بغداد – أثار اللقاء الذي جمع هادي العامري، زعيم قائمة الفتح المقربة من إيران، بالسفير الأميركي في بغداد دوغلاس سيليمان، استفهامات كثيرة بشأن قدرة حلفاء طهران في العراق على التماسك أمام الضغوط الدولية المستمرة.
وأبلغ مسؤول دبلوماسي في بغداد “العرب”، بأن “الولايات المتحدة الأميركية تحاول عزل منظمة بدر التي يتزعمها العامري عن تحالف الفتح المدعوم من إيران”.
وقال مصدر سياسي عراقي إن “تحالف الفتح يشهد تنازعا واضحا بين زعاماته، بشأن العلاقة مع الولايات المتحدة”، موضحا أن “العامري يؤيد قدرا معقولا من الانفتاح على واشنطن بشكل لا يغضب إيران، بينما ترفض حركة عصائب أهل الحق، وهي ثاني أكبر قوة في الفتح، أي تقارب مع الولايات المتحدة”.
ومؤخرا أيد الكونغرس الأميركي مشروع قرار يضمّ حركة عصائب أهل الحق، إلى لائحة المنظمات الإرهابية.
ويقول قيس الخزعلي زعيم الحركة، إن الإجراء الأميركي جاء ردا على فوز العصائب بخمسة عشر مقعدا في برلمان 2018، بعدما كانت تشغل مقعدا واحدا في برلمان 2014.
وتقول مصادر في البنك المركزي العراقي، أعلى سلطة نقدية في البلاد، إن المصرف الذي تشغله عصائب أهل الحق، ويختص بتحويل العملات الصعبة من العراق إلى إيران، قد يخضع لقيود قاسية تعطل معظم تعاملاته المالية، على خلفية تصنيف الحركة منظمة إرهابية.
وسبق للولايات المتحدة أن وضعت مصرفا عراقيا يملكه آراس كريم، زعيم المؤتمر الوطني، المرشح الفائز على لائحة رئيس الوزراء، ضمن القائمة السوداء، بسبب دوره في توفير العملة الصعبة للمصارف الإيرانية الرسمية.
وبالرغم من التحالف السياسي بين كريم والعبادي، إلا أن البنك المركزي العراقي، جمد فورا، جميع تعاملاته مع “مصرف البلاد”، استجابة للقرار الأميركي.
وتأتي جهود السفير سيليمان لدعم خطة منع عصائب أهل الحق من التأثير في المشهد السياسي، من خلال التواصل مع الشريك الأكبر للحركة في تحالف الفتح، وهو “بدر” بزعامة العامري.
ووفقا للدبلوماسي العراقي، المتابع لجهود التواصل بين ممثلي الولايات المتحدة وزعماء عراقيين، فإن “الحكومة العراقية الجديدة ربما تتقبل انضمام منظمة بدر، وإقصاء العصائب”.
وتقول المصادر إن “العلاقات بين العامري والخزعلي تمر بأسوأ صورها”.
ويرفض زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي يرعى قائمة “سائرون” الفائزة بالمركز الأول في الانتخابات العراقية، مشاركة عصائب أهل الحق في أي تشكيلة وزارية تتبناها كتلته.
والخزعلي هو أحد مساعدي الصدر السابقين انشق عنه بتشجيع إيراني وشكل ميليشيا مسلحة اتهمت بارتكاب أعمال عنف طائفية، فيما تقول حركة العصائب إنها موجودة لمواجهة النفوذ الأميركي في العراق والمنطقة.
وأبلغ قيس الخزعلي الصحافيين في بغداد بأن “قائمة الفتح تجري مشاورات مستمرة مع قائمة سائرون لمناقشة سبل تشكيل الحكومة الجديدة”.
وتقول مصادر مطلعة إن الخلافات بين العامري والخزعلي بلغت ذروتها مع لقاء الأول بالسفير الأميركي، فيما راح الثاني يطلق إشارات كثيرة عن تراجع حظوظ زعيم منظمة بدر في تولي منصب رئيس الوزراء.
وفي غضون ذلك، أكد جعفر الموسوي المتحدث باسم الصدر “وجود مفاوضات مستمرة بين تحالف سائرون مع الكتل السياسية الأخرى” من دون تسميتها، مشيرا إلى أن “الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك ستكون حاسمة بهذا الخصوص”.
ويدعم الموسوي القراءة التي قدمها الخزعلي عن وجود مسارين لتشكيل الحكومة الجديدة، يحكمهما البعد والقرب من إيران. وقال إن “هنالك قطارين يتجهان لتشكيل الكتلة النيابية الأكثر عددا”، لافتا إلى أن “تحالف سائرون يقود القطار الأول وائتلاف دولة القانون يقود القطار الثاني”، جازما باستحالة التقاء هذين القطارين في نقطة مشتركة لتكوين تحالف واحد.
ولم يستبعد مراقبون عراقيون وجود من يخطط للقفز من المركب الإيراني للأسباب نفسها التي دعته في أوقات سابقة إلى الصعود على متن ذلك المركب. وهي أسباب نفعية يتم التستر عليها بغطاء عقائدي.
وقال مراقب عراقي في تصريح لـ”العرب” إن الموالين لإيران هم الأكثر دراية بخبايا المشروع الإيراني في العراق الذي بدأ يتخلى عن مظاهره الدينية ليظهر على حقيقته باعتباره مشروعا سياسيا، تناور من خلاله إيران في علاقتها المضطربة مع الولايات المتحدة.
وأكد المراقب أنه إذا ما كان الخزعلي لا ينتمي إلى النوع الذي يفكر في التخلي عن إيران حماية لمكتسباته السياسية في العراق فلا يعود السبب في ذلك إلى ارتباطه العقائدي بنظام ولاية الفقيه بقدر ما يعود إلى أن ورقته العراقية قد احترقت بموجب القرار الأميركي الذي وضع عصائبه على قائمة المنظمات الإرهابية، بمعنى أنه صار وبشكل نهائي جزءا من السلة الإيرانية التي يجب أن تستهدفها العقوبات الأميركية.
وأشار إلى أن الأطراف السياسية العراقية التي تستعد لإقامة تحالفات في ما بينها لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر باتت على يقين من أن طبيعة علاقتها بإيران صارت هي المعيار التي يتم بموجبه القبول بها أو رفضها في الحكومة المقبلة لا على المستوى الشعبي حيث النفور من الهيمنة الإيرانية كان شعار الفائزين في الانتخابات فحسب بل وأيضا على مستوى الرؤية الأميركية لعراق المرحلة المقبلة.
ويتوقع الكثيرون أن المرحلة المقبلة سيغلب عليها التأثير الأميركي، وهو ما سيؤدي إلى استبعاد الأطراف التي تورطت بولائها المعلن لإيران وفي مقدمتها عصائب أهل الحق، أما الأطراف الأخرى فإنها ستمر بفترة اختبار قد لا تكون طويلة من أجل تحديد قدرتها على أن تصنع مسافة بينها وبين ماضيها المشتبك بالمشروع الإيراني وبين رغبتها في أن تكون جزءا من الخيار الأميركي في العراق.
العرب