لندن – يكافح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإنقاذ الليرة من موجة تراجع حاد على إثر أزمة اقتصادية تقود البلاد إلى عدم اليقين، قبيل أسابيع على انتخابات مبكرة من المتوقع أن يجد أردوغان صعوبة في حسمها من الجولة الأولى، بسبب المتاعب الاقتصادية التي تحولت إلى محور حياة المواطن التركي.
ووسط سير البنك المركزي عكس اتجاه أردوغان عبر رفع الفائدة، يبدو أن الحكومة لم يعد أمامها خيار سوى اللجوء إلى خطاب شعبوي يضمن لها تماسك كتلتها الانتخابية دون تصدع.
ورفع البنك سعر الفائدة على الإقراض لنافذة السيولة المتأخرة إلى 16.5 بالمئة من 13.5 بالمئة. وأبقى البنك المركزي على نوعي الفائدة الآخرين دون تغيير، ومن ثم فإن هذا يعني أن سياسة تركيا متعددة الفائدة ستظل سارية.
وبالفعل توقف نزيف الليرة، الجمعة، عند حاجز 4.69 مقارنة بالدولار، بالتزامن مع حشد الرئيس التركي قواه ضمن حملة منسقة لطمأنة المستثمرين خصوصا.
ومن المقرر أن يعقد اجتماع، الأسبوع المقبل، بين مسؤولين أتراك كبار، بقيادة نائب رئيس الوزراء محمد شيمشك ومستثمرين، ضمن محاولة تركية يغلفها اليأس لتهدئة قطاع الأعمال.
وأعاد أردوغان تأهيل شيمشك سريعا، ووضعه على رأس الوفد الذي يزور لندن للمرة الثانية، بعدما فشل خلال زيارة سابقة في إقناع المستثمرين بالإبطاء من موجة سحب الاستثمارات المتنامية.
وحاول أردوغان نفسه، خلال زيارة أجراها إلى بريطانيا منتصف هذا الشهر، تعديل مسار حركة الاستثمارات ونظرتها إلى بلاده، لكن دون جدوى.
وأعلن محافظ البنك المركزي مراد شتين كايا، الذي يرافق شيمشك ضمن زيارته إلى لندن، الجمعة، أنه سيمنح مميزات للمصدرين الأتراك لتسديد بعض الرسوم بالليرة التركية، بأسعار صرف مميزة.
وكل هذه الجهود هي محاولات للتخلص من “الشيطان الأكبر” الذي يؤرق أردوغان، وتسبب أساسا في دعوته إلى الانتخابات. ويعلم الرئيس التركي أن خصومه السياسيين سيوظفون ورقة الاقتصاد لحصره انتخابيا.
وقال معارض تركي بارز، رفض الكشف عن هويته، لـ”العرب” إنه “لو استمرت الليرة في التراجع بنفس المعدل فمن المحتمل أن نصل إلى مرحلة يصبح معها عقد الانتخابات في موعدها مستحيلا”.
وتضمنت الحملة، التي تهدف إلى تبديد شكوك أنصاره حول سياسته الاقتصادية المرتبكة، إعادة رص الصفوف تحسبا لتراجع الروح المعنوية في معسكر الإسلاميين.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن تركيا ليست دولة يمكن كسرها من خلال اللعب بأسعار الصرف.
وأضاف خلال زيارته، الجمعة، لاتحاد غرف التجار والحرفيين في أنطاليا جنوبي تركيا “فشل الراغبون في كسر تركيا والرئيس رجب طيب أردوغان حتى الآن، في تحقيق هدفهم باستخدام طرق مختلفة بينها المحاولة الانقلابية، والآن يحاولون الإضرار بتركيا من خلال الهجوم الاقتصادي”.
وسرعان ما حشد أردوغان كيانات الإسلام السياسي من خارج تركيا لتوظيف الخطاب الديني لاستقطاب المتدينين في تركيا للتصويت لمرشحي حزب العدالة والتنمية، عبر الترويج لنظرية “المؤامرة”.
وقال الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القره داغي إن “انخفاض قيمة الليرة التركية يعود بشكل أساسي إلى الضغوط الأميركية على المستثمرين لسحب أموالهم”.
وأضاف القره داغي في تسجيل صوتي أن “السبب الأساسي لانخفاض الليرة التركية سياسي، ويعود إلى الضغوط الغربية والتشكيك في اقتصاد تركيا القوي”.
وأرجع القره داغي هذه الضغوط إلى أمرين أساسيين؛ الأول أن “تركيا متفقة إلى حد كبير مع روسيا وإيران، وهذا بالتأكيد يزعج الولايات المتحدة بشكل كبير، لأنها تريد محاصرة إيران، وإضعاف روسيا، لذلك تأتي التحذيرات (الأميركية غير المعلنة) من الاستثمار داخل تركيا”.
أما السبب الثاني فيكمن في “مواقف تركيا من القضية الفلسطينية والقدس الشريف، والصهاينة المحتلين”.
ويريد أردوغان، عبر هذا الخطاب الشعبوي، احتواء خطاب معاد للغرب فاجأه به المرشح الأقوى في صفوف المعارضة محرم إنجه، الذي كان أول من وطأ الخطاب المعادي للغرب بعد أردوغان في تركيا. وبذلك يشكل إنجه خطرا على الأصوات التي كانت في السابق مضمونة لأردوغان في أوساط المعادين لواشنطن ولدورها في تركيا وسوريا والمناصرين للقضية الفلسطينية بشكل خاص.
العرب