منتصف الشهر الحالي أعلنت قوات النظام السوري التوصل لاتفاق ينهي الأعمال القتالية في بلدات جنوب العاصمة دمشق ويقضي بترحيل مقاتلي الفصائل المعارضة إلى شمالي البلاد، وبعد ذلك بحوالي أسبوع انتهت العمليات العسكرية في دمشق ومحيطها بشكل تام مع إخراج آخر عناصر تنظيم الدولة الإسلامية من مخيم اليرموك وحي الحجر الأسود.
ويبدو أن صمت المدافع لا يعني انتهاء الحرب التي تعصف بالبلاد منذ سبع سنوات حيث تتشكل ملامح لصراعات جديدة على الأرض أبرز أبطالها حليفتا النظام السوري الأساسيتان روسيا وإيران، وأحد مسارحها اليوم هو منطقة جنوب العاصمة، وبشكل أساسي بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، وذلك وفق أحداث يرويها سكان تلك البلدات.
شرطة روسية
فمع خروج آخر مقاتلي المعارضة من جنوب دمشق وتسوية أوضاع الراغبين بالبقاء فيها شهدت بلدات المنطقة انتشار الشرطة العسكرية الروسية كجزء من اتفاق التسوية الذي أعلن عنه مركز المصالحة الروسي في سوريا.
ونقلت وسائل إعلام متعددة -على رأسها قناة روسيا اليوم- أخبارا تفيد بـ”تناوب دوريات الشرطة الروسية على مدار الساعة في الشوارع الأساسية، ونصب نقاط مراقبة وتنسيق الإجراءات الأمنية مع السكان لضمان أمنهم”.
وتحدث أحد سكان جنوب دمشق -ويدعى سارية محمد- للجزيرة نت عن استقرار نسبي للوضع في المنطقة من الناحية الأمنية، مع سيطرة الشرطة الروسية بشكل كامل على البلدات المذكورة، والتوقف التام للعمليات العسكرية، وفتح الطرق الرئيسية وإزالة كافة السواتر الترابية منها.
ويشير المتحدث إلى محاولة أفراد الشرطة الروس -وهم مسلمون من أصل شيشاني- استمالة قلوب السكان عبر المعاملة الحسنة واستقبال الشكاوى عبر المراكز المنتشرة في أنحاء المنطقة، وأيضا تعمد مواجهة الخروق التي قد يرتكبها عناصر تابعون للتشكيلات النظامية المختلفة أو المليشيات المقاتلة إلى جانبها.
مقاطع فيديو وصور انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي تؤكد ما يقوله محمد، حيث ظهر عناصر من الشرطة الروسية وهم يوقفون جنودا سوريين ويجبرونهم على الاستلقاء أرضا ويهينونهم أمام مئات الأهالي المتجمعين أثناء محاولتهم سرقة بعض منازل المدنيين.
وباتت تلك السرقة تعرف بـ”التعفيش”، وأصبحت ظاهرة اعتيادية عند دخول قوات النظام أي منطقة بعد إخراج مقاتلي المعارضة منها، حيث يقوم الجنود بسرقة كل ما يمكن حمله على اعتبار أنه غنائم حرب.
”
سكان يتحدثون عن سعي بعض لجان المصالحة إلى تشكيل ما يشبه اللجان الشعبية في بلدات تقع جنوب دمشق من أجل تقليص نفوذ ووجود الشرطة العسكرية الروسية فيها وإحلال عناصر محلية ذات ارتباط إيراني مكانها
”
حرب باردة
وبكل الأحوال لا تبدو هذه التصرفات مرضية لحليفة النظام الأخرى إيران التي تنتشر مليشياتها في بلدة السيدة زينب المجاورة وهي معقلها الأساسي.
وتسعى إيران منذ السنوات الأولى للحرب إلى بسط سيطرتها على أكبر مساحة جغرافية ممكنة في دمشق ومحيطها لتثبيت موطئ قدم لها في هذه المنطقة الإستراتيجية.
ويتابع محمد حديثه للجزيرة نت فيؤكد أن الشرطة الروسية عمدت منذ الأيام الأولى لإظهار الحزم والقوة أيضا تجاه المليشيات الشيعية الموجودة على أطراف بلدات الجنوب الدمشقي المتاخمة لبلدة السيدة زينب، وهددت بقصف مقار تلك المليشيات إثر حوادث إطلاق نار وخطف ارتكبتها بحق الأهالي.
وضمن نفس السياق يتحدث فارس سلامة -وهو من سكان المنطقة أيضا- عن دور بعض لجان المصالحة التي تسعى إلى تعزيز النفوذ المحلي والإيراني في آن معا عن طريق الضغط لتشكيل ما يشبه اللجان الشعبية لحماية المنطقة بغرض تقليص نفوذ ووجود الشرطة العسكرية الروسية وإحلال عناصر محلية ذات ارتباط إيراني مكانها بذريعة عدم الحاجة إلى الروس.
كما يشير سلامة إلى حرص تلك اللجان وبشتى الطرق على نشر خطاب تسامح بين الطوائف المختلفة، وسعيها الحثيث لفتح الطرق بين بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم وبين بلدة السيدة زينب رغم عدم موافقة الأهالي تخوفا من عمليات انتقام محتملة قد تنفذها المليشيات الشيعية.
ويضيف في ختام حديثه “نحن اليوم بين ناري احتلال: الأول روسي والثاني إيراني، قد يختار أهالي المنطقة أهون الشرين لكننا نأمل أن نتخلص يوما من كل الغرباء، وهو ما لن يحصل باستمرار حكم هذا النظام الذي يضع مصالحه فوق كل اعتبار”.
المصدر : الجزيرة