطة كبغداد وبابل والبصرة.
ويضيف للجزيرة نت أن “الوطنية” ستحوز على أصوات معظم السنة في بغداد وديالى وصلاح الدين، فيما ستتقدم “القرار” بوضوح في نينوى، أما محافظات ديالى وكركوك والأنبار فستكون مقاعدها موزعة بين مختلف الكتل المتنافسة.
ويتوقع صبحي حصول الكتل السنية على ما بين 80 و90 مقعدا، منها 35 مقعدا لكتلته على الأقل.
ورغم وجود مشكلة عشرات آلاف النازحين الذين يمكن أن يحرموا من التصويت، يرى صبحي أن حظوظ المرشحين السنة إيجابية عموما، باستثناء بعض المناطق التي ستتأثر بغياب نازحيها مثل محافظة بابل.
ويتوقع أن الحشد سيؤثر على سير ونزاهة العملية الانتخابية في بعض المحافظات الجنوبية، لأنه يمتلك السلطة الأمنية العليا في داخل المدن.
تأثير خارجي
ويقول المحلل السياسي رئيس مؤسسة بيت الخبرة العراقي أحمد رشدي إن هناك توجها قويا داخل ائتلاف “النصر” للتنسيق المبكر مع دولة القانون، وذلك من أجل إبقاء منصب رئاسة الوزراء من حصة حزب الدعوة، خاصة مع وجود منافسين من قبل قائمة الفتح الذي يرأسه هادي العامري.
ويتوقع أن يحصد “الفتح” أعلى المقاعد في المحافظات الجنوبية، وذلك بسبب هيمنته على العديد من مفاصل السلطة والقرار الأمني هناك، إضافة إلى حصوله على دعم إيراني واسع.
ويشير المحلل السياسي إلى أن حظوظ ائتلاف الفتح الذي يعرف قادته بالقرب الشديد من طهران تتصاعد مع الحديث عن تصعيد قادم بين الولايات المتحدة وإيران، خاصة النقض المتوقع للاتفاق النووي في 12 مايو/أيار القادم.
ويعلل ذلك باستخدام إيران لورقة الحشد من أجل التفاوض مع الولايات المتحدة على شخص رئيس الوزراء القادم، وهو ما قد يعبث بقواعد كل التحالفات الحالية التي تسعى لتشكيل جبهة سياسية داخل البرلمان قبل الانتخابات.
ويؤكد رشدي وجود مساع بين الكتل للبحث عن إمكانية تكوين جبهة تشكل حكومة أغلبية مريحة، عن طريق مشاركة أقطاب سنية وشيعية وكردية فيها من دون استبعاد الكتل الفائزة الأخرى.
ولكن إذا تم تصعيد موضوع الحشد من قبل الأميركيين، فإن ذلك سيجبرهم على تعطيل الاتفاقيات السابقة وعقد أخرى جديدة، على حد قوله.
المصدر : الجزيرة